أبو القاسم: الاتفاق النووي سيضع الدول الداعمة للإرهاب أمام مسؤولياتها

حاوره سعد الله الخليل

بعد إنجازات الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في القلمون بدا واضحاً أنّ المرحلة اللاحقة ستكون في الزبداني، لما تشكله المدينة من أهمية استراتيجية تضمن السيطرة على كامل الحدود السورية ـ اللبنانية من جهة، وتأمين مصادر مياه الشرب لمدينة دمشق خارج سيطرة المجموعات المسلحة، من جهة أخرى.

ومع انطلاق معركة الزبداني برزت دعوات إلى تجنيب المدينة القتال والدخول في تسوية تعيد سيطرة الدولة إليها وتضمن للمسلحين حسم خياراتهم بين تسوية أوضاعهم أو خروجهم نحو الجبال.

لاستيضاح الظروف التي أنضجت هذه المبادرة كان لصحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» لقاء مشترك مع الأمين العام لحزب التضامن المرخَّص في سورية محمد أبو القاسم الذي يلعب دور الوسيط في المبادرة.

لا وجود للنصرة

أكد أبو القاسم «أنّ الفصائل المقاتلة داخل الزبداني تتوزع على «أحرار الشام» وعدة فصائل مسلحة تابعة لما يسمى «الجيش الحرّ» و»منها حمزة بن عبد المطلب» و75 في المئة من المسلحين من أهالي الزبداني أنفسهم و25 في المئة من المناطق المحيطة بهم من مضايا وسرغايا، بالإضافة إلى بعض المنشقّين، ولا يوجد أجانب غير سوريين فيما تغيب «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» عن مشهد القتال داخل الزبداني».

واستبعد «أيه أهمية استراتيجية لفصائل المعارضة في الزبداني»، لافتاً إلى أنّ «ما حدث في الزبداني بدأ من شرارة صغيرة وأصبح لهيباً كبيراً على مرّ السنوات الأربعة، والمسلحين لم يجابهوا الدولة إلا بالحدود الضيقة وبقيت الزبداني أهدئ الجبهات في ريف دمشق».

وأشار إلى «أنّ الأهمية الاستراتيجية للجيش السوري تكمن في استكمال ما ينجزه الجيش في سلسلة جبل القلمون وتأمين مياه نبع بردى لمدينة دمشق».

كما استبعد «أن يكون الهدوء على جبهة الزبداني مرتبطاً بتواجد الجيش»، مشدّداً على «أنّ أهالي الزبداني الشرفاء لا يريدون لهذه المدينة أن يلحق بها الدمار أكثر من ذلك، ولذلك كانوا يطلقون كلّ فترة مبادرة هدنة مع القوات الموجودة في المدينة، وكانت تنجح بنسب بسيطة ولفترات محدودة ثم يتجدّد التوتُّر، بحكم الظروف التي تنشأ».

حلّ جذري

وأكد أبو القاسم «أنّ المبادرة المطروحة ليست مصالحة بل هي حلّ جذري للمدينة يختلف ببنوده عن بنود المصالحة». وقال: «قررنا طرحها في هذا التوقيت، بعد بدء العملية المفاجئة للجيش وحزب الله في المدينة وبعد تواصل وجهاء المدينة المتواجدين في أطراف الزبداني، وبحكم أنني من أبناء المدينة وأمين حزب التضامن، سُمح لي أن أكون على صلة مع مسؤولي الدولة». وأضاف: «في البداية تم تقديم طروحات وجدت أنّ مضمونها لا يناسب الدولة لأنها جاءت على شكل مصالحات برزة والمعضمية التي فشلت جذرياً، فما جرى في برزة والمعضمية منع دخول أي شخص ليس من أبناء المدينة إليها، بغضّ النظر عن ملكيته لمنزل فيها والهدنة تُوجِد دولة داخل الدولة، ما دفعني إلى إعداد مبادرة من 9 نقاط عُرضت على جهات في مركز القرار السوري قبل عرضها على وجهاء الزبداني ونالت الرضى المبدئي».

وحول الأرضية التي استند عليها في طرح مبادرته، قال أبو القاسم: «بحكم المبادرات السابقة التي طُرحت في المدينة والتي جمعتها ورأيت أنّ بنودها واحدة ينقصها تفسير تلك البنود وبعد التواصل مع الطرفين لاحظت غياب الثقة بين أهالي الزبداني والمسلحين والدولة، مع الرغبة في إيجاد حلّ لإنقاذ ما تبقى من المدينة، لكنّ بعض الجهات المسلحة تريد إنهاء الأمر والعودة إلى الحياة الطبيعية، وبالنسبة إلى الدولة فإنّ أهم شيء هو أن تعود الدوائر والمؤسسات بكامل رونقها وجمالها ويرفع العلم السوري فوق مقرّاتها».

تفعيل دوائر الدولة

وشرح أبو القاسم بنود المبادرة، مشيراً إلى أنّ البند الأول فيها ينصّ على «وقف إطلاق النار من الطرفين ووقف القنص». وردّاً على سؤال عن ضمانات وقف إطلاق النار، أجاب: «حكماً بمجرد الاتفاق على مصالحة نهائية ووقف إطلاق النار، على الأهالي المساعدة في العثور على من أطلق النار من جهة الأهالي وعلى الدولة أن تبرّر إذا تمّ الاختراق من طرفها، وحكماً على الطرفين أن يعوا أنّ هذه المبادرة ستكون النهائية لهذه المنطقة وإلغاء الشعارات المناهضة للدولة وللأهالي ورفع العلم السوري وإعادة تفعيل دوائر الدولة وتفعيل مع المجلس البلدي القديم ودمجه مع وجهاء البلدة».

ورأى أبو القاسم «أنّ وقف إطلاق النار سينعكس على المدنيين بالراحة والأمان».

وأوضح أنّ البند الثاني «ينصّ على إلغاء كافة الشعارات المناهضة للدولة وللأهالي ورفع العلم السوري على كافة دوائر الدولة وإعادة عمل وتفعيل المخفر والمشفى وكافة دوائر الدولة والمجلس البلدي ودمج بعض الوجهاء بالمجلس البلدي للمدينة، ما يحلّ إشكالية طالب بها الأهالي بتشكيل مجلس محلي مؤلف من عشرة أعضاء من الدولة ومثلها من وجهاء الأهالي وهو أمر مرفوض، فكان الاقتراح بتطعيم المجلس البلدي المنتخب بالوجهاء مكان من استشهد خلال السنوات أو غادر المدينة من الأعضاء السابقين».

تسليم السلاح

ينصّ البند الثالث، وفق أبو القاسم، «على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط إلى الدولة على أن يُترك السلاح الخفيف».

وحول بقاء هذا السلاح، أوضح قاسم أنّ «هناك أزمة ثقة بين الطرفين وشرط المبادرة والأهالي بقاء السلاح الخفيف حتى دخول الدولة المدينة، حينها لن تجد أي قطعة سلاح ويمكن أن تدمج تلك العناصر بعد التسويات مع القوة المسؤولة عن حماية الدولة أو مع الشرطة، وبعد بناء الثقة يمكن اتخاذ ما تراه الدولة مناسباً.

أما البند الرابع، فهو يفرض تشكيل لجان توافقية غير مسلحة من أهالي الزبداني وبموافقة الدولة بعد تقديم الأسماء المقترحة، وتتولى هذه اللجان حماية مدينة الزبداني بالتنسيق مع الجيش السوري والجهات المختصّة».

وأوضح «أنّ الفصائل طالبت أن تكون اللجان مسلحة، كقوة تنفيذية، فرُفض طلبها وتمّ الاتفاق على تشكل لجان توافقية غير مسلحة مهمّتها رفد الدولة بأي خرق وأن تكون قادرة على حلّ المشاكل وإعادة اللحمة بين أهالي المدينة».

وأضاف: «البند هو دمج لبندين من مطالب الفصائل بتشكيل لجان مسلحة ومجلس وجهاء يصالح الأهالي ومهمّة اللجان حماية المدينة مع الجيش، وقد تتم تسوية أوضاع أبناء البلدة سواء من عليه طلب للخدمة العسكرية أو الاحتياطية بعد المبادرة وبناء الثقة».

إعادة الإعمار

«ينصّ البند الخامس على إعادة إعمار البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمدينة ماء، كهرباء، هاتف، خبز ، فيما البند السادس ينصّ على السماح بدخول المواد الغذائية والإغاثية والمساعدات ومواد البناء والمحروقات إلى المدينة». وتحدث أبو القاسم عن حجم الدمار الذي طال المدينة على مدى السنوات الأربعة، لافتاً إلى أنّ «نسبة الدمار كانت 30 في المئة ثم ارتفعت على مدى الأيام الماضية إلى 60 – 70 في المئة، مع انعدام البنية التحتية نهائياً».

واعتبر أنّ «وقف العملية اليوم أفضل من الغد كونه يوفر المزيد من الدمار». وأضاف: «هذا الكلام بحث خلال اتصال مع المجموعات الموجودة في الداخل وقالو إنه إذا عاد الأهالي لا يوجد منازل ليسكنوا فيها، لكنّ المهم أن تعود الحياة إلى المدينة، وعودة الأهالي على الأقلّ للاطمئنان على منازلهم».

مصطلحات فضفاضة

«وينصّ البند الثامن على إجراء التسويات والمصالحات عن طريق الوسيط المتفق عليه «حزب التضامن»، وفي شكل تدريجي، ومتابعة شؤون المعتقلين والمخطوفين في مدينة الزبداني والإفراج عن النساء المعتقلات فور الاتفاق على المصالحة. ونظراً إلى ما يشكله هذا البند من أمور فضفاضة، قال أبو القاسم: «بالنظر إلى الآليات الكثيرة والكبيرة التي يتطلبها تنفيذ هذه الأمور، كان المطلب الأساسي للموجودين في الزبداني استبداله كلياً بإصدار عفو رئاسي عام عن الأسماء المطلوبة وعددهم يقارب الـ 1500، ونحن نسعى إلى البحث عن أبواب نستطيع من خلالها حلّ هذا الملف، ومن هذا المنطلق وضعنا البند التاسع بفتح الطريق أمام من يودّ من المطلوبين الخروج من المدينة نحو الجبل الشرقي، ومن يريد تسوية وضعه والمصالحة الوطنية والبقاء في المدينة عن طريق الوسيط من دون اعتقال، وبالتالي من يرفض التسوية يخرج من المدينة إلى الجبال الشرقية ولا يعكّر المصالحة».

واعتبر «أنّ المبادرة تعيد الدولة بكامل مؤسساتها وتضمن أن لا نجد مسلحاً»، مؤكداً «أنّ مبادرته قائمة على أرضية صلبة متوافق عليها بنسبة 90 في المئة». وأضاف: «بهذه المبادرة نضمن عودة المدينة وأهاليها إلى حياتهم الطبيعية فهم طيبون يشتهرون بالزراعة والتجارة والبناء ولا يتعاملون بالتهريب».

ترميم الشرخ

وردّاً على منطق رافضي المصالحة والذين يرون فيها عودة لمسلحي الزبداني إلى التحرك في المدينة ومحيطها وتكرار ممارساتهم السابقة، قال: «قبل ترميم الشرخ الاجتماعي لا بدّ للجرح أن يلتئم وهذا يحتاج إلى وقت وهناك تساؤل يطرح نفسه: أي وضع أفضل التسوية اليوم أم بعد أشهر بعد تحريك القوات وتعريض البنية التحتية للتدمير والخسائر بالأرواح من الجيش والأهالي والمسلحين؟ لو وضع هذا الأمر في كفة والعفو عن هؤلاء المقاتلين في كفة أخرى، لمن الغلبة؟ طبعاً للدولة صاحبة المكسب الكبير من المصالحة في ظلّ وجود شرط إعادة الدولة إلى الزبداني. على من أخطأ من الطرف الآخر أن ينهي ممارساته السابقة ويعود إلى مدينته بأمن وكرامة وحرية، وإنهاء الواقع الحالي للمدينة الأشبه بسجن، بما يسمح للأهالي بالعودة إلى أعمالهم».

وعن تطورات الأمور في الزبداني في حال رفض الدولة السورية المبادرة، قال: «في حال الضغط على المسلحين سيضطرون إلى مبايعة التنظيمات المتطرفة كتنظيم جبهة النصرة وهو ما لا يتمناه أحد، وخصوصاً أنّ الضمانات التي أخذتها أنه لا تواجد لجبهة النصرة ولا أجانب، وهذا الكلام أكده لي الأهالي، الذي أتوجه إليهم بالقول: إن شاء الله ستفرج بوجود الشرفاء سواء في المدينة أو في الدولة، وأناشد مقاتلي الزبداني من المسلحين بالآية القرآنية: «وكفى الله المؤمنين شرّ القتال»، واتمنى أن يعوا ويفسِّروا هذه الآية إلى لأنّ الجميع تعب والمدينة في حاجة إلى الراحة وهذا طلب الأهالي وأنا لم أتدخل في المدينة إلا بطلب من الأهالي».

موسكو 3 لا جنيف 3

من جهة أخرى، وضع أبو القاسم الحراك السياسي للمبعوث الأممي ستيفان ديميستورا ولقاءاته مجدّداً مع المعارضة السورية والأمين العام لجامعة الدول العربية في سياق مرحلة «موسكو 3» المرجح للانعقاد قبل «جنيف 3». واعتبر «أنّ موسكو 2 لم يتمِّم الاتفاق سوى على جدول الأعمال والبند الأول»، وبقيت خمس بنود، لذلك يتجه الحراك الذي تقوده موسكو لعقد «موسكو 3»، وما ينتج عنه يمكن أن يوضع على طاولة «جنيف 3».

وأضاف: «التقيت المبعوث الدولي منذ 3 أسابيع عندما قدم إلى دمشق وقدمنا له رؤيتنا للحلّ وملخص عن مجريات موسكو 2 وقدمنا له اقتراحات لنجاحات موسكو 3 أو جنيف 3، وأبلغنا خلال اللقاء بمعوقات السفر التي ستحول دون دعوة الجميع إلى جنيف 3، مؤكداً أنه سيحاول دعوة أكبر عدد من مكونات المعارضة السورية».

وأكد أبو القاسم «أنّ خطر داعش سيكون جزءاً من ملفات جنيف 3، بحسب ما نُقل عن البمعوث الأممي وأنه لا يوجد جنيف 3 قبل وقف إطلاق نار مبدئي يعرض على جنيف 3»، لافتاً إلى أنّ «الخطر الأكبر يكمن في فشل جنيف 3، بحسب ديميستورا، حيث سيتم نسيان سورية إلى الأبد وستختفي الأخبار عنها، لذلك يجب الوصول إلى حلّ سياسي شامل في جنيف 3 ما يجعل حظوظ انعقاد موسكو3 قبل جنيف 3 أكبر كما يمكن أن ينتج شيء جيد عن موسكو 3».

وفي ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، رأى أبو القاسم أنه «سينعكس انفراجاً كبيراً على الأزمة السورية من خلال التوافقات الدولية ووضع الدول الداعمة للتسلح ضدّ الدولة السورية أمام مسؤولياتها».

يُبثّ الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة مساءً ويعاد بثُّه عند الحادية عشرة ليلاً على قناة «توب نيوز» تردّد 12034

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى