لهيب تموز يحرق «إسرائيل» مرة ثانية…

جمال العفلق

إنه تموز مرة أخرى، بشمسه وحرارته وبحره وصفاء سمائه، ولكنه ليس كذلك بالنسبة إلى ما يُسمّى «إسرائيل»، فمنذ سنوات تسع كان عدوان تموز على لبنان في وقت قرّر قطعان الصهيونية تدمير بلد كامل وتغيير قواعد لعبة الحرب من أجل عملية أسر جنديين، في 2006 قرّرت حكومة العدو الصهيوني شنّ حرب واسعة على المقاومة، وكان قرارها هذا مرتبطاً بضوء أخضر أميركي وبريطاني وعربي حيث حصلت «إسرائيل» ولأول مرة في تاريخها على تفويض عربي شبه معلن تقوم بموجبه «إسرائيل» بشنّ هجوم كان يتوقع جنرالاتها أن ينتهي خلال خمسة عشر يوماً بتدمير المقاومة وكسر شوكتها وإنهاء حزب الله ووجودها في الجنوب اللبناني وإزالة الخطر عن شمال فلسطين.

اختارت «إسرائيل» أهدافها بعناية فائقة، البنية التحتية كانت هدفاً مشروعاً، والواضح أنّ الانقسام العربي حينها ومن فوض «إسرائيل» بهذا العدوان قد تعهّد لفريق لبناني أنه سيقوم بالتعويض بمجرد انتهاء الحرب والتخلص من المقاومة إلى الأبد وتحويلها إلى الشتات، في وقت كان خطاب المقاومة هادئاً وثابتاً ومحدّداً في حينها، بأنّ هذا العدوان سيكسر وأنّ «إسرائيل» ستدفع الثمن غالياً، وعلى رغم الضغط العربي والدولي ومحاولات بعض الأفرقاء في لبنان الطعن بالمقاومة وإضعاف روحها المعنوية، إلا أنّ الميدان كان له رأي آخر.

بدأت «إسرائيل» بضرباتها الحاقدة وفي كلّ يوم كان الإعلام الصهيوني يعلن إصابات محققة، وأعطي الضوء الأخضر للاجتياح فكانت المعركة ودخلت الميركافا «فخر» الصناعة الصهيونية المعركة لتتحطم على جبهة المقاومة، وتفشل في تحقيق الهدف الذي أُرسلت من أجله، ودُمّرت البارجة «ساعر 5» في عرض المتوسط. وبدأ حلفاء «إسرائيل» يبحثون عن مخرج لهم، فالخمسة عشر يوماً انتهت ولم تحقق «إسرائيل» أي شيء على الأرض وبدأت المماطلة وطلب الفرصة تلو الأخرى، جرّب الأميركيون خلط الأوراق سياسياًَ وحاول العرب إفراغ المقاومة من مضمونها، فأطلقوا على عملية أسر الجنود اسم مغامرة. واختير موقع عسكري قُدّم فيه الشاي للجنود الصهاينة. ولكن جمهور المقاومة لم يسلّم ولم يستسلم وكان يترقب كلّ يوم بيان انتصار جديد، جرّبت «إسرائيل» تدمير مبنى قناة «المنار» ونجحت ولكن صوت «المنار» عاد من جديد وفي وقت قياسي. وانتهى العدوان بعد ثلاثة وثلاثين يوماً، وعاش جمهور المقاومة حالة لا أعرف كيف أصفها، إذ اختلط فرح النصر مع ألم الخيانة، تلك الخيانة التي لم يخجل الأخوة والأشقاء من إعلانها، ووصل الأمر ببعض الدول إلى منع إطلاق كلمة شهيد على شهداء المقاومة وعدم الدعاء للمقاومة.

في النتيجة، انتهى عدوان تموز بهزيمة الصهيونية والمتحالفين معها. اليوم وبعد تسع سنوات توقّع إيران اتفاقها التاريخي حول برنامجها النووي السلمي. واليوم في تموز 2015 تعلن إيران انتصار محور المقاومة بعد حرب ديبلوماسية واقتصادية تجاوزت العشر سنوات، فإضافة إلى تذكره أحزان تموز 2006، يعيش العدو الصهيوني اليوم حزناً جديداً هو إعلان الاتفاق الإيراني مع مجموعة الخمسة زائداً واحداً، وتفشل «إسرائيل» مرة أخرى في تحقيق هدفها وكلّ التهديدات بقصف المواقع الإيرانية مجرّد كلام إعلامي حتى الساعة، فاتفاق إيران الذي وصفه المراقبون بأنه اتفاق «رابح رابح» ولا خاسر فيه، لم يكن صدمة لـ«إسرائيل» وحدها، بل لنفس الجوقة التي وقفت معها إبان حرب تموز 2006، فاليوم لا نعلم إذا اكتشف العرب كيف يعاملهم الغرب وكيف تنظر إليهم الولايات المتحدة الأميركية، فخلال السنوات الأربع الأخيرة، عُقدت صفقات بالمليارات من أجل تشكيل قوة عسكرية لمحاربة «الخطر» الآتي من إيران، وفتحت فرنسا مخازن أسلحتها لعقود عسكرية مع العرب، ولهث العرب خلف وعود أميركا بأنّ الاتفاق لن يتمّ، فخفّض سعر النفط للضغط على روسيا ودفعت الرشاوى لشراء المواقف وتعطيل الاتفاق، وأخذت السعودية الضوء الأخضر للعدوان على اليمن بحجة الشرعية، وهي كانت تهدف من هذه الحرب إلى الضغط على حلفاء إيران كما تسمّيهم. ورفعت وتيرة المعارك في سورية من أجل كسب نقاط في الميدان تكون ورقة ضغط بالتفاوض النهائي في محاولة لإقناع إيران بأنّ حليفها العربي سوف يسقط ولن يعود لها وجود أو نفوذ.

حرّ تموز هذا الصيف كان لهيبه السياسي أشدّ على «إسرائيل» وحلفائها المعروفين والمتخفين منذ تموز 2006، فماذا استفاد العرب من وعود أميركا ومن خطابات الفرنسيين الفارغة؟ إيران حصلت على ما تريد، وهي متأقلمة مع العقوبات الاقتصادية، وما سيحدث الآن من رفع فوري للعقوبات سيكون له بالغ الأثر في التنمية وفي الصناعة العسكرية الإيرانية. وبالتأكيد ستكون إيران قادرة أكثر من أيّ وقت سبق على دعم حلف المقاومة، فاليوم هي في مجموعة الدول الكبرى ونجحت سياسة النفس الطويل في تجاوز كلّ العقوبات.

حاول ويحاول بعض الإعلام العربي التخفيف من أهمية الاتفاق، ولكن الإعلام الصهيوني اعترف بالهزيمة التي لم يعترف بها الحلفاء في إعلامهم على الأقلّ.

فالخريطة الدولية عموماً وفي «الشرق الأوسط» خصوصاً، لن تكون بعد تموز هذا العام مثل ما كانت قبله، والانتصارات التي تحققها المقاومة والجيش السوري والحشد الشعبي في أرض الميدان سوف تضيف قوة جديدة للاتفاق الإيراني مع الغرب، وسوف تتبدّل المواقع ويتغيّر الخطاب السياسي، النجاح الذي تحقق في فيينا سيعطي روسيا وإيران وسورية أفضلية في العمل على إنهاء الحرب على سورية ووقف تدفق الإرهابيين وأموال الإرهاب. ولا بدّ أن يعيد المجتمع الدولي حساباته من أجل وقف العدوان على اليمن وإنهاء مجازر القتل الجماعي التي تُمارَس ضدّه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى