حكي سوري

د. سمير صارم

الأغلبية العظمى من أصحاب القرار في تعيين الإدارات الأدنى منها تبحث عمّن لا يختلف معها، أو بعبارة أصحّ: عمّن ينفذ توجيهاتها، ويمتدحها، ويصفق لها.

السؤال المطروح هنا هو: هل مثل هذه الإدارات قادرة على المساهمة الفاعلة في التعامل مع ارتدادات الأزمة ومنعكساتها الإدارية، أو الاقتصادية، أو في أي قطاع آخر؟

بالتأكيد لا…

لماذا؟ باختصار: لأنها إدارات منفذة، لا إدارات مبدعة، أو مبادرة، وتعرف ما يُراد منها. إدارات تنتظر أن يُقال لها: افعلي كذا، ولا تفعلي كذا. مع أنّ النجاح لا يصنعه الرأي الواحد، ولا اللون الواحد، بل الآراء المتعدّدة التي ترى الأوجه المختلفة، والتي قد تكون متباينة للقرار، للخطة، للتوجه، والآراء المتعدّدة حكماً هي لأشخاص متعدّدين، ولثقافات قد تكون مختلفة، ولألوان يمكن أن تكون متباينة.

لذلك حرصت أغلبية الإدارات السابقة والحالية والمتعاقبة على إرضاء صاحب القرار في تعيينها، وذوي التأثير في استمراريتها، فأتقنت، في غالبيتها، فنون الطاعة بمسمّياتها المختلفة. حتى قيادات الصف الثاني في أي وزارة أو مؤسسة صارت نسخة طبق الأصل عن قيادات الصف الأول كي يستمر الرضا عنها، بل وترقيتها لتكون البديل الجاهز عند أي تغيير لأي سبب.

وبالتالي ممنوع على أحد في أي وزارة أن يلفت النظر إليه بعيداً عن الوزير الذي يجب أن يدين له الجميع بفضل كلّ نجاح، أو إنجاز يقومون به، حتى ولو خُيِّل إليهم أنه إنجاز.

وممنوع على أحد في أي مؤسسة أن يلفت النظر إليه بعيداً عن مديره العام الذي يجب أن يعيد له كلّ نجاح أو إنجاز، أو ما يتخيّل أنه إنجاز أو نجاح.

وقياساً، يمكن أن نبدأ بوزير، ولا يتمّ الانتهاء برئيس مرآب.

مرة أخرى: هل يمكن أن نحلّ أزماتنا التي صارت عديدة بمثل هذه الإدارات، أو بمثل العقلية التي تختار هذه الإدارات؟

ومرة أخرى: بالتأكيد لا.

فالتعاطي أو التعامل مع الأزمة في قطاعاتها المختلفة يحتاج إلى من يختلف مع الوزير، ومع رئيس الوزراء، ومع المدير العام، ويحاور ويظهر الجوانب السلبية لكلّ عمل أو قرار أو توجه، حتى ولو استدعى الأمر أن يمثّل دور محامي الشيطان كي لا يقع هذا المسوؤل أو ذاك في مطبّ تجميل الأخطاء.

لذلك في أي وزارة ليست لدينا سياسة وزارة، بل سياسة وزير تختلف باختلافه، وجميع الذين كانوا يطبّلون ويزمّرون لرؤى الوزير السابق وتوجهاته وقراراته يصفقون للوزير الجديد لضمان الرضا عنهم، واستمراريتهم في مواقعهم.

هكذا تسير الأمور، الأغلبية العظمى لا تحب من يختلف معها، والوزير نجم الوزارة. والويل لمن يحاول أن يضيء إلى جانبه، والمحافظ نجم المحافظة، والمدير العام نجم المؤسسة، إلى آخر القائمة، ومصير كلّ من يحاول أن يكون نجماً التهميش والإقصاء.

وهكذا!

أخلص إلى القول: إنّ هذا قد يكون من أبرز أسباب تفاقم الأزمات عندنا، أو التباطؤ في حلها، أو حتى الفشل!

لذلك نؤكد ضرورة البحث عمّن يختلف مع وزيره، أو مديره، أو محافظه، لا لمجرد الاختلاف، بل لتوجيه أنظاره إلى زوايا قد تكون غائبة عنه، وقد يكون لها أثرها السلبي على مختلف قراراته.

يجب البحث عمّن يقول للوزير: لقد أخطأت، وللمحافظ إنك لم تتخذ القرار الصحيح، وللمدير العام بوجوب إعادة النظر. وأعظم الأخطاء الإدارية هي تعيين إدارات أو مستشارين أو باحثين مهمّتهم التبرير والتصفيق وانتظار التعليمات!

أخيراً أسأل:

ما ضرورة أو فائدة أيّ مستشار أو دارس، أو إداري إذا كانت وظيفته الموافقة والتصفيق؟ إنها مهمّة يمكن أن يقوم بها الحاجب!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى