عصام فارس والحضور المستدام
يتجاوز نائب رئيس مجلس الوزراء الأسبق عصام فارس حضوره الوطني كفرد من أفراد المجتمع، في الوطن أو في بلاد الاغتراب… إنه يَحْضُر بوصفه شخصية لبنانية من النخب العلمية والاجتماعية والاقتصادية الناجحة، التي خاضت تجاربَ رائدة على غير صعيد. ولم تكن تجربته السياسية في المعادلة الحكومية بعد الطائف يتيمة في الميدان العام. فالرجل عريق في مبادراته الإنسانية ـ الأكاديمية ـ البحثية ـ التنموية، بدءاً من مؤسسة عصام فارس التي قدمت مساعدات عينية وخدمات جُلّى للمحتاجين إليها من طلبة العِلْم الجادّين، إلى العطاء النوعي لجامعات مرموقة في لبنان والعالم. ولم يكن الحفل التدشينيّ لمعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، أمس الأول، سوى نموذج من المنح التي قدمها الرجل ـ الظاهرة إلى مؤسسات التعليم العالي العريقة، أو الجديدة الواعدة التي أثبتت أنها جامعات منتجة للمعرفة والبحث العلمي، لا دكاكين تجارة رخيصة تتمظهر بالواجهة الجامعية، وهي في الجوهر ولاّدة أمّيةٍ مغطاة بالشهادات.
ينهض المعهد الجديد على مناهج حديثة في اختصاص السياسات العامة والشؤون الدولية. وقد اعتبر فارس في كلمته المتلفزة التي أذيعت في الاحتفال أن الاختصاص المزدوج الذي يمثله هذا المعهد يخدم قضيتين هدفهما الاستجابة للمصلحة العامة، وتقوية الدولة، وتطوير مواطنين فاعلين، وتعزيز حقوق الإنسان. وأضاف، منتقداً العرب على فشلهم في استخدام النظام الدولي لتعزيز مصالحهم لأنهم نادراً ما قاربوا الشؤون الدولية بموقف واحد: «قلما يقوم العالم العربي بمبادرة، وغالباً ما يقوم بردّ فعل على الأحداث الدولية، ويلقي باللائمة على الغير للمشاكل التي يتخبط فيها».
عصام فارس أبو مؤسسات، وقيمةٌ مضافة… تخطّى حدود قريته الصغيرة في قضاء عكار، ليعانق رحاب التفكير المنفتح والممارسة الأرحب. وتميز في خلفيته الثقافية بعبور الشرنقات الطائفية إلى آفاق دولة مدنية جامعة تحترم مواطنيها وتسلّحهم بالتطور العلمي، والحداثة المعرفية، والتنمية المستدامة، لأنه أدرك أن الحضارة خزان عطاءات تصون التراث وتتخطاه بإبداع الجديد… تلك هي الرحلة التي سلكها عصاميّ آمن بأن المجتمع معرفة وأن المعرفة قوة، فحافَظَ على الأصالة لكنه وثب منها إلى المرتفعات، في حين فرّط آخرون بالأصالات فخسروها قبل أن ينحدروا منها إلى ما دونها، وهم لا يدرون ماذا يفعلون.