ليلة القدر النووية… إنها «إيرانيوم»
طاهر محي الدين
سنوات طويلة مرت ونحن نحيي ليلة القدر في كلّ رمضان والكلّ يتمنى أن يدركها حتى ينال الخير كله، ولا أحد يعلم كيف ستكون إذا أدركها، هل سيظهر له نورٌ من السماء، أو يشعر بمصافحة الملائكة، أو تحقق كل أمانيه بليلة واحدة؟ وكثيرٌ من هذه التساؤلات التي كنت أطرحها على نفسي، هل أدركت ليلة القدر مرة في حياتي؟
وأخيراً، أتاني الجواب في ليلة 14 تموز 2015، بأن كل المقاومين والسادة والأحرار في العالم قد أدركوها لحظة إعلان التوصل إلى الاتفاق النهائي للملف النووي الإيراني الذي شهد أطول زمناً من المفاوضات في العالم دامت 15 سنة من المفاوضات وفوقها 15 يوماً من الصبر حتى صارت وبتوقيع أممي تسمى إيرانيوم.
لماذا ندعي أنها نصرٌ إلهي، وأنها لحظةٌ تاريخية، وأنها ليلة قدر نووية، ولماذا كل هذه الاحتفالات وهذه التبريكات وهذا الشعور العارم بالانتصار؟
بجواب بسيط جداً، عندما يؤلم عدوك ما حققته ويصيبه بالجنون، فاعلم بل تأكد أن نصرك حاسم، وهذا تماماً ما أعلنه «الإسرائيليون» أنفسهم وظهر على تصرفاتهم وإعلامهم، نعم فلقد دفع الجنون رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى إنشاء حساب باللغة الفارسية على موقع «تويتر» وبدأ يغرد باللغة الفارسية فيه، حيث نعق قائلاً: «في الوقت الذي تستمر فيه مسيرة التنازلات من جانب الدول الكبرى لإيران، يطلق المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تصريحات بضرورة محاربة الولايات المتحدة حتى في حال التوصل إلى اتفاق نووي».
ونعق نتنياهو أيضاً: «إن إيران ستحصل على الجائزة الكبرى، جائزة حجمها مئات المليارات من الدولارات ستمكنها من مواصلة متابعة عدوانها وإرهابها في المنطقة وفي العالم. هذا خطأ سيئ له أبعاد تاريخية».
وأما الشاهد الثاني على انتصارنا، فكان خطاب أوباما إبان إعلان الاتفاق في هذا الخطاب الذي تبادر إلى ذهني فوراً وأنا أستمع إليه بأنه «يصدُقنا وهو كذوب» لأن ما أتى به أوباما في خطابه ليحفظ به ماء وجهه كان يكذب به وهو صادق حيث قال: «إننا اليوم وبهذا الاتفاق الجيد قد ضمنا إيران دولة نووية ولكن من دون أسلحة نووية وإنه إنجاز تاريخي لنا ولكل الرؤساء الأمريكيين من بعدي»، نعم لقد كان صادقاً أن إيران أصبحت دولة نووية وقطباً عالمياً جديداً، ولكنه كان يكذب ليبرر هزيمته أمام حنكة الإمام القائد الإمام الخامنئي الذي قد أصدر فتوى منذ زمن بتحريم امتلاك الأسلحة النووية شرعاً، وبالتالي فإن أوباما يدرك ومنذ زمن بعيد أن المفاوضات لم تكن لمنع إيران من امتلاك أسلحة دمار شامل.
وقد كان أبرز ما في خطابه «تهديده للكونغرس الأميركي» بأنه سوف يستخدم حق الفيتو الخاص بالرئيس الأميركي تجاه أية محاولة لتعطيل هذا الاتفاق أو المماطلة فيه، وتلك هي الرسالة الأهم في خطابه كله لأنها كانت تحمل التهديد الأصدق له ليس فقط للكونغرس الأميركي وإنما لكل المتهورين والمغامرين في المنطقة والعالم، بدءاً من الكيان الصهيوني إلى كل أتباعه في المنطقة من أنقرة إلى الرياض.
أما الشاهد الثالث على أنه انتصار تاريخي، هو ما نطق به هُدهد الفرنسيين فايبوس، إذ بدا متسولاً بأول تصريح بعد إعلان الاتفاق حيث قال: «لا أعتقد أن إيران ستعاقب الشركات الفرنسية كلها على رغم موقفنا المتعنت المعرقل أثناء المفاوضات، وربما أسافر إلى إيران».
وهو انتصار تاريخي لأن «ما بعده ليس كما قبله» كما صرح دولة الرئيس المخضرم العبقري نبيه بري لأن هذا الاتفاق هو فعلاً بمثابة الحجرة الأولى في لعبة أحجار الدومينو التي تمثل ملفات المنطقة جميعها، وقد سقطت الحجرة الأولى لتستقط معها كل الأحجار وترسم لوحة جديدة وخرائط عالمية جديدة من الصين إلى البحر المتوسط ومن موسكو إلى الخليج العربي، وسيتم حل ملفات المنطقة جميعاً وتباعاً من سورية والعراق واليمن وأوكرانيا وأوروبا، وستنصب سلالم النزول من على المآذن كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه في يوم القدس عندما أعطى السعودية مثلاً فقال: «على حلفاء السعودية مساعدتها للنزول عن المئذنة»، وهذا المثل ينطبق على كل محور المهزومين في المنطقة من تركيا وباقي أعراب الخليج، حتى الأميركي نفسه وحلفاؤه، كان لهم هذا الاتفاق هو بمثابة السلم للنزول عن الشجرة التي علقوا في منتصفها ولم يعودوا يستطيعون لا صعودها أكثر ولا النزول عنها.
في الخاتمة فإن أكثر من يستحق الشكر بشكل شخصي هو سماحة الإمام القائد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران على حنكته السياسية وصلابته وصبره في إدارة هذا الملف ولتمكنه من وضع الخطوط الحمراء لهذا الاتفاق الرائع الذي حقق فيه النصر لبلده وشعبه ولشعوب العالمين الإسلامي والعربي بكل مكوناته، كما أن الشكر الموصول لصمود الشعب الإيراني ويقينه وإيمانه بحكمة قيادته ووقوفه خلف حكمة تلك القيادة وصبره وثباته لمدة 36 سنة من الحصار والعداء الغربي والعربي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك الشكر الكبير لصمود سورية شعباً وقائداً مع حليفه حزب الله في وجه أعتى حرب كونية، هذا الصمود الذي كان له الأثر الأكبر في انكسار محور الحرب على المنطقة وإعادة رسم خرائط القوة في المنطقة والعالم.
أيها القارئون، إيران دولة نووية وتمتلك حق الفيتو الخفي من خارج مجلس الأمن هذا ما أصبح حقيقة كالشمس، وسورية دولة مركزية ومحورية في المنطقة والعالم، وروسيا تستعيد أمجاد الاتحاد السوفياتي من روسيا الاتحادية، ومن لم يصدق هذا القول فليترقب المقبل من الأيام.