أيادٍ صغيرة… تجارب فنية واعدة في الفنّ التشكيليّ

لمى نوّام

ما أجمل أن يشعر أطفالنا أنّهم موهوبون، وأنّ ما يفعلونه ـ حتى وإن كان بسيطاً ـ يلقى التشجيع منّا، ويحظى باهتمامنا. والحريّ بنا هنا، أن نؤمّن لهم كافة المقوّمات والظروف الملائمة لتنمية بذور مواهبهم الصاعدة. وإن اتّخذنا الرسم مثالاً، فما علينا إلّا أنّ نشّجعهم ـ منذ نعومة أظافرهم ـ على الرسم والتلوين وعمل الأشكال واللوحات الفنية، بهدف صقل مواهبهم وقدراتهم، من خلال توفير التلوين والأوراق لهم، ليُعبّروا عمّا يجوب في أذهانهم وخواطرهم من أفكار.

هذا ما تقوم به «مدرسة الليسيه الفرنسية» فردان لطلابها، داخل المدرسة وخارجها. إنّها تجربة يعيشها الطفل ليستخلص منها عِبَراً ودروساً لا ينساها، وذلك تحت إشراف المعلّم وتوجيهه.

من أنشطة المدرسة، معرض «سمول هاندز» أو «أيادٍ صغيرة»، الذي أقيم يوم الجمعة الماضي في غاليري «آرت سبيس» ـ الحمرا. وشارك فيه ثمانية أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و8 سنوات، وقدّموا ثلاثين لوحة، أبدعتها أياديهم الصغيرة لتكون ذكرى جميلة في مشوار إبداعهم.

«البناء» واكبت فعاليات المعرض، والتقت الفنانة التشكيلية جنان بزّي، وهب المشرفة على أعمال الأطفال، وأستاذة لغة فرنسية وفنون في المدرسة، فتقول: «يحتاج الرسم يحتاج إلى أداة الريشة أو القلم أو الإصبع، وأحياناً أصابع اليد الواحدة… ومن هنا انطلقت تسمية المعرض ـ سمول هاندز ـ لتركّز على أهمية هذه اليد الصغيرة في عملية الإبداع. تشهد المدرسة في نهاية السنة الدراسية معارض مختلفة من الرسوم والأشغال على الكانفا، وحتى على قواطع الطرق الإسمنتية أمام حرمها. وتكون هذه الأعمال ذات هدف فني واجتماعي، ليعي الطفل مكانته في الحياة داخل الوطن… هكذا يعيش أطفالنا تجاربهم خلال السنة الدراسية في كل الميادين، كالرسم والأشغال الجماعية والعلوم واللغة… وكلّها ميادين مترابطة لا تتجزّأ، ويتم تقييم الأطفال من خلال تمكينهم في عدد من المهارات المطلوبة منهم».

وتضيف بزّي: «رسم الطلاب أكثر من ثلاثين لوحة، عُرِض منها 25 فقط لأطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و8 سنوات. والأكريليك فقط هو المستخدم في اللوحات، أما مواضيع اللوحات فهي من اختيار الأطفال. إذ لكل طفل مزاجه، وأسلوبه الذي يعبّر عبره. وهنا يكمن دوري في توجيههم من بعيد لتحقيق هذه الفكرة أو تلك، عبر التوليف الصحيح ومزج الألوان، من دون فرض رأيي أو التأثير عليهم. عمِلنا منذ ثلاثة أشهر للوصول إلى هذا المعرض، تعلّم الأطفال خلال هذه الفترة الكثير من المهارات والتِقنيات في التنفيذ وخلط الألوان، وزادت الثقة بالنفس لدى كل واحدٍ منهم. وغاليري آرت سبيس كان البيئة الحاضنة لنا جميعاً، ولم تبخل علينا إدارته بأيّ تعاون مادي أو معنوي».

وأضافت: «من خلال الرسوم، تلاحظون ميل الأطفال إلى مواضيع معيّنة ومختلفة. محمد أحبّ رسم الشخصيات والحيوانات، بتول تحبّ الأزهار والأجسام الغريبة، سيدرا تحبّ كلّ ما هو غريب وغير مألوف، ليا تسرح بحرّية في تأليف مساحاتها اللونية، سارة دقيقة وترسم عمق الأشكال الهندسية كالدوائر والخطوط المزخرفة، أما جودي فبارعة في التأليف ولوحاتها تحتوي على عدّة مواضيع في آن.

شخصياً، أحبّ كل أعمالهم ولا أميّز بين عمل وآخر. وأكثر من ذلك، أتعلم من سجيّتهم أحياناً كفنانة تشكيلية، وعلاقتنا تقوم على احترام الرأي الآخر ونتبادل أفكارنا وتنتهي المحاضرة بتشبيه كلّ عمل من أعمالهم بلوحات الفنانين الكبار. وهنا تكمن الثقافة الفنية».

وتعتمد بزّي في تعليمها الرسم للأطفال، على ورش عمل كثيرة، متّصلة هنا وهناك، تقدّم لهم من خلالها، مبادئ تقنية بسيطة تتجسد في استخدام الأشكال الهندسية من مثلثات ودوائر ومربعات، مع إضافة بعض اللمسات النهائية، ليصل الطفل إلى الشكل الذي يريد رسمه، ضمن ما يتاح له من إمكانيات وتنوّعات بالأشكال.

وتؤكّد بزّي قائلةً: «أنا أسعى إلى الاهتمام بتعليم الرسم للأعمار التي تتراوح بين سنّ ما قبل دخول المدرسة وحتى تسع سنوات. لأنني، ومن خلال خبرتي التي اكتسبتها من مشاركتي في أكثر من مهرجان ومعرض، اكتشفت أن الطفل في هذه المرحلة قابل للتعلّم أكثر من غيره ذوء الأعمار الأخرى. إذ يكون خامةً نضرةً تستطيع تشكيله كما تشاء».

وتضيف: «أحرص بعد نهاية كل ورشة على توثيق انطباعات كل طفل بخطّ يده، فأصوّرها وأحتفظ بها لمراحل متقدمة يمكنني الاستفادة منها في تطوير آلياتي، إلى جانب كونها ستظل ذكرى جميلة للحظات جمعتني بأطفال علّمتهم تقنية الرسم».

واشتركت بزي التي تعشق العمل مع الأطفال في معارض كثيرة وفي رسم جداريات، وشاركت في مهرجانات دولية في الأردن واليونان، وآخرها كان في نيسان الماضي في المغرب. وهي بصدد التحضير لمعرض فرديّ يضمّ عشرين عملاً جديداً. أما المعرض الفردي الأخير لها فهو «عشق الروح»، وأُقيم في النادي الثقافي العربي ـ الحمرا خلال حزيران وتموز عام 2013.

صاحبة «غاليري آرت سبيس» الفنانة التشكيليّة ليلى كبّة، قالت إنّ المعرض ناجح جداً لأنه كان فرصة للأطفال لينمّوا مقدرتهم بالتعبير، والانطلاق من خلال الرسم ومزج الألوان. فمثلاً، كانت هناك طفلة خجولة في بداية الدورة، وبعد عدة دروس، أصبحت واثقة من نفسها، ولاحظنا ذلك لدى الأطفال جميعاً. ودائماً قبل كل درس يتأملون كل ما في الغاليري، وهذا ينمّي فيهم حبّ الرسم وأهميته».

ورأى الفنان التشيكيلي رضوان باقي أن معرضاً للأطفال في «غاليري آرت سبيس»، يعدّ خطوة أولى لصناعة فنانين. فما يملكه الأطفال من مواهب في الرسم وتجسيد ذلك شكلاً ولوناً، يُعتبر الصعود الأول إلى دائرة النور والشهرة في عالم الفنّ. فإضافة إلى ما يقدّمه «غاليري آرت سبيس» من فنّ معاصر ولعدد هام من الفنانين على الصعيد العربي، نراه فتح أيضاً الأبواب للموهوبين الأطفال وذلك من خلال دورة في الرسم مع الفنانة جنان بزّي، فهي تقوم بعمل المرشد لطريق اللّون. فأعمال الأطفال قائمة على الفطرة والبساطة، إلّا أنّها توصل رسالة من كل طفل. وما لفت انتباهي، مجموعة أعمال للطفل محمد مكتبي، إذ إنّه ـ كما تقول المعلّمة جنان ـ يختار موضوع لوحاته ويعيد صوغ العمل بطريقة متكاملة، ومن رسومه لوحة لشارلي شابلن.

وختم باقي: «عنوان المعرض أيادٍ صغيرة، ولكن رسالة الفن كبيرة. وهي خطوة إيجابية لإيصال واقع الفن وترسيخ الثقافة والفنون في ذات الطفل، ليترعرع عليها ويكتشف أسلوباً فنياً يتمكّن من خلاله الوصول إلى العالمية».

ويقول الدكتور محمود شُبّر، مدير «غاليري آرت سبيس»، وهو فنان تشكيلي: «من الأمور التي تهتمّ بها إدارة الغاليري، إشاعة ثقافة الجمال من خلال الفنون التشكيلية، وهذا يعتبر سياسة عامة لدينا… من الأفكار التي كانت مطروحة ضمن هذا السياق، تنظيم دورات للرسم للفئات العمرية الصغيره من 6 إلى 12 سنة، وأسميناه ـ الكفّ الصغيرة ـ اعتمدنا أساليب حديثه في استقطاب انتباه الطفل لكيفية أن يهتم باللون والخط والكتلة والفضاء، من دون أن نفرض عليه أي أمر خارج منظومته المعرفية البسيطة والبكر. نستطيع من خلال ذلك زرع روح الجمال وتمظهراته في المجتمع عن طريق هولاء الأطفال».

زوّار المعرض كانوا من الأطفال والفنانين الذين توقفوا أمام إبداعات الأيادي الصغيرة، فالأستاذ محمد صفوت مثلاً، فوجئ بجهود الأطفال الشخصية وعدم إضافة معلّمتهم جنان أي لمسة شخصية على الأعمال.

الأطفال المشاركون في المعرض هم: ليا قاروط 4 سنوات ، بتول راشيني 5 سنوات ، جودي الخضر 5 سنوات ، سارة قاروط 6 سنوات ، تاليا قباني 6 سنوات ، محمد مكتبي 6 سنوات ، ليلاس مكتبي 8 سنوات ، وسيدرا قباني 8 سنوات .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى