اتفاق «كوبورغ»… ظريف إيران يفتح بوابات طهران إلى العالم
بعد مفاوضات شاقة استمرت 12 سنة، ظهرت إلى النور خطة العمل المشتركة الشاملة بين إيران والسداسية، وبينما أذعن الغرب لقوة الدبلوماسية الإيرانية ومنطقها السليم واعترف بحقوق الشعب الإيراني النووية، ستلتزم طهران بموجبه بوضع قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها.
ففي واحدة من أطول المفاوضات خلال القرن الماضي والتي حطمت الأرقام القياسية تم الإعلان التاريخي للاتفاق، وفي رمزية لافتة اختير مبنى الأمم المتحدة في فيينا للإعلان، لكي يدخل هذا الاتفاق رسمياً التاريخ.
وكان من أهم النقاط التي جرى بحثها وشكلت عقبة رئيسية خاصة في الأسبوع الأخير من المفاوضات، قضية مسودة قرار مجلس الأمن، وهو ما كان موضع بحث شديد وشدّ وجذب بين إيران والولايات المتحدة والمجموعة الغربية.
إن أهمية هذا القرار تأتي من كونه سيلغي كافة قرارات مجلس الأمن الدولي السابقة التي فرضت عقوبات على إيران، وسيحدد خريطة طريق لتنفيذ الاتفاق بين إيران و5+1، وسيعترف بالبرنامج النووي الإيراني باعتباره برنامجاً سلمياً.
صحيح أن إيران قبلت ببعض القيود لكن منشآتها النووية كافة ابتداء من فوردو ونطنز ومجمع آراك للماء الثقيل ويوسي اف اصفهان ومفاعل طهران للأبحاث، ستواصل عملها، والقيود لن تؤثر في تطور البرنامج النووي الإيراني بخاصة في مجال الأبحاث.
وتبين أن هناك إنجازاً كبيراً بالنسبة إلى إيران في مجال الأبحاث على أجهزة الطرد المركزي من الآجال المتطورة الرابع والخامس والسابع وحتى الثامن، والتي كانت موضع نقاش شديد بين طهران والغرب لكن إيران استطاعت أن تنتزع حقها في مواصلة الأبحاث على هذه الأجهزة التي تعتبر الأكثر تطوراً.
واللافت أن الاتفاق سيضم ملحقات عدة، والنص الرئيس سيكون في مئة صفحة، وهناك خمس ملحقات تحدد طبيعة البرنامج النووي الإيراني، وخريطة طريق لرفع العقوبات عن إيران ويضم اتفاقات فرعية بين إيران ومجموعة الست.
العقوبات كافة التي تشمل حظر التسليح الإيراني ستكون ضمن أطر زمنية محددة ولن تكون على شكل عقوبات وإنما قيود، وستبقي على برنامج التسلح لفترة محددة، ربما لعامين بحسب بعض التسريبات.
وتعتبر إيران البلد الأول الذي فرضت عليه عقوبات تحت الفصل السابع، وها هي تخرج منه دون مفاوضات ومن دون مواجهة أو حرب، وأهم النقاط التي سترد في الاتفاق هي رفع العقوبات المالية والتجارية والاقتصادية كافة عن إيران منذ اليوم الأول من تنفيذ الاتفاق.
وفي تصريح بعد توقيع الاتفاق من قبل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، اعتبر الرئيس الأميركي بارك أوباما أن العالم أصبح أكثر أمناً بعد توصل إيران والدول الكبرى إلى اتفاق نووي تاريخي. فيما قال نظيره الإيراني حسن روحاني إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق.
وتباينت ردود الفعل الدولية على توصل السداسية وإيران إلى الاتفاق النووي. ففي وقت رحب معظم الدول بالاتفاق التاريخي، عارضته «إسرائيل» بشدة وأعربت السعودية عن شكوكها بشأنه.
وفقد صف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي بالخطأ التاريخي. بينما قال مسؤول سعودي: «إذا منح الاتفاق تنازلات لإيران فإن المنطقة ستصبح أكثر خطورة».
واعتبر الرئيس الروسي فلادمير بوتين أن الاتفاق اعتمد على قاعدة القانون الدولي. وقال: «إن العالم تنفّس اليوم الصعداء». أما الرئيس السوري بشار الأسد فقد رأى في الاتفاق النووي «نقطة تحول كبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم».
خلاصة الاتفاق
تمت كتابة هذا الاتفاق مع التزام الأطر والثوابت والخطوط الحمر المحددة من إيران. وتم تحقيق المكاسب التالية على صعيد حفظ الإنجازات النووية، ورفع الحظر.
البنود التي ترد تباعاً، هي خلاصة لبرنامج العمل المشترك بين إيران ومجموعة 5+1، الذي تم التوافق عليه بين الجانبين:
– القوى الكبرى تعترف بالبرنامج النووي الإيراني السلمي، وتحترم حقوق الشعب الإيراني النووية في إطار القوانين والمعاهدات الدولية.
– البرنامج النووي الإيراني السلمي الذي تم التسويق له من خلال قلب الحقائق بأنه يشكل تهديداً للسلام والأمن العالمي، يتحول إلى موضوع للتعاون الدولي مع سائر الدول في إطار المعايير الدولية.
– اعتراف الأمم المتحدة بإيران كدولة تمتلك القدرات النووية السلمية، ومنها دورة الوقود والتخصيب.
– التحول الجذري في تعامل مجلس الأمن مع إيران بعد صدور قرار مجلس الأمن تحت المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، مع الإشارة إلى البند 41 وتحديداً البنود الخاصة بإلغاء الحظر السابق عن إيران.
– استمرار أنشطة كل المنشآت النووية الإيرانية خلافاً لما كان الطرف الآخر يطالب به ابتداء، ولن يتم تعطيل أو الغاء أي منها.
– فشل سياسة منع إيران من التخصيب، واستمرار برنامج التخصيب في إيران.
– حفظ البنى التحتية النووية الإيرانية، ولن يتم التخلص من أي جهاز طرد مركزي، واستمرار أنشطة البحث والتطوير حول جميع أجهزة الطرد الرئيسية والمتطورة ومنها إي آر 4 و إي آر 5 و إي آر 6 وإي آر 8.
– الاحتفاظ بمنشأة أراك لإنتاج الماء الثقيل، وتطويرها وإضافة احدث الأجهزة والتقنيات والمختبرات والمنشآت الجديدة، بالتعاون مع الأطراف التي تملك أحدث وآخر التقنيات في هذا المجال، وإلغاء المطالب الأولية لتحويل منشأة أراك إلى الماء الخفيف.
– إيران باعتبارها أحد منتجي المواد النووية بخاصة اليورانيوم المخصب والماء الثقيل، تدخل الأسواق العالمية، وويصبح بذلك لا أثر للحظر والقيود على تصدير وتوريد المواد النووية والتي استمر بعضها منذ 35 سنة.
– الإلغاء دفعة واحدة لجمع أنواع الحظر الاقتصادي والمالي والمصرفي والنفطي وفي مجال الغاز والبتروكيماويات والتجارة والتأمين والنقل، المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بذريعة البرنامج النووي الإيراني.
– تغيير المطالبات من إيران بوقف برنامج الصواريخ خاصة البالستية إلى تقييد تصميم الصواريخ القادرة على حمل السلاح النووي، والتي لم ولن تكون إيران وراء ذلك أصلاً.
– إلغاء حظر التسلح على إيران، واستبداله ببعض القيود، وفسح المجال أمام توريد أو تصدير بعض المنتجات التسليحية، وإلغاء القيود كاملة أيضاً بعد خمس سنوات.
– إلغاء الحظر عن المواد المزدوجة الاستخدام، وتأمين احتياجات إيران في هذا المجال عبر لجنة مشتركة بين إيران ومجموعة 5+1 لتسهيل ذلك.
– إلغاء الحظر كاملاً عن دراسة الطلاب الإيرانيين في الفروع العلمية المرتبطة بالطاقة النووية.
– إلغاء منع بيع الطائرات المدنية لإيران بعد 3 عقود من الحظر الظالم، وفسح المجال أمام إعادة تأهيل القطاع الطيران الإيراني والارتقاء بمستوى الأمان فيه.
– الإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات التي تكدست وحجبت في السنوات الأخيرة خارج إيران، بسبب الحظر الظالم المفروض عليها.
– خروج البنك المركزي الإيراني وشركة النقل البحري الإيرانية وشركة النفط الوطنية، وشركة النقل النفطية والشركات التابعة لها، والخطوط الجوية الإيرانية والكثير من المؤسسات والمصارف في البلاد 800 ما بين أشخاص وشركات ، من قائمة الحظر.
– إتاحة المجال أكثر لإيران في الأسواق والقطاعات التجارية والتقنية والمالية وقطاعات الطاقة.
– إلغاء أي منع أو قيود عن التعاون الاقتصادي مع إيران في المجالات كافة، ومنها الرسملة والاستثمار في صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات، وسائر المجالات الأخرى.
– وأخيراً إتاحة المجال للتعاون الواسع على المستوى الدولي مع إيران في مجال الطاقة النووية السلمية وإنشاء محطات الطاقة الكهربائية والمفاعلات البحثية وأحدث التقنيات النووية.
ردود فعل متباينة
تباينت ردود الفعل الدولية على الاتفاق، ففي وقت رحب معظم الدول بالاتفاق التاريخي، عارضه وشكك به آخرون.
ففي واشنطن، دان مجلس النواب الأميركي الاتفاق، محذراً من أن هذه الصفقة ستؤجّج سباق التسلح في العالم. وقال رئيس مجلس النواب جون بينر في بيان إن «هذه الصفقة لن تؤدي، على الأرجح، إلا إلى اشتعال نيران سباق التسلح في جميع أنحاء العالم». كما أن الاتفاق سيوفر لإيران الوقت والفضاء المطلوبين لإنتاج قنبلة نووية، وإن عقد الصفقة مع طهران أظهر تراجع أوباما عن مبادئه.
من جهة أخرى، أعرب وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عن أمله في ألّا يتجاوز الكونغرس فيتو الرئيس باراك أوباما في حال استخدامه. وصرح كيري في مؤتمر صحافي في فيينا حيث أجريت المفاوضات النووية «لا أؤمن بأن الناس في الكونغرس سيديرون ظهورهم للاتفاق الذي يتضمن خطوات استثنائية بشأن برنامج إيران النووي ودخوله وتفتيشه».
وفي وقت سابق أمس، توعد الرئيس أوباما باستخدام حق النقض في حال تصويت الكونغرس ضد الاتفاق النووي، وقال إن العقوبات سترفع تدريجياً عن إيران مع مضيها بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق.
وأوضح أوباما أن عدم وجود اتفاق مع إيران يعني مزيداً من الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وإن إيران كانت نداً ذكياً للولايات المتحدة وأرحب بالنقاش الحامي للاتفاق في الكونغرس.
وأضاف: «بفضل هذا الاتفاق لن تطور إيران أي سلاح نووي، لن تستطيع إنتاج اليورانيوم والبلوتونيوم المخصبين لصنع قنبلة ذرية».
وأشار الرئيس الأميركي إلى أن الاتفاق سيتيح للمفتشين الدوليين الوصول إلى المواقع الإيرانية التي تثير الشبهات، مضيفاً أن المجتمع الدولي يدعم الاتفاق النووية الذي وقعته الدول الست مع إيران، وشدد على أن الأمور قد تغيرت بعد الاتفاق ولم تعد إيران تتحرك وفق الضغوط السابقة.
في السياق نفسه، رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاتفاق النووي، مؤكداً أن بلاده ستبذل كل ما في وسعها لتفعيل طاقات هذا الاتفاق.
وجاء في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للكرملين: «ترحب روسيا بالحل الذي تم التوصل إليه اليوم في فيينا لتسوية الوضع حول البرنامج النووي الإيراني وبخطة الأعمال الشاملة التي وافقت عليها السداسية وإيران. إننا واثقون من أن العالم تنفس اليوم الصعداء». لكون الاتفاق يعتمد على مبدأ العمل على مراحل والمعاملة بالمثل، الذي كان الجانب الروسي يدافع عنه في جميع مراحل المفاوضات الصعبة التي استمرت سنوات طويلة».
وتعهد نتنياهو بأنه «سيعمل كل ما بوسعه لكبح مطامح إيران النووية». وقال في مستهل لقائه مع وزير الخارجية الهولندي في القدس المحتلة أمس: «إن إيران ستتلقى بفضل هذا الاتفاق الآلاف من مليارات الدولارات التي ستمكنها من مواصلة عدوانها وإرهابها في المنطقة والمعمورة جمعاء».
وعقّب رئيس المعارضة «الإسرائيلية» اسحاق هرتسوغ على اتفاق فيينا قائلاً إنه «تم التفريط بمصالح «إسرائيل»، وإن أحد الأسباب وراء ذلك هو النزاع الشخصي بين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما».