قالت له

ـ قالت له: كيف تغار عليّ وتقول إنني لم أعد حبيبتك ولم تعد حبيبي، والغيرة موصولة بالحبّ وصل الجنين برحم أمه؟

فقال: لأنني أدافع عن ذكرياتي الجميلة وعن بضعة من عمري أودعتها عندك. فقالت: وهل يخوّلك هذا أن تجعل باقي عمري الذي أقفلته عن بوابات وصال حبّك الموصدة في وجهي عذاباً و قهراً وليلاً موحشاً بلا رفقة، وتصرّ على أن تبقى لصيقاً بي كظلّ لا يفارقني يشبعني جميل الكلام ويتباهى أن قلبه في مكان آخر؟ فقال لها: أنا لا أمنعك ولا أحول بينك وبين حبّ جديد. ولا أدّعي حبّاً جديداً. إنما التزاماً فيه حنان ورفقة عمر.

فقالت: أتمنى لو تسمعني جيداً هذه المرة؟. فأنت تدافع عن حبّك للتملّك، وعن غرور «الأنا» التي تسكن بين ضلوعك، ولا تريد أن ترى شيئاً كان يوماً ملكك وقد صار لغيرك. وتنتقي الأوصاف كما تشاء كي تتوَّج كملكٍ. وأنا هدمت العرش وكسرت الصولجان. وما عاد عندي من خيار إلّا أن تكون واحداً من اثنين، إما شخصاً لطيفاً، حتى لو طيف وذكرى واعتبار، أو حبيباً لا يشاركني فيه ظلّ انتظار، ولك القرار.

فقال: هزمني الحبّ مرّتين. مرّة عندما التقينا، وها هي الثانية. ونحن نفترق، وكابرتُ وتعاليت، وتخيّلت وتأمّلت، لكنها خيبة من لا يحافظ على ما يملك.

فقالت: تنعّم بعرشك يا ملك… ومضت.

ـ قالت له: الحبّ يطفو كنور في أرواحنا، فهل تراني أضيء ليلك كما تضيء ليلي؟

فقال: ولمّا تبرق عيناك يطلع نهاري، ولأجلك أغيّر مساري، ولابتسامة الصبح من شفتيك كم ألغيت أسفاري.

فقالت: والكتاب الذي بين يديك؟

فقال: لأقرا لك عندما يبعد النعاس عن عينيك، وأسهر حتى يغفو النوم في جفنيك. فقالت: والقلم؟

قال: لأخطّ لك كحلاً عربياً لا يدانيه ما تصنعه كلّ وصفات السحر وتعويذات الكهنة، يمنحك سلطاناً لا يحتاج إلى صولجان فينصّبك ملكة بلا استئذان. فقد صنعت لك من كل مواهبي في الشعر والرسم والموسيقى كرسياً ملكياً لا يراه الناس، لكنهم يشعرون جلوسك عليه، ومن نبرة صوتك سيعرفون وجودي ويقفون عند حدودي.

فقالت: وإن أحتاجك وأشعر بالسقم لغيابك؟

فقال لها: لا يغيب عن عينيك طيفي ولا عن شتائك صيفي، ولن تضيعي. فكلما شممت زهرة تعرفين أنه ربيعي.؟ وكلما سمعت قصيدة غزل جديدة أو كتب لك عاشق قصيدة، أو رأيت حلماً عن سيّد وعبيده، أو رأيت أنك من القديسين أو بين الملائكة تسبحين، ستعرفين في نهاية الطريق كيف يتعلق الغريق وكيف ينطفئ البريق، وتعرفين أنني قد متّ منذ زمن. إن ما تبقى مني روح عنيدة، تنتظر رحيلاً بلا هدف إلى حيث ترميني الصدف، وعندئذٍ ستعرفين أن الحبّ فرح، وعندئذٍ ستعرفين أن الله فرح، وعندئذٍ ستعرفين أن الموت قادر أحياناً على صناعة الفرح.

فقالت: وهل ستموت وتتركني؟

فقال: أنا أحدثك من موتي، ولو أنك تسمعين صوتي.

ففتحت عينيها وغادرت الحلم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى