ماذا بعد الاتفاق النووي الإيراني؟

د. تركي صقر

برهن المفاوض الإيراني عن قدرة خارقة في إدارة لعبة المفاوضات، وبات مضرباً للمثل في الحنكة والصبر الاستراتيجي اللذين عزّ نظيرهما، والسبب ليس طول سنوات التفاوض البالغة اثنتي عشرة سنة، وإنما بسبب حجم الضغوط الممارسة على إيران والتي كانت في خط بياني متصاعد مع بدء كلّ جولة من الجولات وأقساها كان سيف العقوبات الاقتصادية الجائر الذي رفعوه فوق رأس المفاوض الإيراني ولم ينزل لحظة واحدة طيلة سنوات التفاوض، بل ظلّ التهديد بعقوبات أكثر قسوة مخيّماً على الأجواء طوال هذه الأعوام.

لقد ركزت العقوبات الاقتصادية أساساً على الاستمرار في تجميد الودائع الإيرانية التي تبلغ لدى الصين لوحدها أكثر من 150 مليار دولار كما تبلغ مئات المليارات منذ عهد الشاه لدى البنوك الأوروبية والأميركية وركزت العقوبات أيضاً على قطاع النفط والغاز لاعتماد الاقتصاد الإيراني عليهما حيث تصنف إيران رابع دول العالم في الاحتياطي النفطي وثاني دولة في احتياطي الغاز فجاءت العقوبات النفطية الأميركية والأوروبية تستهدف تركيع إيران اقتصادياً ومن ثم سياسياً، حيث هبط دخلها من إنتاج الطاقة إلى أكثر من النصف، فخسرت إيران ما يعادل 62 مليار دولار سنوياً.

لا داعي للقول من ربح ومن خسر في هذه المفاوضات، فالطرف الذي يمتلك مخزوناً من الصبر طوال عقد ونيّف ولم يتنازل ولم يفرّط بحقوقه النووية واستمر ببرنامجه النووي تحت أقسى أنواع الضغوط من دون توقف ومستعدّ لسنوات أخرى أطول من الصمود لا شك أنه هو الرابح، وربحه الأكبر أنه انتزع اعترافاً دولياً جماعياً بدخول النادي النووي، وما هستيريا نتنياهو وقادة الكيان الصهيوني ومعهم حكام السعودية بعد إنجاز الاتفاق إلا دليل على نجاح إيران في معركة التفاوض، وأنّ المارد الإيراني قد انطلق كقوة إقليمية لا يمكن لأحد تجاوزها في معادلات المنطقة والعالم بعد اليوم.

وفي المواقف بدا الرئيس الإيراني حسن روحاني رجل الدولة المتزن العميق وصاحب الرؤية الاستراتيجية عندما استخلص العبرة وأجرى إسقاطاً دقيقاً حين قال: إنّ الاتفاق النووي فتح صفحة جديدة من تاريخ المنطقة والعالم وهو أنّ طريق حلّ الأزمات في العالم أسهل وأقلّ كلفة عبر الحوار.

وكان موقف لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسية مثيراً للسخرية عندما قال بعد انتهاء المحادثات أنه يأمل أن يكون لفرنسا حصتها الاقتصادية العادلة من الانفتاح على إيران على رغم مواقفها السلبية المعادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال المفاوضات وبذلك فضح نفسه وكشف عن دوره المرسوم في نسفها أو عرقلتها على الأقلّ تسديداً للرشاوى الضخمة التي تلقاها من السعودية، وعندما فشل راح يلهث وراء الحصول على فتات الحصص من الانفتاح المقبل، ما يشير إلى مقدار الانحطاط الذي وصلت إليه سياسة حكومة هولاند بصورة لم يشهد تاريخ الحكومات الفرنسية السابقة له مثيلاً.

وأما نتنياهو فقد بدا في موقف لا يحسد عليه عندما قال: «الاتفاق النووي الإيراني خطأ سيّئ له أبعاد تاريخية»، وراح يتبجح بأنه سيعمل على حمل الكونغرس على رفض التصديق على الاتفاق علماً أنّ أوباما قال بعد إعلان الاتفاق جازماً: «سأستخدم حق النقض ضدّ أيّ تشريع في الكونغرس يمنع تنفيذ اتفاق النووي».

هناك سؤال تسمعه أينما كنت ماذا بعد الاتفاق هل من انعكاسات إيجابية للاتفاق على ما يجري في المنطقة وبالتحديد على ما يجري في سورية؟ نقول في المحصلة لا بدّ من أن ينعكس الاتفاق إيجابياً على الوضع في سورية من النواحي الميدانية والاقتصادية والسياسية ودور إيران كان فاعلاً قبل الاتفاق في دعم الدولة السورية للقضاء على العصابات الإرهابية فكيف بعده؟ الأمر الطبيعي أن يصبح أكثر قوة وفعالية بعد الاتفاق الذي حرّره من القيود السياسية والعقوبات الاقتصادية، ونقول أيضاً لا يمكن لاتفاق بهذا الحجم إلا أن تكون له أبعاد سياسية على مجمل قضايا المنطقة وفي مقدمة هذه القضايا وأكثرها سخونة وخطورة العدوان الإرهابي على سورية وما جرى في اتصال أوباما مع بوتين لشكره على دوره المهمّ في إنجاز الاتفاق النووي ما يشير إلى ذلك، فقد أكد الرئيسان: رغبة الجانبين في العمل معاً على تخفيف التوتر في المنطقة، وبخاصة في سورية، وأضاف أوباما أنّ لإيران دوراً في حلّ الأزمة في سورية، وهذا تطور جديد في الموقف الأميركي الذي دأب على تغييب إيران عن أي مساعٍ للحلّ.

ووزير الخارجية الألمانية كان أكثر صراحة عندما قال: «أصبح بالإمكان بعد الاتفاق النووي الإيراني نزع فتيل النار من المناطق الساخنة، وبخاصة في سورية». وراح العديد من المحللين يتوقعون بعدها أن تكون نهاية هذا العام بداية لطي صفحة الحرب الكونية الإرهابية على سورية… قد تكون هذه التوقعات متفائلة جداً، لكن المؤكد أنّ الحلّ بات أقرب من أيّ وقت مضى.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى