كتاب «تعريف الإرهاب – نهاية المعايير المزدوجة» للسفيرة عبير رياض طه
تقديم وقراءة كمال مساعد
«تعريف الإرهاب – نهاية المعايير المزدوجة»، كتاب جديد للسفيرة عبير رياض طه يُضاف إلى المكتبة اللبنانية والعالمية، صدر في لندن عن دار النشر Arktos باللغة الإنكليزية نهاية العام الماضي 2014.
يقع الكتاب في 90 صفحة من القطع الوسط، وتتناول فيه السفيرة طه ظاهرة الإرهاب بشكل عام، وإرهاب الدولة بشكل خاص الذي تعتبره من أخطر وأسوأ أشكال الإرهاب إذ إنه يشمل الاحتلال وجرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية والإبادة الجماعية.
وفي المقابل، تشدّد المؤلفة في كتابها على أن القانون الدولي يحفظ ويؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها ومقاومة الاحتلال الأجنبي بكل الوسائل بما فيها الوسائل العسكرية، وذلك في مسعى منها للتفريق بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال في ظل إصرار العديد من الدول على المساواة بينهما حيث اقتضت مصلحتها، فتصنِّف هذه الدول العديد من حركات المقاومة والتحرر الوطني حركات إرهابية وذلك من أجل نزع الشرعية الدولية عنها كما هي الحال بالنسبة إلى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وغيرهما. في حين تقوم الدول عينها بدعم حركات مصنَّفة إرهابية بموجب القانون الدولي العام وقرارات مجلس الأمن، بما يُعد تسييساً صارخاً لمسألة الإرهاب واعتماداً على المعايير المزدوجة بما يخدم مصالح هذه الدولة أو تلك. وفي هذا السياق، ولتسليط الضوء على هذه الازدواجية التي تطالب الكاتبة بإنهائها، تقول طه إن الإرهابي للبعض هو «محارب من أجل الحرية» للبعض الآخر، مشيرةً إلى أنه مع غياب التوافق على تعريف واضح وشامل ونهائي للإرهاب فإن الفوضى والضبابية والإشكالية حول مفهوم أو تعبير «الإرهاب» ستؤدي باستمرار إلى نشوء معايير مزدوجة في تطبيق القانون الدولي العام. وتضيف أن استعمال أو بالأحرى استغلال مفهوم الإرهاب في العلاقات الدولية هو لغاية اليوم استعمال سياسي، نسبي ومجتزأ، غير حيادي، اعتباطي، وانتقائي حيث أن التعريف القانوني للإرهاب غائب بشكل فاضح. وتتساءل كيف يمكن، والحالة هذه، محاربة الإرهاب من دون تعريف واضح له؟!
من هنا تضع السفيرة طه الشروط والمعايير الضرورية لتعريف الإرهاب من أجل إنهاء لعبة المعايير المزدوجة تارةً في توظيف الإرهاب في خدمة مصالح الدول، وتارةً أخرى محاربته إذا اقتضت المصالح نفسها.
وتفرد المؤلفة جزءاً من كتابها القيّم لإرهاب الدولة الذي مارسته «إسرائيل» في انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي العام وفي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في عدوانها على لبنان عام 1978، ثم خلال احتلالها البلد في 1982 2000، وكذلك في عدوان 2006. ومن الطبيعي أن ينطبق إرهاب الدولة هذا على جرائم الحرب والإبادة التي ترتكبها «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني منذ 1948.
من هنا أهمية هذا الكتاب الذي يشكل مرجعاً قانونياً صلباً يمكن أن تستخدمه الحكومات العربية في مواجهة إرهاب الدولة «الإسرائيلية»، وكذلك محاربة الإرهاب الذي يفتك بمجتمعاتنا العربية والمصدَّر إلينا من الخارج، وبحماية بعض الدول الكبرى.
الكتاب متوفر في مختلف المكتبات اللبنانية أنطوان، مالك، Virgin… ، وفي ما يلي أبرز ما جاء فيه:
الإرهاب: الحاجة الماسة إلى تعريف دولي عام
تبقى الحرب على الإرهاب، التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية حالياً، خطوة انتقائية، ناقصة، وغير فعالة، ما دامت لا تستند إلى إجماع دولي على تعريف الإرهاب. موضوع نقاش مستفيض واستغلال، من بعض الدول لوصف اعدائها، لا يوجد حتى الآن تعريف دولي واضح ودائم وشامل للإرهاب، معترف به دولياً ومعلن من الأمم المتحدة.
وعلى رغم أن الغالبية الساحقة من الدول تدين الإرهاب- على الأقل علناً في كل أشكاله، إلا أن هناك انقساماً حاداً على التعريف النهائي للإرهاب، وسبل محاربته، الأمر الذي يجعله واحدة من أكثر المسائل الخلافية والجدلية في الشؤون الدولية المعاصرة وموضوع نزاع يشوش العلاقات بين الدول، ويجعل الحرب على الإرهاب انتقائية واعتباطية، تخدم الأهداف والمصالح الخاصة لدول معينة، بدل أن تكون ذات نطاق دولي عام.
محكمة العدل الدولية تدين كل أشكال الإرهاب والهجمات الإرهابية، وهناك على الأقل اثنا عشر اتفاقاً دولياً ضد الإرهاب أقرتها الأمم المتحدة، إضافة إلى قراري مجلس الأمن الرقم 1373 الصادر في أيلول 2001، والرقم 1269 الصادر في تشرين الأول 1999.
والقراران يشجبان كل أعمال الإرهاب وطرقه وممارساته كإجرامية وغير مبرّرة، بغض النظر عن الدوافع، لكن أياً من هذه المواثيق والقرارات لا يعرف كلمة «إرهاب». وعليه كيف تمكن محاربة الإرهاب بفعالية وبعدل، ما لم يكن هناك تعريف واضح له؟
إن الغياب الفاضح لتعريف موحد للإرهاب ظهر بوضوح في أعقاب هجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة، ما يجعل الحجة في هذا التعريف أكثر ضرورة وأهمية من كل وقت مضى.
وحده التعريف الدولي العام والشامل للإرهاب، الذي يحظى بموافقة المجتمع الدولي، يحمي ازدواجية المعايير عند تعريف الإرهاب ومحاربته، ويصون العدالة الشاملة.
ما هو الإرهاب؟
الإرهاب بطبيعته صعب التعريف، والسبب الرئيسي لذلك هو أن كلمة «إرهاب» استعملت اعتباطاً كاتهام سياسي- لا قانوني- من الدول في وصفها ممارسات أعدائها، وهكذا يفقد مصطلح «الإرهاب» الوجه القانوني الذي يجعله عاماً بحق، ما أفقد «الحرب على الإرهاب» صدقيتها وشرعيتها.
من هنا تظهر ضرورة وضع الشروط والمعايير لتعريف دولي عام ودائم للإرهاب، بما يتلاءم مع قرار الجميعة العامة للأمم المتحدة الرقم 42/159 الصادر في 7 كانون الأول 1987، الذي يعترف بأن «فعالية محاربة الإرهاب يمكن تعزيزها من خلال وضع تعريف للإرهاب الدولي يحظى بإجماع عام».
شروط ومعايير لتعريف الإرهاب
في ما يأتي الشروط والمعايير الهادفة إلى تحقيق الاجماع على تعريف الإرهاب:
التعريف يجب أن يكون قانونياً ودائماً، هناك حاجة ماسة إلى تعريف واضح للإرهاب، يجري تطبيقه في شكل ثابت، أي تعريف قانوني دائم لا سياسي يتغير باستمرار ليتناسب ومصالح بعض الدول. فإمعان النظر إلى الأحداث الدولية، يكشف أن الدول لا تنظر إلى الإرهاب من وجهة أعمال العنف الواقعة، بقدر ما تنظر إليه من زاوية الجهات المستهدفة، وهوية مرتكبي هذه الأعمال. أمثلة عدة تظهر هذا التعريف، السياسي، المتفاوت، والمتقلب، للإرهاب، وأكثرها جدارة بالذكر حال أفراد الطالبان والقاعدة، الذين كانوا يمتدحون كمجاهدين و»محاربين من أجل الحرية» ويحظون بدعم وكالة الاستخبارات الأميركية عندما كانوا يقاومون الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، والذين يعتبرون اليوم في رأس لائحة الإرهابيين الدوليين المطلوبين في العالم.
بخلاف هذا التعريف الانتقائي والمتقلب، على التعريف القانوني للإرهاب إدانة كل أعمال الإرهاب حيثما تقع، ومن أي كان، وبغض النظر عن الجهة التي تستهدفها هذه الأعمال الإرهابية.
التعريف يجب أن يكون عاماً
يجب أن يكون تعريف الإرهاب دولياً عاماً، أي أن يحظى بموافقة المجتمع الدولي، وأن يتم إقراره من معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأن يكون ملزماً للجميع. ولتحقيق هذه الشمولية، على الأمم المتحدة المنظمة الوحيدة التي تمثل المجتمع الدولي – أن تكون السلطة الوحيدة المخولة تعريف الإرهاب، والمظلة القانونية والسياسية الوحيدة لكل قرارات أو إجراءات مناهضة للإرهاب، لكل تحالف دولي ضد الإرهاب.
٣- التعريف يجب أن يكون شاملأ:
الطريقة الأكثر فعالية لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه تكمن في تطبيق العدالة الشاملة، أي يجب أن يكون هناك تشريع دولي عام. في الحرب على الإرهاب، لا «عدالة» انتقائية تطبق بطريقة أحادية واعتباطية من جانب بعض الدول ضد ما تعتبره أهدافأ «إرهابية». وعليه، ولتجنب ازدواجية المعايير، يجب أن يتضمن التعريف إدانة كل أعمال الإرهاب وأشكاله حيثما ترتكب٠ ومن أي كان، وبغض النظر عن هوية مرتكبها أو الجهة التي تستهدفها، ويشمل هذا التعريف الأفراد والمجموعات والدول التي تقوم أو ترعى مختلف أنواع الإرهاب، سواء على النطاق المحلي أو الإقليمي أو الدولي.
إن الحاجة إلى تعريف شامل للإرهاب تم تأكيدها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 29/44 الصادر في 4 كانون الأول 1989 في شأن الإجراءات للقضاء على الإرهاب الدولي»، والذي يدين بالمطلق كل أعمال الإرهاب وسبله وممارساته حيثما تقع وترتكب أياً يكن مرتكبوها باعتبارها «إجرامية وغير قابلة للتبرير».
٤- التعريف يجب أن يدين إرهاب الدولة بوصفه أعلى أشكال الإرهاب يدين القانون الدولي الإرهاب في مختلف أشكاله وتشمل هذه الإدانة الإرهاب المرتكب من الأفراد والمجموعات المحلية، لكنه يشمل أيضاً إرهاب الدولة. من هنا تبرز الحاجة إلى تطبيق القانون الدولي على كل هذه التصنيفات من دون مفاضلة أو تمييز. من أجل ضمان تعريف شامل للإرهاب يتضمن كل أشكال الإرهاب، يجب أن يشمل التعريف، وأن يدين، إرهاب الدولة كما إرهاب الأفراد والمجموعات.
فإرهاب الدولة هو أعلى أشكال الإرهاب، كونه يعتبر شرعياً وفق القانون المحلي، وهو يمارس من الأجهزة الحكومية الرسمية، ما يجعله إرهاباً منظماً تجيزه الدولة. ويشمل إرهاب الدولة: الاحتلال، الجرائم ضد الانسانية، جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
لذلك تدين المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة إرهاب الدولة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرم 44/29 الصادر في 4 كانون الأول 1989، في شأن «الإجراءات للقضاء على الإرهاب الدولي يدين بالمطلق «كل أعمال الإرهاب وسبله وممارساته حيثما تقع أياً يكن مرتكبوها»، الأمر الذي يعني أن لا أحد فوق القانون عندما يتعلق الأمر بممارسة الإرهاب: لا الجهات غير الحكومية، ولا المسؤولين الحكوميون.
– في إشارة أكثر مباشرة ووضوحاً إلى الإرهاب الذي تمارسه الدول، يدين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 39/159 الصادر في 17 كانون الأول 1984 في شأن «عدم القبول بسياسة إرهاب الدولة وبكل أعمال تقوم بها الدول بهدف تقويض النظام السياسي – الاجتماعي في دولة أخرى مستقلة»، يدين بقوة سياسيات الإرهاب وممارساته في العلاقات بين الدول كطريقة للتعامل بين الدول والشعوب الأخرى.
لقد كانت الدول مع بعض الاستثناءات – متحصنة إزاء سلطة القانون الدولي، ومحمية بالمبدأ المقدس للأمم المتحدة المتمثل بالسيادة الوطنية.
إلا أن هذه الحصانة توقفت عن أن تكون مطلقة، وأخذت بالانحسار أمام برو سلطة القانون الدولي الإنساني، خصوصاً بعد حرب الخليج الثانية.
٥- تحديد الإرهابيين: قائمة الأمم المتحدة بالأفراد والمجموعات والدول التي تمارس الإرهاب.
بغية أن يشمل تعريف الإرهاب كل أشكال إرهاب الدولة، وضمان سلطة القانون الدولي على النطاق العالمي، وتجنب ازدواجية المعايير، ومنع الاستغلال السياسي لكلمة «إرهاب» في الحرب على الإرهاب، يجب وضع قائمة شاملة بأسماء الأفراد والمجموعات والدول التي تمارس أو ترعى الإرهاب، وذلك تحت مظلة السلطة الوحيدة للأمم المتحدة ووقايتها وحدها. ٦- التعريف يجب أن يميز بوضوح بين الإرهاب والمقاومة:
– شرعية النضال من أجل حق تقرير المصير ومقاومة الاحتلال الأجنبي وفق القانون الدولي.
قيل الكثير في الحاجة إلى التمييز بين الإرهاب والمقاومة الشرعية، لكن لم تجر أي محاولة. جدية واضحة لصياغة هذا التمييز في لغة قانونية، بعيداً من الشعارات. هذا التغيير لا يجب أن يكون وضعه صعبأ، كون القانون الدولي يميز في شكل واضح بين الإرهاب وبين المقاومة الوطنية الشرعية للاحتلال الأجنبي. والمقاومة والإرهاب مبدآن متناقضان جذرياً، وهناك فقط سياسيون يحاولون الربط بينهما، وهؤلاء استغلاليون ومحرضون، مناهضون لمجموعات معينة تقاوم من أجل ضمان الحق الوطني في تقرير المصير.
المقاومة قي القانون الدولي
يعترف القانون الدولي بحق المقاومة في حالتين:
أولاً- في حال اللجوء إلى المقاومة كوسيلة لممارسة حق تقرير المصير حرص القانون الدولي على تأكيد حق الشعوب في تقرير النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تريده بحرية واستقلالية تامة عن كل تدخل خارجي. فحق الشعوب في تقرير المصير وفي الاستقلال لا يُنقَص، وهو ركن من أركان القانون الدولي، ومبدأ في سياسة مبدا السيادة الوطنية بالنسبة إلى شرعة الأمم المتحدة.
وبالإضافة إلى شرعة الأمم المتحدة، تدعم قرارات الأمم المتحدة الآتية حق الشعوب في تقرير مصيرها:
الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 39/159 الصادر في 17 كانون الأول 1984، الذي يعيد تأكيد «حق كل الشعوب غير القابل للنقض في تبديد شكل الحكم واختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بعيدأ من كل تدخل خارجي أو تحريض أو عرض أو قيود من أي نزاع كانت»، و»يحث كل الدول على التأييد التام، بما يتلاءم مع شرعة الأمم المتحدة، بسيادة الدول واستقلالها وحق الشعوب في تقرير مصيرها».
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 42/159 الصادر في 7 كانون الدول 1987، الذي يدين الإرهاب الدولي، يعيد تأكيد أيضاً على مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير الذي هو في صلب شرعة الأمم المتحدة، وينص على أن لا شيء في القرار يمكن أخذه من أجل حرمان الشعوب من حق تقرير المصير، الحرية، والاستقلال.
قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الرفم 44/29 الصادر في 4 كانون الأول 1989، والذي يعيد تأكيد «مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير الذي هو في صلب شرعة الأمم المتحدة»، يشير إلى الحق غير القابل للنقض في تقرير المصير والاستقلال لكل الشعوب تحت الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأشكال الأخرى للسيطرة الخارجية والاحتلال الأجنبي.
بالاستناد إلى ما ذكر تعتبر مقاومة كل شعب أو مجموعة من أجل تقرير المصير شرعية بالنسبة إلى القانون الدولي.
ثانياً- في حال اللجوء إلى المقاومة كوسيلة لإنهاء الاحتلال الأجنبي:
الاحتلال غير شرعي بالنسبة إلى القانون الدولي:
يعتبر الاحتلال، في شكل واضع، غير شرعي، وغير قانوني فى الاتفاقات الدولية وشرعة الأمم المتحدة التي تنص على أن «كل الدول الأعضاء ستمتنع، في العلاقات الدولية، عن التهديد، أو استعمال القوة ضد سيادة واستقلال وأراضي أي دولة، أو بأي طريقة أخرى تتنافى مع أهداف الأمم المتحدة».
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 39/159 الصادر في 17 كانون الأول 1984، والذي يدين إرهاب الدولة، يدين أيضاً الاحتلال بقوة باعتباره عملاً غير شرعي، ويعيد تأكيد «واجب كل الدول بالامتناع في العلاقات الدولية عن استعمال القوة أو التهديد بها ضد سيادة أي دولة وحرمة أراضيها واستغلالها ويؤكد «السيادة الدائمة للدول والشعوب على مواردها الطبيعية، وعلى حق تقرير المصير والاستقلال للشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي وحكم الأنظمة العنصرية ويطالب القرار «كل الدول بعدم القيام بأي أعمال تهدف إلى التدخل العسكري والاحتلال، وإحداث تغيير بالقوة، أو إضعاف النظام السياسي- الاجتماعي للدول، وزعزعة استقرارها وقلب حكوماتها، وتحديداً عدم القيام بأي عمل عسكري لتحقيق هذه الأهداف تحت أي ذريعة من أي نوع كانت، ووقف كل خطوة قد بدأت من هذا النوع». ليس هناك من إدانة أكثر وضوحاً وصراحة للاحتلال من جانب القانون الدولي.
ج- أشكال الإرهاب ونطاقه:
يأخذ الإرهاب أشكالاً وأبعاداً مختلفة، فالإرهاب يمكن أن يمارسه أو يرعاه الأفراد أو المجموعات أو الدول، على النطاق المحلي، الإقليمي، أو الدولي.
الإرهاب المحلي، يشمل أعمال الإرهاب داخل حدود دولة ما، ويقع في خانتين:
الإرهاب الذي يمارسه أفراد أو مجموعات محلية، سواء كانوا يعملون في شكل مستقل أو في رعاية دولة/ أو دول خارجية، وذلك ضد المواطنين أو المسؤولين الحكوميين أو المؤسسات في دولة ما.
إرهاب الدولة، اي الاستعمال غير الشرعي للقوة والقمع اللذين تمارسهما دولة ما، ويأخذان شكل أعمال الإرهاب المذكورة، وذلك بحق بعض/أو كل/ المواطنين على أساس التمييز السياسي أو الاجتماعي أو العرقي أو الديني أو الثقافي، أو بحق المواطنين في أراض قامت باحتلالها أو بضمها الدولة المذكورة.
٢- الإرهاب الإقليمي أو الدولي ويشمل أعمال الإرهاب التي تستهدف الدول في منطقة معينة أو في العالم والتي يقوم بها:
أ الأفراد أو المجموعات فوق – القومية النين يعملون في شكل مستقل أو في رعاية دولة/ أو دول أجنبية.
ب – الدول التي ترعى أو تقوم بأعمال عنف ضد أراضي ومواطني الدول المجاورة أو البعيدة من خلال الاعتداء المباشر، الاجتياح أو الاحتلال، أو في طريقة غير مباشرة عبر رعاية مجموعات إرهابية في هذه الدول.
د – إرهاب الدولة كأعلى اشكال الإرهاب
يعتبر إرهاب الدولة، سواء على النطاق الداخلي أو الدولي أي الإرهاب الذي ترعاه الدول ، خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، وتحديداً قرار الجمعية العام للأمم المتحدة الرقم 39 /159 الصادر في 17 كانون الاول 1984 الذي يدين بقوة إرهاب الدولة.
كما يعد إرهاب الدولة أعلى اشكال الإرهاب، كون أعمال العنف والتدمير الناتجة عنه أعمالاً منظمة تقوم بها أجهزة الدولة وسلطاتها، وهي بذلك تحظى بموافقة/ أو غض النظر/ القانون المحلي بوصفها شرعية من وجهة نظر الحكومة، في حين أن الإرهاب الذي يقوم به الأفراد أو المجموعات هو إرهاب تمارسه مجموعات سرية وخارجة على القانون، أعضاؤها فارون من العدالة وملاحقون من القانون المحلي والقانون الدولي على حد سواء. وعليه فالمطلوب من الدول عدم استخدام مصطلح «الإرهاب» واستغلاله في شكل اعتباطي لوصف الأفراد والجماعات المناوئين لها ولممارسة إرهاب الدولة بحقهم تحت شعار الدفاع عن النفس المزعوم. فالأمم المتحدة هي الجهة الوحيدة المخولة تحديد الإرهاب.
ه – الاحتلال كأحد أشكال إرهاب الدول
يعتبر اجتياح أراضي الغير واحتلالها من جانب دولة ما أحد اشكال إرهاب الدولة، كونهما يمثلان عملاً عدائياً يدينه القانون الدولي، وتهديداً للسلام والاأمن الدوليين. في هذا السياق، يصف قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 39/159 الصادر في 17 كانون الاول 1984، والذي يدين سياسة إرهاب الدولة، هذا القرار بوضوح الاحتلال كشكل من أشكال إرهاب الدولة. فالاحتلال الأجنبي و/أو ضم الأراضي هو عمل غير شرعي ينتهك في شكل فاضح استقلال الدولة المحتلة وسيادتها على أرضها – وهما مبدآن يكونان ركناً من أركان القانون الدولي – كما أنه يصادر حرية المواطنين وحقهم في الحماية والأمن.
و- إرهاب الدولة يولد الإرهاب الدولي
غالباً ما يؤدي إرهاب الدولة إلى الإرهاب الدولي، عندما تأخذ سلطات الدولة إجراءات قمعية وتعسفية بحق المدنيين أو الاقليات. والإرهاب الدولي غالباً ما يكون نتيجة، وليس سبباً، للعنف والقهر. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 9/42 هـ 1 – الصادر بتاريخ 7 كانون الدول 1987 عن الإجراءات الواجب اتخاذها لمنع الإرهاب الدولي ودراسة الأسباب الكامنة وراء أشكال الإرهاب وأعمال العنف والمتمثلة بالمآسي والإحباط القهر واليأس يربط بوضوح، وفي شكل مباشر، بين إرهاب الدولة والإرهاب الدولي، ويحث «كل الدول على المساهمة في القضاء التدريجي على أسباب الإرهاب الدولي وإيلاء اهتمام خاص بمختلف الاوضاع، بما فيها الاستعمار والعنصرية والأوضاع المتعلقة بالانتماء الجماعي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبتلك المتعلقة بالسيطرة الأجنبية والاحتلال، والتي من شأنها أن تؤدي إلى قيام الإرهاب الدولي وإلى تهديد السلام والأمن العالميين».
ز – التفريق بين المقاومة والإرهاب: شرعية المقاومة الوطنية للاحتلال الأجنبي في ظل القانون الدولي تعتبر المتاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي وعمليات دعم هذه المقاومة شرعية بالنسبة إلى القانون الدولي، وتحديداً قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 39/159 الصادر في 17 كانون الاول 1984، والرقم 42/159 المادة في 7 كانون الاول 1987، اللذين يحرّمان بشدة هذا الاحتلال ويستجيبان كليا لحق الشعوب في تقرير مصيرها وهو ركن من أركان القانون الدولي. وعليه، فإن مقاومة الاحتلال لا يمكن اعتبارها بأي شكل من الأشكال وفي أية أوضاع أعمالاً إرهابية، بل إن المقاومة هي نتيجة للاحتلال الذي تدينه المواثيق الدولية كشكل من أشكال إرهاب الدولة الذي يسبب الإرهاب.
ح – الأمم المتحدة هي السلطة الوحيدة المخولة تحديد الإرهاب ومحاربته، ومن أجل ضمان الشمولية في تحديد الإرهاب وضمان محاربته على النطاق الدولي، يجب أن يحظى هذا التعريف للإرهاب بموافقة عامة من المجتمع الدولي، فيجري إقراره من الأمم المتحدة بغالبية الدول الأعضاء، على أن يكون ملزماً للجميع. ولتحقيق هذه الشمولية، تعتبر الأمم المتحدة السلطة الوحيدة والإطار السياسي والقانوني الوحيد لأي قرارات أو اجراءات مضادة للإرهاب، أو لأي تحالف ضد الإرهاب.
إن قررات الأمم المتحدة وتوصياتها بخصوص الإرهاب هي ملزمة لكل الدول الأعضاء التي تطالب بإلحاح بتعديل تشريعاتها الداخلية بما يتلاءم مع المواثيق والاتفاقات الدولية المتعلقة بالإرهاب. في هذا السياق يجب القيام بخطوات لإقامة المحكمة الجنائية الدولية المقترحة التي صوتت عليها 139 دولة خلال المؤتمر الذي عقد في روما عام 1998 في رعاية الأمم المتحدة، وذلك من أجل محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تشكل جميعاً أعمالاً إرهابية أينما وقعت ومن أي شخص أو جهة ارتكبت.
المحكمة الجنائية الدولية التي تخوَّل سلطة التدخل في شكل وقائي متى اقتضى الأمر، ستعمل بالتنسيق التام مع محكمة العدل الدولية التي تشكل امتيازاتها محاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم بحق الإنسانية.
لذلك يجب عقد مؤتمر دولي عن الإرهاب تحت راية الامم المتحدة، وبما يتطابق مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 44/29 الصادر في 4 كانون الاول 1989، من أجل تبني أو تعديل هذا التعريف للإرهاب الذي من شأنه أن يخدم كدليل لسياسة الأمم المتحدة لتحقيق العدالة الشاملة. كما يجب أن يعد المؤتمر المذكور، من جهة، لائحة بالأفراد والجماعات والدول التي تمارس أو ترعى الإرهاب، ولائحة أخرى بحركات المقاومة الوطنية التي تناضل لإنهاء الاحتلال الأجنبي ولممارسة حقها الوطني في تقرير المصير، وذلك من أجل تجنب أي خطأ بين المجموعات الإرهابية وحركات التحرر الوطني، ولتجنب استغلال مصطلح الإرهاب وسوقه كعدو لممارسة القمع التعسفي أو العنف تحت ستار الدفاع عن النفس أو الحرب على الإرهاب.
إن كل تغيير أو تعديل لتعريف الإرهاب في اللوائح المذكورة يجب أن يكون محصوراً بموافقة الأمم المتحدة وحدها.