وقّع الاتفاق فتحرك السفراء

روزانا رمّال

كلّ شيء بات مباحاً بعد التوقيع على الاتفاق التاريخي بين طهران والغرب، كل شيء بات مباحاً موقفاً وحضوراً وكلاماً وجدالاً، فبعد حبس الأنفاس لأشهر طويلة قبل إعلان التفاهم جاء الوقت لتستعيد السياسة الإقليمية والدولية عجلتها وحراكها. فكل شيء تعطل قبل التوقيع كان مجمداً والحركة الديبلوماسية، وإن بدت زاخرة بعض الشيء من هنا أو هناك، إلا أنها كانت حركة بلا بركة. وهذا ينطبق على مجمل الملفات الإقليمية المتشابكة، أبرزها الملف السوري واليمني والعراقي، فكل ما سبق تقدم ببطء شديد نحو أرضية مشتركة بين الأطراف المتنازعة في تلك الملفات. لكن أي منها لم تستطع التوقيع على حل، حتى الحرب على اليمن لم تسلم من هذا الجمود وهذا التردد ولم تهدأ حتى الساعة نيران السعودية التي طاولت المدنيين اليمنيين وبنى البلاد التحتية.

أما سورية فالحراك السياسي نحوها بين زخم وحشود، بغض النظر عمن كانت تمثل، فقد جاء قبل عام ونصف تقريباً من اليوم بجدية أكبر، لأن أفق التوقيع على اتفاق مع طهران لم يكن وارداً عند الغرب. فحشدت أميركا وفرنسا وتركيا لمؤتمرات تعنى بسورية، ولجأت إلى كل ما يمكن للخيارات المتاحة أن تفيد الواقع وتقلب المشهد. وكان بينها التطلع والتحريض على حرب عسكرية على سورية بذريعة الكيماوي، إضافة إلى إنشاء حكومات سورية معارضة مفترضة ومجالس وائتلافات لبحث الحل السياسي في سورية. كل هذا لم يوصل إلى بث أجواء التقدم نحو الحلول السياسية، وحده الجيش السوري تابع المسير من دون مفاوضات أو انتظار تسويات، وإن حضّرت روسيا لأكثر من مؤتمر تحضيري كشفت الأيام أنه غير قادر على البت بالأزمة من دون الرجوع إلى مصير المنطقة المتعلق بالملف النووي الإيراني الذي قادت «إسرائيل» طليعة الدول المنادية بتفكيك حلف إيران جرائه.

مساعي روسيا الجدية والحثيثة ألقت الضوء على الشخصيات والرموز الوطنية السورية القادرة على أن تكون جزءاً من الحياة السياسية السورية المقبلة، لكن من دون القدرة على البت في الأزمة ككل، لأن الأزمة السورية التي تتألف من دول وجهات تديرها منذ يومها الأول تحتاج إلى لجم هذه الدول بما يقنعهم كفاية بحتمية اعترافهم بالفشل لكي ينجح أي مسعى روسي بالتوازي، وهذا كله لم يكن متوافراً ويفسر عدم القدرة على توقيع اتفاق يبت في مصير سورية منذ 5 سنوات. أما اليوم وبتوقيع الاتفاق الأكبر، فكل شيء بات أقرب من أي وقت مضى لبلوغ حل سوري سياسي مكفول النجاح.

أما ديبلوماسياً بالنسبة لأبرز طرفين في المفاوضات الولايات المتحدة وإيران، فقد برز بالأشهر الأخيرة تقليص واضح لحضور ديبلوماسيي هذين البلدين في أكثر من دولة شرق أوسطية. فبالنسبة للإيرانيين وبحسب مصادر «البناء» لم يكن وارداً لأي سفير إيراني حول العالم في الأشهر الماضية التي سبقت الإعلان أن يقوم بأي تصريح مسجل أو موقف يتناول سير العملية التفاوضية أو غيرها مما يعني إيران في تلك المرحلة، وذلك حرصاً على احترام سرية المفاوضات أولاً وإظهاراً لدقة وانضباط وانتظام الطاقم الديبلوماسي الإيراني حول العالم ثانياً والذي يؤمن كل أجواء النجاح لخطواته.

أما أميركا فقد غاب عن الساحة الشرق أوسطية أيضاً التدخل السافر الواضح للسفراء الأميركيين في بعض البلدان التي كانت تعتبر بالنسبة للأميركيين إحدى نقاط الوصاية عليها ومن بينها لبنان الذي حظي السفير الأميركي فيه منذ عام 2005 صفة المفوض السامي عليه لشدة ما كان يتدخل في التفاصيل اللبنانية، خصوصا في ذروة حراك حركة 14 آذار، وجيفري فيلتمان أشهر من أن يعرّف عند اللبنانيين والذي خلفته ميشال سيسون ثم السفيرة مورا كونيللي وصولاً إلى دايفيد هِلْ اليوم، الذي يكاد اللبنانيون أن ينسوا أنه حاضر معهم في لبنان منذ أشهر لغيابه تارة عمداً وطوراً تذرّعاً بقرب انتهاء ولايته في لبنان، زار عين التينة بالأمس بحيث لم يكد يعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام حضوره عن أمله في استفادة لبنان وانعكاس الاتفاق النووي خيراً عليه، متوقعاً أن تكون له انعكاسات ايجابية على المنطقة بعد استحالة لبننة الاستحقاقات حتى سارع السفير الأميركي إلى زيارته وفي هذه الأوقات بالذات لا يمكن أن يتصدر الحديث ما هو أهم من تداعيات توقيع التفاهم على لبنان وما يمكن للولايات المتحدة أن تساهم فيه للمساعدة على حل الملفات العالقة كما كانت تفعل دائماً، وهذا طبعاً بحسب أمنيات السفير المفترضة.

الحراك الأميركي نحو عين التينة لن يكون الوحيد، فبعد إعلان السلطات السعودية أنها تتطلع لعلاقات أفضل مع إيران فإن السفير السعودي في لبنان الذي واظب على تصريحاته النارية في لبنان كل فترة المفاوضات الغربية مع طهران، أيضاً سيكون على رأس المسارعين لإطلاع بري على صيغ لتقريب وجهات النظر بين حزب الله والمستقبل من جهة وبين العونيين والمستقبل أيضاً من جهة أخرى، علها تكون نوايا سعودية طيبة تسهم في إعلاء مستوى العلاقات مع إيران من العداوة إلى حسن الجوار.

السفير الإيراني من جهته لن يغيب هذه المرة على رغم قلة حضوره على المنابر منذ استلامه تزامناً أيضاً مع ضرورات خصوصية الملف النووي ربما يساهم أيضاً في حلول أسرع تخلق أجواء مساعدة على إزالة التعقيدات أمام انتخاب رئيس للجمهورية وربما انتخابات نيابية لبنانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى