اتفاف إيران النووي… القراءة والتداعيات

غزة ـ د. رائد أبو داير

قرابة العامين من التفاوض انتجت اتفاقاً أقل ما يقال أنه يعتبر انتصاراً للديبلوماسية الإيرانية التي أبدعت في طريقة التفاوض من حيث أنها استطاعت أن تحقق الاعتراف الدولي بحق الدول بعامة وايران بخاصة بامتلاك الطاقة النووية.

ما يثير الانتباه ليس فقط المخرجات التي تعبّر عن مدى الصياغة الابداعية في الاتفاق والتي توفير الحدود الدنيا لمتطلبات أطراف الاتفاق إيران والدول الكبرى، ولكن أيضاً كيفية إدارة التفاوض وتناغم مؤسسات الحكم في إيران: مصلحة تشخيص النظام، والحرس الثوري، والحكومة والبرلمان، ومن متابعة بسيطة تجد انك أمام تناغم كبير وهذا يعود بيناً إلى ما قبل انتخاب الرئيس روحاني كأحد أبرز الإصلاحيين لرئاسة الجمهورية بدعم من مصلحة تشخيص النظام والتي قررت أن يأتي رئيس من غير المحافظين ينهي مسألة الملف النووي الإيراني لتنطلق إيران من الإقليمي إلى الدولي، وهنا إشارة إلى مرونة النظام الحاكم في إيران بخاصة في ما يتعلق باستشراف الدور الإيراني الإقليمي والدولي في المرحلة المقبلة.

خلال الأعوام المقبلة سيدخل إلى خزينة إيران النووية تحت سمع وبصر العالم ما يقرب من 120 مليار دولار من الأموال المحجوزة، كما أنها ستتمكن من تمكين منظومتها الإقتصادية من إعادة التموضع بما يتلاءم والدور المطلوب منها بخاصة البنك المركزي والمؤسسات الاقتصادية الرسمية في الجمهورية، فمثلاً سنشهد فتح اًلبنوك إيرانية في كثير من دول العالم لتتمكن الماكينة الاقتصادية الإيرانية من تفعيل الدور السياسي والأمني لإيران في المنطقة بخاصة في ظل التراجع في أداء السياسة الخارجية للدول العربية نتيجة حالة الصراع الخفي بين أنظمتها وحالة عدم التناغم بينها وبين شعوبها.

أما في ما يتعلق بخريطة التحالفات فإنّ الاتفاق سيمنح إيران المناخ المناسب لتعزيز تحالفاتها الدولية وستشهد هذه الخريطة تحوّلات جديدة في الوقت القريب حيث أن روسيا والصين وأميركا الجنوبية ستستفيد أمنياً وسياسياً واقتصادياً من هذا الاتفاق، كما أن بعض الدول العربية ستذهب نحو تعزيز علاقتها بإيران كما تفعل الآن دولة الامارات العربية، وكذلك إيران ستدخل إلى عالم التحالفات مع الشركات الاقتصادية الكبرى التي ستسارع إلى الانفتاح الحقيقي على السوق الايرانية وهذا سيدفع بعجلة النمو الإيراني نحو الازدياد المتسارع، ما يعني أنّ المشهد الإقليمي سيزداد تعقيداً من حيث المقاربات الأمنية في سورية والعراق واليمن .

إيران اليوم أصبحت الدولة العاشرة التي تمتلك القدرات النووية، وبغض النظر عن الاصطلاحات ما بين الطاقة النووية السلمية، أو الطاقة النووية العسكرية، فإن إيران التي لم يكن برنامجها برنامجاً متطوراً نتيجة الحصار الذي فرض عليها إلا أنها اليوم تستطيع تحديث كل برنامجها وفق الاتفاق بأحدث الأجهزة والإمكانات التقنية كما أنها ستكون قادرة على تصدير هذه الإمكانات لدول أخرى لأنها من أكثر الدول ذات القدرة على استنساخ الإمكانات التقنية، وهذا ما شهدناه من خلال استنساخ نموذج طائرة الاستطلاع الأميركية التي سقطت على الأراضي الإيرانية.

أما عن تداعيات الاتفاق فإنّ الاتفاق سيلقي بظلاله المباشرة على المنطقة من حيث أنه سيمكن من استمرار المواجهة العسكرية في المنطقة بخاصة في كل من سورية والعراق واليمن، حيث أنّ إيران ستتمكن من تقديم مزيد من الدعم المالي للقوى والمنظمات العسكرية التي تتلقى الدعم المالي من الجمهورية، مما سيزيد من تعقيد المشهد ميدانياً.

أما على صعيد العلاقة مع الدول المحورية في المنطقة وإيران فإنّ منطقة الخليج العربي سيطفو الاختلاف في الرأي بينها حول الاتفاق على السطح وربما يؤثر على حالة الاجماع بينها في ما يتعلق بالملفات ذات العلاقة بدور إيران في المنطقة مثل الدور الخليجي في اليمن، كما أن ّهذا الاتفاق سيضع تركيا أمام تحديات كبيرةب خاصة أنّ حزب» العدالة والتنمية «لم يعد يمسك بزمام المبادرة في تركيا، وهذا الاتفاق سيؤثر على ملف السياسة الخارجية التركية بخاصة في ما يتعلق بالدور التركي في الإقليم، وبالنسبة الى علاقة إيران بالملف الفلسطيني فإن إيران ستسعى إلى تعزيز علاقتها مع أبو مازن على حساب علاقتها بالمقاومة والمتمثلة بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولكن هذا لا يعني قطع العلاقة معهما.

الاتفاق النووي الإيراني على رغم مما يحتويه من عناصر إيجابية بالنسبة الى الجمهورية الإيرانية إلا أنه يشكل تحدياً استراتيجياً لها، ذلك لأنّ هذا الاتفاق يفتح الآن باب التسلح النووي في المنطقة وسنشهد قريباً ملفاً نووياً سعودياً وتركياً وجزائرياً وربما مصرياً، وهذا الأمر سيحد في قوة إيران في المنطقة وسيشكل تهديداً واضحاً لها لأنها تقع في عمق المنطقة العربية، كما أن ّهذا الاتفاق يعطي الضوء الأخضر لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها عند أي مخالفة قد تقوم بها إيران، وفي الوقت نفسه إيران تحتاج إلى سنوات لترميم قدراتها النووية والاقتصاديةب خاصة في ظل انخفاض قوة عملتها وتزايد العجز في الميزان التجاري، وكذلك حالة التجاذب بين مؤسسات الحكم التي ستطفو على السطح بعد الاتفاق على رغم من توافقها في إدارة ملف التفاوض.

إيران اليوم قد تكون قادرة على الاستفادة من الاتفاق في مناحٍ عديدة ولكنها تدرك أن الاتفاق لم يكن كما تريد وقد لا يلبي أدنى طموحاتها، وهذا سيجعلها في حالة ترقب لفترة زمنية طويلة قد تمتد لسنوات، وهي لا تعلم ما قد يتغير خلال هذه السنوات بخاصة أن إيران تقرأ قوتها اليوم وفق ثبات عوامل القوة والضعف الإقليمي والدولي، وليس من قاعدة أن الثابت في الخريطة الدولية هو سرعة التغيير الذي تعيشه المنطقة.

إن من أهم ما يجب استخلاصه أن القوى الكبرى قررت نقل المعركة إلى داخل كل دول الإقليم لتبقى هي في أمان وهذا ما يجب التحذير منه، لأن الولايات المتحدة لن تقوم بأي حرب ميدانية ولكنها ستعمل على تسعير الحروب في المنطقة وهذا الاتفاق إن لم يتم التداعي العربي والإسلامي إلى إعادة صياغة العلاقة مع إيران فإن المنطقة مقبلة على مزيد من الحروب والتشريد بل والتمزق وهذه الحروب سيدفعها المواطن من طعامه ومسكنه وتنميته وتعليمه ورعايته، في المقابل فإن المواطن في الدول الكبرى ستزداد تنميته ويزداد دخله من مال الحروب المتوقعة قريباً .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى