تراجع «داعش» والهجوم المركّز
عامر نعيم الياس
يتراجع «داعش» في المواجهة القائمة في المنطقة. هو باقٍ لكن تمدده ليس بالخطورة التي يشير إليها البعض، التنظيم الذي راهن على ضربات إعلامية مركزة في الذكرى السنوية لتأسيسه، تراجع في أكثر من جبهة في العراق وسورية، وإن كانت الماكينة الإعلامية الغربية لا تزال تصرّ على تضخيم خطر التنظيم ورفع منسوب التركيز الإعلامي على نشاطاته ما يكسبه دعاية مجانية تصبّ في مجملها في خدمة الخيار الأكثر أهمية وهو التجنيد ورفد التنظيم الدموي بالإرهابيين من جميع أنحاء العالم، فيما توالي الأرقام والإحصاءات في منحىً تصاعدي عن عدد المتطوعين الذين أصبحوا يأتون إلى سورية والعراق عوائل كاملة وليس أفراداً، هنا يحضر أحد عناوين «لوفيغارو» الفرنسية التي أكّدت، بشكل يحمل من التضليل ما لا قدرة على الالتفاف عليه أو إهماله، أن تنظيم «داعش» يتقدم «نحو دمشق وبغداد» مع أن التقرير تناول الأمر من زاوية التوقعات وربط تقدمه في بعض الجغرافيا السورية العراقية، لكنه في العنوان لم يدع مجالاً للشك لدى القارئ أن «داعش» بات على أبواب العاصمتين السورية والعراقية.
تدمر شكّلت في بداية سيطرة «داعش» عليها حدثاً موازياً للتقدم الذي أحرزه التنظيم الإرهابي بعد سيطرته على الرقة في سورية، فالمدينة تعتبر قبل كل شيء جزءاً من الهوية السورية، أما في الجغرافيا والبعدان العسكري والميداني، فقد تمَّ تبنيهما غربياً وخليجياً على أساس أن ما جرى يعيد الأمور إلى نصابها في ما يخص حلم السيطرة على طريق دمشق حمص الدولي، وإعادة تهديد مدينة حمص وهو أمرٌ أثبت قدرته على التأثير في الرأي العام السوري، لكن الجيش الذي انسحب من تدمر بطريقة أثارت حينها التساؤلات، امتلك زمام المبادرة عبر تثبيت خطوط الصدّ وامتصاص الصدمة، حيث نجح أولاً في ضبط الاستقرار في محيط حقول النفط والغاز الاستراتيجية وذات الأهمية القصوى قياساً بخروج القسم الأكبر من حقول المنطقة الشرقية عن سيطرة الدولة، كما نجح ثانياً، في الآونة الحالية، بتحقيق تقدمٍ مضطرد في الهجوم لاستعادة المدينة من سيطرة «داعش» عبر تعزيز الطوق الأمني في محيط حقول النفط والغاز وفي منطقة البيارات ومثلث طريق حمص تدمر دمشق، ضغط ميداني أدى إلى اعتماد «داعش» على الهجمات الانتحارية لإبطاء تقدم الجيش السوري باتجاه مدينة تدمر، إدراكاً من التنظيم بعدم قدرته على الحفاظ على المدينة في ضوء معطيات بعضها طارئ كتقدم الأكراد في شمال شرق البلاد، ما دفع «داعش» إلى تحصين دفاعاته في الرقة، وبعضها الآخر بات ثابتاً ويقوم على:
عدم قدرة التنظيم الإرهابي على رغم الصورة النمطية الإعلامية عنه على دفع أكلاف التمركز في المناطق التي يسيطر عليها، خاصةً في ضوء توسعه وتمدده جغرافياً إلى مناطق تتباعد فيها خطوط الإمداد اللازمة للدفاع عن المساحات المسيطر عليها.
عدم قدرة التنظيم على مواجهة أي هجوم مركّز من قبل القوات التي تقاتله في غير ساحة ابتداءً من الأكراد في شمال سورية، وصولاً إلى الجيش السوري في وسط البلاد، وليس انتهاءً بالجيش العراقي والحشد الشعبي في وسط العراق، وهذا في جزء منه يعود أيضاً إلى اعتماد التنظيم في سيطرته وتوسعه على الهجوم المركّز ومن ثم الاكتفاء بحامية صغيرة في المدينة التي يستطيع احتلالها، مع تطعيمها بكمٍّ من الانتحاريين لإبطاء تقدم القوات التي تقرر استعادة المناطق المحتلة من قبل التنظيم.
يتقدم الجيش السوري في مدينة تدمر محققاً إنجازاً نوعياً وفاتحاً أبواب تدمر عبر تكثيف الضغط على محيطها، فهل ينسحب «داعش» من دون قتال من المدينة مكتفياً قبيل انسحابه بتدمير المدينة القديمة، أم يقرر المواجهة انطلاقاً من المدينة الموضوعة على لائحة التراث العالمي؟
كاتب ومترجم سوري