حزب الله بين انتصاري تمّوز 2006 و2015

روزانا رمّال

نجحت إيران في فرض أجواء الارتياح والانتصار لدى الدول والقوى الحليفة الاستراتيجية لها كسورية وحزب الله والتيار الحوثي في اليمن وبعض القوى الفلسطينية المقاومة، بالإضافة الى تعزيز موقف الدول التي دعمت الاتفاق وساندته بمن فيها روسيا والصين وغيرهما من الدول التي كانت تتابع عن كثب هذا الملف.

نجحت إيران في التأكيد للدول النامية أنّ بإمكانها التعويل على القدرات العلمية والموارد البشرية إذا لم تتوفر لها الموارد الطبيعية وأهمّها النفط والغاز، وانه من حقها البحث عن طاقات بديلة تُجاري فيها الدول الكبرى في العالم بالتمسك بهذا الحق وعدم المساومة عليه.

الأهمّ والأخطر بالنسبة إلى بعض الدول العربية انّ إيران نجحت في الكشف عن واقع جديد يتمثل في تكريس نفسها دولة عظمى تستطيع ان تتعاون مع دولة عظمى أخرى وكبرى في العالم، وهي الولايات المتحدة الأميركية من دون أن تكون المصلحة الاعتماد على النفط كمؤسّس لعلاقة توزع الولايات المتحدة على أساسها النفوذ في الشرق الأوسط كما جرت العادة بالنظر إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية وغيرها، فإيران التي لا تمتلك رصيداً نفطياً يمكن التعويل عليه في التوازنات السياسية في العالم، كشفت انّ الولايات المتحدة لم تعد تعتمد في سياساتها على أولوية تفيد حماية الدول النفطية ومصالحها لسبب أساس وهو علمي بحت يتمحور حول توجّه العالم نحو الطاقات البديلة، فمعظم الشركات والمصانع وحتى السيارات لفترة غير بعيدة ستكون قد لجأت الى استخدام الطاقات البديلة عن النفط مثل المياه والغاز والطاقة الشمسية، وقد بدأ عدد كبير من المصانع والشركات في الدول الكبرى بالتأسيس لهذا العصر الجديد المقبل.

لم تعد دول النفط هي الدول التي تحكم سياسات واستراتيجيات واشنطن في المنطقة، والتأسيس على علاقة متينة بين دول صاعدة فيها مثل إيران، بات ضرورة بالنسبة إلى الأميركيين، خصوصاً بعدما لاح في الأفق ثبات إيراني غير محدود رغم العقوبات وكلّ ما تعرّضت له وحلفاءها من حروب وتمادي في البحث عن ثغرات لكسرها.

حلفاء إيران بطبيعة الحال ومنذ اللحظة الأولى بدأوا بتذوّق طعم هذا الانتصار العلمي ومنهم من سيؤكد مستقبلاً انه سيخطو نفس خطوات إيران للتعايش مع متطلبات العالم المقبل بالطاقة النووية لأغراض سلمية على عكس ما تحاول إشاعته بعض الدول الخليجية عن مخاوف من أن تحذو دول أخرى حذو إيران أو تشجع المعادلة الجديدة على التسلح النووي في المنطقة متجاهلين امتلاك «إسرائيل» القنبلة منذ سنوات طويلة.

الشعور بالانتصار الذي فرضته إيران اقتنص جزءاً هاماً منه حزب الله بحيث شعرت فيه قاعدته الشعبية بشكل أوحى انّ ما يجري يعنيهم في المباشر لأنهم يدركون جيداً أنّ الذي ينتصر على الغرب اليوم هو من مدهم بالسلاح يوماً ما ومن ساهم في رفع الركام عن أجسادهم بعد حرب تموز 2006.

حزب الله اليوم الذي يجمع بين تموزين تموز عام 2006 وتموز عام 2015 يترتب عليه مسؤوليات لطالما حرص على الالتفات اليها ضمن فلسفة النصر التي قدّمها ويقدّمها إلى اللبنانيين في كلّ انتصار، فحزب الله نموذج حيّ في أذهانهم منذ أول صباح بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000 وتعاطيه مع العملاء اللبنانيين لـ«إسرائيل» أولاً، ثم تقديمه الانتصار لكلّ اللبنانيين بدون استثناء مع مفاعيله ثانياً رافضاً ايّ مظهر من مظاهر استثماره اياه على شكل تفرّد في السلطة او استقواء امام الخصوم، ليصل الى هذا اليوم وهو اليوم الذي تمّ فيه الاعلان أنّ ايران دولة كبرى في الشرق الاوسط، وحزب الله هو حليفها الاستراتيجي فكيف سيتصرف الحزب في هذا الإطار؟

لا شك أنّ فلسفة الانتصار هذه ستبقى حاضرة وسيقدّم حزب الله جزءاً أساسياً منها للداخل اللبناني، لكن هذه المرة وبلا شك فإنّ سياسة حزم أكثر حضوراً ستطفو على حسمه للاستحقاقات التي لا يمكن له المساومة عليها او اعتباره انه من الممكن التعاطي معها مثل ما تمّ التعاطي معها سابقاً، وربما يكون منها ملف الانتخابات النيابية او التحالفات او الرئيس اللبناني المقبل، فحزب الله يعرف انّ صناعة هذا الاتفاق الذي حظيت به طهران لم يكن صناعة ايرانية خالصة إنما صناعة إيرانية ساهم في تعزيزها صمود حلفائها الاستراتيجيين في سورية ولبنان، وتقديمهم الدماء الزكية والتضحيات الكبيرة، وكانت إيران سنداً لهم وكانوا هم سنداً لها في حلقة متسلسلة يؤدّي كلّ دوره فيها على الطريق نفسه، لذلك لن يكون ممكناً هذه المرة التفريط بدماء شباب لبناني بذل في سبيل حماية لبنان من غدر الإرهاب والتكفير، فسياسة اليد الممدودة ستحضر بالتأكيد، وهي التي تحرص على بثها قيادة حزب الله في كلّ الظروف، ولكن لن تراعي هذه المرة تدخلات خارجية او تسويات تجلب رئيساً وسطياً الى البلاد كتجربته مع العماد ميشال سليمان الذي توّجته الدوحة رئيساً وسطياً، ليجد حزب الله نفسه في نهاية المطاف أمام معادلات الخشب والذهب.

يعرف حزب الله انّ العالم اعترف بالقانون بحق امتلاك طهران للسلاح النووي لأغراض سلمية، لكنه يعرف ايضاً ان على خصومه في الداخل الاعتراف بحقه بصرف هذا الانتصار ضمن لعبة القانون ايضاً وبدقة من دون «استهتار ولا استئثار».

حزب الله وشهر تموز… معادلات الانتصار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى