الاتفاق النووي الإيراني ومستقبل المنطقة

حميدي العبدالله

لا يستطيع أيّ محلل أو مراقب إنكار حقيقة أنّ الصراعات الدموية التي شهدتها المنطقة، بدءاً بالحرب العراقية- الإيرانية، مروراً بحرب «عاصفة الصحراء» بعد احتلال العراق للكويت، وانتهاءً بالصراعات الدائرة الآن في سورية والعراق واليمن، هي بشكل أو بآخر صدى للمواجهة التي احتدمت بين الغرب وإيران منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979.

ولا يستطيع أيّ محلل أو مراقب إنكار مدى تأثر المنطقة بعد التوصل إلى اتفاق بين إيران والغرب، اتفاق ينهي المواجهة والقطيعة ويعيد العلاقات بين الجانبين إلى مستوى علاقات طبيعية بين دول قد تتقاطع مصالحها في قضايا، وتختلف في قضايا أخرى.

ولكن ذلك يظلّ في إطار العموميات، إذ ثمة آراء متباينة بشأن انعكاس التوصل إلى اتفاق مع إيران أنهى المواجهة ونقل العلاقات بينها وبين الغرب إلى مسار جديد.

البعض يتوقع أن يؤدّي الاتفاق وبصورة آلية إلى تعاون إيراني غربي لحلّ مشكلات المنطقة الملتهبة، ويتوقع حصول تسويات للأزمات القائمة في اليمن وسورية والعراق ولبنان.

لكن ثمة من يتوقع أنّ الاتفاق لا ينهي تعارض المصالح في البلدان التي تشهد مواجهات، وبالتالي سيتفرّغ الطرفان لتعزيز مواقعهما في ساحات المواجهة، وما بعد الاتفاق لا يعني بالضرورة التوصل إلى تسويات، بل ربما تصعيد في المواجهة يفوق ما كان يحدث في السابق.

لا شك أنّ أوضاع المنطقة سوف تتأثر بعمق بإنهاء المواجهة بين إيران والغرب، وذلك لسببين أساسيين:

ـ السبب الأول، أنّ المواجهة في الساحات المتفجّرة كانت جزءاً من المواجهة بين إيران والغرب، وبديهي أن ينعكس وقف المواجهة بين الطرفين على هذه الساحات بقدر ما كانت تشكل هذه الساحات وسائل ضغط يعتمدها الطرفان في مواجهة بعضهما البعض.

ـ السبب الثاني، أنّ الحوار واللقاءات المشتركة، والمصالح المتكوّنة، سوف تحدّ من حالات العداء التي كانت قائمة، وبالتالي سيكون لذلك تأثير إيجابي يتجلى بشكل من أشكال التعاون لإيجاد تسويات تراعي مصالح جميع الأطراف.

لكن ذلك لا يعني أنه سيكون من السهولة بمكان إنهاء كل النزاعات والوصول إلى تسويات لهذه النزاعات، لأنّ ثمة عناصر محلية وازنة لها دور كبير في الأزمات القائمة، وبالتالي الاتفاق لا يجد آلياً حلاً لها، بل إنّ تعاون الأطراف الإقليمية والدولية، لإقناع هذه الأطراف بالبحث عن حلول وتسويات هو الذي قد يساعد على الحدّ، أولاً من تصاعد الصراعات، وثانياً إقناع الأطراف بتقديم تنازلات متبادلة للتوصل إلى حلول. بمعنى آخر لا يمكن الاستنتاج أنّ قضايا وصراعات المنطقة ستجد حلولها بشكل سهل لمجرّد انتهاء المواجهة والقطيعة بين إيران والغرب، ولكن إنهاء هذه القطيعة يسهّل الوصول إلى حلول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى