فخامة السابق…
وليد زيتوني
فخامة الزميل في موقعين، الجيش والتقاعد. أما الثالث وهو الرئاسة فما اقتربت منها، وما حلمت بها، ليس بسبب غياب قدرة مفترضة للوصول، ولا تمنّع للتدلل، انما منعني النظام الطائفي وأمثالي حتى من الحلم.
فخامة الزميل السابق،
رسالتي لا تحمل المدح الشخصي. فإني، وانت تعرف جيداً، لا أجيده. وما تعلّمت الزحفطة، وانت تعرف ما أنا جيداً، فخرجت سليم الركبتين والكوعين.
لا تحمل الذمّ، والكلّ يعرف أني امقته. فأنا من مدرسة، لا تقول إلا الحق حين يكون حقاً في معترك الحياة. وتقول للباطل باطلاً ولو كان في سدة الطغيان. هكذا علمني «سعاده» يوم تعاقدت معه، وما تقاعدت عنه اليوم.
فخامة الزميل السابق،
ما جئت طالباً شفاعة يوم كنت، ولا محاسباً على تصرّف شخصي يوم غادرت من المقام الذي توليته. لا أثني على أعمال قمت بها، ولا اتشفّى من زلات قد تكون وقعت بها، فالتاريخ وحده من يقيم العدل. ينصف المحق ويرزّل المخطئ. إنما جئت لأتذكر بعض من ماضٍ ربما يكون معيناً لمستقبل قد نختلف في رؤيته ورؤاه.
فخامتك تقول وأنت مودع، انك مرتاح لما آل إليه لبنان اليوم. وأنا أحيلك الى رسالتك الجامعية في العلوم السياسية، والتي قلت لي يومها إنها عن الحزب السوري القومي الاجتماعي وعلمانيته كطريق خلاص للبنان. وقلت لفخامتك يومها إنّ عقيدة الحزب لا تستخدم تعبير العلمانية بالمعنى الحرفي، وإنما ما نقول به هو فصل الدين عن الدولة، كي لا يؤخذ هذا التعبير منصة للإلحاد، وأردفت بقول سعاده: «كلنا مسلمون لرب العالمين، منّا من أسلم لله بالإنجيل، ومنّا من اسلم لله بالقرآن، ومنّا من اسلم لله بالحكمة…»، وبيّنت أثناءها أن الحكمة ليست كتاباً، إنما فلسفة ونهج حياة. وان ليس لنا من عدو يقاتلنا في أرضنا وديننا إلا اليهود». وتطرقنا الى انّ اليهود السبب الرئيس في تشرذم العرب، وانقسام العالم. وانّ مَن صلبَ السيد المسيح لا يمكن ان يؤمَن جانبه.
طبعاً، ما جئت محاسباً، لأقول انك لم تستطع ان تنجز فصل الدين عن الدولة، فإنّ صعوبتها في مكان، بل في أمكنة كثيرة. تبدأ من الطوائف وزعماء الطوائف العلمانيين وتفرّدهم بالعلاقات الخارجية والداخلية، ولا تنتهي بزعماء الطوائف الروحيين وعدم تخليهم عن سلطتهم الزمنية في الزواج والإرث والتفاصيل التفاصيل ومنها السياسة. وانّ مشروعاً من هذا النوع لن يمرّ، ما دام أنه المبرّر والمسبّب لاستمرار تحكّم الدول «الاستدمارية» السابقة واللاحقة في شؤوننا الداخلية، ومنها انتخاب رئيس للجمهورية، او رئيس للوزراء، او حتى مدير عام، أو ربما رئيس طائفة من الطوائف.
فخامة السابق،
لا، ليس لبنان، وليست المنطقة، بألف خير. فلبنان الكيان جزء من مشكلة المنطقة برمّتها. لبنان هذا كان ولا يزال مخبراً للطائفية المفرّقة. ومكاناً لانطلاق المؤامرات، ومصنعاً للرذيلة المقنّعة.
لبنان هذا، ليس من نجمة أضاءت سماءه إلا المقاومة التي بدأت عام 1982 وانتهت بالتحرير عام 2000. هل تذكر فخامتك كم من المرات تكلمنا في «جب جنين» عن بطولاتها، ودورها في إعادة صياغة لبنان المستقبل. لبنان القوي. لبنان الحضارة. لبنان الانصهار الوطني. لبنان العزة والكرامة.
فخامة السابق،
أودعتك الراحة. انّ حكم المستفبل لا يكون بحكم الإخوان والأصدقاء الأصدقاء.
عميد ركن متقاعد