المستفيدون من إطالة الحرب على سورية…
جمال العفلق
منذ بداية الحرب على سورية، طُرح الحلّ السياسي للأزمة، وتمّ تداول مشاريع كثيرة للحل في سورية وقبلت الحكومة السورية فريق المراقبين الذي أرسل من قبل الجامعة العربية، والذي جاء تقريره حينها مخالف لرغبة الجامعة وأمينها العام الذي تخلى عن دور الأمانة العامة وأخذ دور المتحدث الرسمي باسم أصحاب مشروع تدمير سورية. وعلى رغم إخفاء صفحات مهمة من التقرير عن الرأي العربي والعالمي إلا أن عملية الكذب والانتقاء في التقرير التي اعتمدتها الجامعة كان لها صدى أكبر من إعلانه في حينها، حيث كشفت تلك العملية أن الهدف من تدويل الأزمة السورية هو إشعال الحرب لا إيجاد حل سلمي. وبعد سنوات على التقرير جرب نبيل العربي مغازلة سورية وانقلب على مواقفه السابقة إلا أن هذا الانقلاب لم يستمر طويلاً حيث عاد وانقلب على نفسة وفق مصلحة دافع المال السياسي.
وعلى رغم مرور خمس سنوات تقريباً على الحرب ووصول الشعب السوري إلى قناعة أن عبث هذا الموت لن يصل به إلى بر الأمان وأن ما يسمى معارضة سورية حتى اليوم لم تقدم لهذا الشعب أي شيء أو بارقة أمل بأنها تملك مشروعاً لإنقاذه من اللجوء أو من الحرب وآثارها، إلا أن الحرب ما زالت مستمرة وسبب استمرارها ليس لاقتتال دائر بين السوريين أنفسهم، إنما لوجود من يدير هذه الحرب على الشعب السوري من خارج سورية، كما في غرفتي عمليات الأردن وتركيا اللتين لم تتوقفا عن ضخ المقاتلين وتجهيز لمعارك تطلق عليها أسماء مستوحاة من العدوان السعودي على اليمن مثل معركتي عاصفة الجنوب وتحرير الشمال. فاليوم سورية كما كانت هي محور المنطقة والمتصارعين عليها وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، فتدمير سورية لا يعني عملية تبديل حكم كما يقولون ولا يعني تغير حزب أو حله كما حدث في العراق، إن تدمير سورية يعني بالنسبة لهم العيش بأمان وتوسيع المستوطنات الصهيونية وأخذ الجائزة الكبرى من الولايات المتحده الأميركية بجعلهم أصحاب نفوذ على مناطقهم الطائفية والعرقية.
فالحرب على سورية منذ بدايتها كانت تهدف إلى تدمير الجيش السوري والمجتمع السوري وخلق كانتونات طائفية في بلد عاش شعبه على التسامح الديني والعرقي ولم يعرف قبل هذا العدوان التسميات الطائفية.
والمستفيدون من إطالة الحرب على سورية لا يهمهم دماء السوريين ولا جوع أطفال سورية ولا يعنيهم تدمير المستشفيات والجامعات، ولا يحزنهم تدمير آثار عمرها آلاف السنين، ما يهمهم هو حصصهم تلك الحصص التي توزعت عليهم بأموال النفط العربي وحصص سياسية. في تركيا أردوغان يبحث عن انتصار داخلي ويسعى لدور الشرطي في المنطقة، أما الأردن فلديه حسابات أخرى تحكمها العلاقة الداخلية بين الأردنيين والأردنيين من أصل فلسطيني، كما أن التقارير «الإسرائيلية» كتبت كثيراً عن أن الملك عبدالله هو آخر ملوك الهاشمين في الأردن وهذا ليس ابتزازاً سياسياً انما هو مشروع الوطن البديل الذي تسعى «إسرائيل» إليه للتخلص من حق العودة للشعب الفلسطيني. وفي لبنان نجد الطبقة السياسية التي تعمل وفق تعليمات السفاره السعودية في بيروت تبحث عن حصتها في مناطقها الطائفية وطبعاً ليس من أجل مصلحة أبناء الطوائف، إنما لمصالح ضيقة كشفتها تسريبات ويكيليكس الأخيره لنجد أن أشد المعادين لسورية سياسياً وإعلامياً تسولوا من المال السعودية حتى يبقوا النار مصوبة على دمشق.
وبالتأكيد هناك أمراء الحرب في سورية الذين وجودوا في تجارة السلاح والبشر والآثار مصدراً للثراء وهؤلاء أشد خطراً من العصابات المسلحة، أما الولايات المتحدة فمشروعها الذي رصدت له الملايين وطبعاً من خزائن العرب فهو يهدف إلى حفظ أمن ما يسمى «إسرائيل» والسيطرة على مياه المتوسط والتحكم بمصادر مرور الطاقة إلى أوروبا، كما أن الولايات المتحدة تجد في تدمير سورية رد اعتبار وثأراً بسبب رفض سورية العدوان الأميركي على العراق في 2003.
فالقضية اليوم ليست بين الحكومة السورية والمعارضة كما ينشر إعلامهم، إنما قضية الشعب السوري بكامله مع الذين أشعلوا الحرب على سورية فالمعارضة السورية وخصوصاً في الخارج هي ساقطة من حسابات الشعب السوري، والجيش السوري اليوم يدافع عن الشعب السوري وعن الأرض السورية، فالمعركة اليوم بين مشروعين الأول تقوده أميركا ويمثلها فيه عرب النفط والجماعات التكفيرية مثل «داعش» و«النصرة»، والثاني ويهدف إلى جعل المنطقة إمارات إسلامية متناحرة يحكمها الجهل و هو مشروع المقاومة الذي يقوده السوريون المدافعون عن سورية الوطن وعن شعوب المنطقة من فلسطين الى العراق، فتحرير جبال القلمون لا يعني دمشق فقط ومعارك الحسكة ودير الزور وتدمر لا تعني سورية فقط فانتصار السوريين يدعم العراقيين في حربهم ضد الإرهاب.
أما في لغة المال فعائدات شركات السلاح الأميركي والأوروبي تكشف عمق الأزمة ومدى غرق الممولين العرب بهذه الحرب التي لن يحصدوا منها غير الشوك. ولا يصدق الطرف الآخر أن توريطه في الحرب على سورية وتوريطه في العدوان على اليمن هو بحقيقة الأمر تدمير له، فإدخال العالم العربي في أتون الحرب من العراق إلى ليبيا هو تشكيل جديد لهذه المنطقة وتفريغها من تاريخها وتبديل أدبيات وأصول دينها حيث شاع اليوم الإسلام الأميركي الذي يوافق على إعطاء أي كمية سلاح شرط أن لا تكون وجهة هذا السلاح تحرير فلسطين، وفلسطين هنا ليست غزة ولا رام الله ولا القدس إنما فلسطين العربية كما كانت قبل اتفاق سايكس بيكو وقبل وعد بلفور.