رشيد كرامي يستقطب ميقاتي و14 تذكّره أنه رجل الأسد

كتب المحرر السياسي

ذكرى الرشيد كانت عنوان لبنان أمس، وبقوة دمائه حوكم القاتل وسحب من التداول كمرشح رئاسي، وحضرت طرابلس الموحدة التي أغاظ حضورها من يتعيّشون على الانقسام، فسارعوا إلى النيل من حجم وكثافة الحضور، وضاقوا ذرعاً بالموقف الوطني للرئيس نجيب ميقاتي وتضامنه مع المناسبة ومعانيها، فكالوا له الاتهامات وشنّوا عليه الهجمات من دون أن ينسوا التذكير بأبهى ما لدى الرئيس ميقاتي من صفات، وهي صداقته مع الرئيس بشار الأسد، هذه الصداقة التي يأمل محبّو الرئيس ميقاتي والحريصون عليه أن تخرجه من وهم فذلكة النأي بالنفس، وتعيده إلى الوجدان الوطني والقومي اللذين يضعانه في مكانه الصحيح حليفاً لمن هم في هذا الخندق وأصحاب هذه الهوية، الذين لم يجد سواهم إلى جانبه يوم طرح لمهام كبرى ولم يجدوه إلى جانبهم يوم تولاها، كما كانت حاله مع سورية التي وقفت معه ولما افتقدته لم تجده معها، بل نأى بنفسه عنها وصارت نظرية النأي بالنفس ميقاتية.

وفي قلب المخاوف كانت أمس التوقعات القاتمة المحيطة بمستقبل الحكومة والمجلس النيابي المهدّدين بالشلل، تجميد المجلس بسبب قرار الرابع عشر من آذار رفض سلسلة الرتب والرواتب حماية لمصالح كبريات المصارف والشركات العقارية، والفذلكة الدستورية هي لا تشريع في غياب الرئاسة لتعقيد التشريع تسريعاً للانتخاب، أما في الحكومة فالخلاف قائم على تولي الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية، خصوصاً كيفية التوقيع ووضع جدول الأعمال، حيث برزت شهوة السلطة مفضوحة لدى تيار المستقبل بتهوين الشغور وتصويره أمراً إدارياً صرفاً يمكن إدارة البلد في ظله بشكل طبيعي، بينما المنطقي أن يظهر تعقيد إدارة الدولة حافزاً لتلافيه والإسراع بانتخاب رئيس جديد، وكلّ تسهيل للإدارة في ظلّ الفراغ يكشف دوراً في صناعة هذا الفراغ واستطياباً لإقامته، ووفقاً لتوزّع المواقف من السجال حول إدارة الحكومة لصلاحيات رئيس الجمهورية يبدو واضحاً سعي المستقبل إلى وضع اليد على رئاسة الجمهورية في ظلّ الفراغ، وإطالة أمده بينما يبدو سعي التيار الوطني الحر إلى معاملته من باب أنه غياب مسيحي عن موقع حاسم في الدولة، لا يعوّضه إلا شراكة كاملة للوزراء المسيحيين من باب الشراكة الكاملة لمجلس الوزراء، وما يرتبه هذا التعقيد من تسريع للبحث في التوافق على رئيس للجمهورية يمكن لمجلس النواب أن ينعقد لانتخابه بنصاب الثلثين المطلوب دستورياً.

وفي ظلّ الارتباك اللبناني الذاهب إلى المزيد من الحدة في التجاذبات خصوصاً في شقه النقابي، تتجه سورية غداً نحو الانتخابات الرئاسية وعين العالم على نسبة المشاركة الشعبية ونوعيتها وألوانها ومنطقها لامتلاك الجواب، على درجة صلابة وضع سورية الداخلي وقدرته على التحمل لما سيترتب على هذا التقدير من نتائج، تتصل بمصير الحرب على سورية، وفي هذا السياق كان موقف وزير الداخلية برشوة الذين لا يشاركون في الانتخابات بالإبقاء على صفة نازح وما ترتبه من مكاسب على ضعفها، فاضحاً بالتأشير على حجم القلق لدى حلف الحرب على سورية من نسبة المشاركة المرتفعة في الانتخابات التي أظهرتها انتخابات السوريين في لبنان، حجم التوبيخ الذي تلقاه المشنوق من مراجع عربية ودولية معنية بمتابعة الانتخابات، لعدم امتلاك وزارته وجهاز المعلومات فيها أي معطيات أو توقعات عن حجم المشاركة التي أرعبت الرابع عشر من آذار والقوى الداعمة لها، حيث وصفها بعضهم بأنها ردة تاريخية على الرابع عشر من آذار 2005، ووصفها بعض آخر بالسابع من أيار السياسي، وأوصلت معاون الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان إلى القول: لم نكسب سورية وسنخسر لبنان والأردن».

استمرار النقاش المتشنّج

في هذه الأثناء تأكد من أكثر من مصدر أنّ النقاش المتشنّج الذي شهدته الجلسة الأولى سيستمرّ في جلسة الثلاثاء حول من يوقع المراسيم؟ هل هو رئيس الحكومة مع الوزراء المعنيين؟ أم يوقع أعضاء الحكومة الـ24؟ في ظلّ التباين حول آلية العمل على رغم أنّ الصلاحيات واضحة في الدستور والوضع الاستثنائي يفرض معالجة استثنائية لأيّ أمر.

لا حلحلة للسلسلة

في موازاة ذلك، لا إشارات توحي بحلحلة ملف سلسلة الرتب والرواتب قبل 7 حزيران المقبل، في ظلّ مقاطعة نواب 14 آذار وتكتل التغيير والإصلاح للمجلس النيابي بفعل الشغور، محتكمين إلى ضرورة التوافق على السلسلة قبل الحضور الى الهيئة العامة لتبرير عدم حضورهم، والمفاوضات التي سُجلت في الأيام الأخيرة حول سلسلة الرتب والرواتب لم تحرز تقدماً يؤشر إلى إمكان عقد جلسة مجلس النواب في العاشر من حزيران لإقرار السلسلة، مع العلم أنّ هذه الاتصالات والمشاورات ستستكمل في الأيام القليلة المقبلة.

ووفق أحد المشاركين في المفاوضات فإنّ العقبة الأساسية تكمن في موقف رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة الذي يصرّ على رفض إعطاء المعلّمين الدرجات الست، ويشدّد أيضاً على احتساب تعويضات التدبير «رقم 3» للعسكريين في الرواتب لأنه يرفض زيادة رقم الكلفة إلى ما فوق الألفي مليار ليرة والجدير بالذكر أنّ اللجنة الفرعية الأخيرة التي رعى عملها السنيورة وصلت بالشكل إلى حوالى ألف و800 مليار ليرة للكلفة لكنها عملياً تجاوزت هذا الرقم إلى حدود الألفين ومئة مليار.

وفي كلّ الأحوال فإنّ هذا الموضوع سيكون موضع أخذ وردّ في بحر هذا الأسبوع خصوصاً بعد عودة الرئيس بري من زيارته الخاصة إلى الخارج.

حزب الله الصامت

وتحدثت مصادر نيابية في 8 آذار لـ«البناء» عن انزعاج كتلة التحرير والتنمية من التعطيل وتهديد الوزير علي حسن خليل بتعطيل الحكومة، مشيرة إلى أنّ حزب الله الفريق الصامت ينظر إلى المشهد نظرة لا حول ولا… فهو متضامن مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح، لكنه في الوقت عينه ضدّ شلل المؤسسات.

وأكدت المصادر النيابية أنه من غير المتوقع أن يكون هناك تفاهم على السلسلة، وهذا ما عبّرت عنه التصريحات المتضاربة بين وزير المال والنائب جورج عدوان.

واعتبرت أنّ تعطيل عمل المجلس التشريعي هو تعطيل لدوره الرقابي، ما يعني تعطيل لعمل مجلس الوزراء، فالحكومة لا يمكن أن تعمل من دون رقابة المجلس النيابي.

حوار اجتماعي

وأكدت مصادر عين التينة لـ«البناء» أنّ المشكلة هي أنّ الكتل السياسية كعادتها تتخلى عن مسؤوليتها في تطيير السلسلة، فـ»تضيع الطاسة». ودعت إلى حوار اجتماعي جدي يكسر الحدة في طروحات هيئة التنسيق النقابية، لإيجاد أرضية مشتركة، فالمشهد أصبح أكثر توتيراً، ولغة التهديد غير مفيدة.

وأشارت مصادر نيابية لـ«البناء» إلى إصرار على إعطاء الموظفين حقهم من دون التسبّب بأزمة تضخم وضرائب عشوائية تطاول موظفي القطاع الخاص، وتؤثر على مالية الدولة. واعتبرت أنّ تهديد هيئة التنسيق بالتصعيد، لجهة تعطيل مؤسسات الدولة، كأعمال الجباية ودوائر الدولة ووزارة المالية من شأنه أن يوقف معاشات الموظفين.

طرابلس تخطف الأضواء

في غضون ذلك، خطفت طرابلس الرئيس الشهيد رشيد كرامي الأضواء أمس، وشكلت ذكرى استشهاد الرئيس كرامي السابعة والعشرين هذا العام محطة جديدة في طرابلس، حيث جمعت المناسبة إلى عائلة الشهيد الرئيس نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وأحمد كرامي وعدداً من الشخصيات السياسية والحزبيّة والدينيّة والمناطقيّة.

مشاركة ميقاتي جسّ نبض

وأكدت مصادر في 8 آذار أنّ الرئيس ميقاتي يدرك أنّ الموقع المستقلّ لا يخدمه في طرابلس، وخدعة الوسطية استفاد منها مرة إلا أنها لن تتكرّر، وبما أنّ القيادة السنية محسومة في 14 آذار لـ«تيار المستقبل»، فإنه اختار هذه المناسبة للتقرّب من 8 آذار من باب آل كرامي. واعتبرت المصادر أنّ المشاركة هي عملية جسّ نبض للانتخابات النيابية المقبلة، لا سيما أنه كان الخاسر الأكبر من تأليف حكومة الرئيس تمام سلام.

ورأت المصادر أنّ حزب الله لن ينسى بسهولة ما فعله ميقاتي عندما استقال استجابة للأميركي، لكن بما أنّ السياسة هي تبادل مصالح، فإنّ كلّ شيء سيُطرح على طاولة البحث في الوقت المناسب.

«ميقاتي أحد رجال الرئيس الأسد»

في المقابل اعتبر النائب السابق مصطفى علوش لـ«البناء» أنّ الحشد الميقاتي الكبير في الاحتفال يشكل اصطفافاً جديداً، وقد يكون تحالفاً طبيعياً، فآل كرامي والرئيس نجيب ميقاتي مجموعة واحدة مرتبطة بما يسمّى بمحور المقاومة الممانعة، فالرئيس ميقاتي هو أحد رجال الرئيس بشار الأسد في لبنان، والإيحاء بتوتر في العلاقات لا يمت إلى الحقيقة بصلة. كما شدّد النائب بدر ونوس لـ«البناء» على انّ تيار المستقبل لا يخيفه أيّ اصطفاف جديد، فالشارع هو الذي يحدّد ويقرّر مصير الانتخابات النيابية ولصالح مَن.

كرامي وقف في وجه تقسيم لبنان

وفيما ساوى ونّوس شهيد طرابلس ولبنان الرئيس رشيد كرامي بمن أسماه «الشهيد بشير الجميّل». أكد الوزير السابق فيصل كرامي أنّ الشهيد كرامي قتل لأنه وقف في وجه تقسيم لبنان والفيديرالية وتنفيذ الأجندة الإسرائيلية، وقتله عملاء «اسرائيل» بتوجيه منها وهم لا يزالون في واجهة السياسة في لبنان.

«القومي»: أرادوا باغتياله إفراغ لبنان من قاماته الوطنية

وفي المناسبة اعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي أنّ المؤامرة التي دفع الراحل الكبير حياته ثمنها، لا تزال فصولها تتوالى وتتكرّر، ولكن بوجوه وأساليب مختلفة، إنما الجوهر واحد لا يتغيّر، وهو استهداف كلّ الأمة بمكامن قوتها، فتارة يوظفون الأدوات الصغار لاستهداف رجال الأمة الأشداء من ذوي القامات الكبيرة كصاحب الذكرى، وتارة يشنّون الحروب ضدّ المقاومة، واليوم يستهدفون سورية بهجمة كونية شرسة لأنها لم تخضع لشروط ولا لترغيب أو ترهيب، واستمرّت صامدة ثابتة على مواقفها، مدافعة عن موقعها القومي ودورها في قيادة خط المقاومة والممانعة.

وقال البيان: إنّ قتلة الرئيس الرشيد أرادوا باغتياله إفراغ لبنان من قاماته الوطنية الكبيرة، وهم أنفسهم يدفعون اليوم إلى تقويض الدولة عبر إحداث الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، وعبر الإصرار على تعطيل مؤسسات الدولة، لأنهم لا يريدون أن يكون لبنان على صورة الشهيد رشيد كرامي، بلداً قوياً بمقاومته، بل يريدونه بلداً ضعيفاً محكوماً بـ17 أيار الصهيوني.

وشدّد البيان على أنّ الاقتصاص من قتلة الرئيس الشهيد، هو بالحفاظ على لبنان ومؤسساته، وبانتخاب رئيس للبنان مؤتمن على ثوابت لبنان وخياراته ومقاومته، وهي الثوابت التي كان يؤمن بها الرئيس رشيد كرامي.

وللمناسبة، اتصل المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل بالرئيس عمر كرامي والوزير كرامي، مشيداً بالمواقف الوطنية والعروبية المشرّفة لهذه العائلة الوطنية الكبيرة، وللبيت الكرامي العريق في المقاومة والتضحية.

حزب الله لا يريد الدخول في مماحكات تأخذ طابعاً طائفياً

من جهة ثانية، عاد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى بيروت أول من أمس على متن طائرة خاصة آتياً من العاصمة الأردنية عمان، حاملاً معه سجالاً حول منحه البراءة لعملاء لحد.

وفيما رفضت أوساط حزب الله التعليق لـ«البناء» على تصريحات الراعي، واكتفت بالقول إنها تلتزم الصمت وتكتفي بما قاله وفد حزب الله للبطريرك قبل الزيارة لأنها لا تريد الدخول في مماحكات تأخذ طابعاً طائفياً. قال رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك، خلال احتفال تأبيني في بعلبك تعليقاً على الجدال حول قضية اللبنانيين الفارّين إلى «إسرائيل» بعد التحرير: «إنّ العدو الإسرائيلي استخدم اللبنانيين ليقتلوا اللبنانيين، تحت ظرف وآخر، وعندما كان التحرير قلنا يومها، ونكرّر القول: إن هذه المسألة هي عند الدولة، وهي التي تحدّد من هو في هويته لبناني، ومن هو ليس في هويته لبنانياً، وهذا الأمر يعود إلى الدولة، ولا يرجع للاختيارات من هنا وهناك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى