جعجع والسعودية إلى تصعيد!
روزانا رمّال
رأى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أنّ «المنطقة مقبلة، بعد الاتفاق النووي، على مزيد من التصعيد، وليس مزيد من التهدئة».
واعتبر جعجع، الذي غادر إلى السعودية للقاء كبار المسؤولين فيها، «أنّ تطبيق الطائف يبدأ من نقطة أساسية نصّ عليها هذا الاتفاق، وهي عدم وجود سلاح غير شرعي خارج الدولة اللبنانية»، لافتاً الانتباه إلى أنّ «هذه نقطة رئيسية، لأنه بخلاف كلّ ما يسوق، فإنّ اتفاق الطائف الذي شاركتُ فيه عن كثب، ليس فيه وجود لأي تنظيمات مسلحة خارج الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الشرعية، ولا وجود لأي شيء اسمه مقاومة أو غير مقاومة، إذاً يجب أن يعود القرار الاستراتيجي العسكري والأمني إلى كنف الدولة اللبنانية حصراً». كلام جعجع جاء ضمن مقابلة مع قناة «بي بي سي» ضمن برنامج «بلا قيود»، حيث قال ردّاً على سؤال حول الاتفاق النووي الإيراني: «بتقديري الشخصي، إنّ الاتفاق النووي سيؤدي إلى تجميد مرحلي للبرنامج النووي العسكري الإيراني، وإيران ستكون أكثر ارتياحاً، وبالتالي ستصبح إمكانياتها أكبر للتدخل في المنطقة». وأضاف: «لقد بقي الاتفاق النووي، نووياً كلّ الوقت، بمعنى أنه لم يتطرق إلى مشاكل وأزمات أخرى».
تحمل زيارة جعجع للسعودية بُعيد توقيع الاتفاق وتركيزه في حديثه لـ«بي بي سي» على التفاهم النووي وأبعاده وإعادة تركيزه على سلاح حزب الله من بوابة اتفاق الطائف الذي شكلت السعودية عرّاباً له، وتزامن الكلام والزيارة مع الغزوة السعودية بقوات برية لمدينة عدن اليمنية، مؤشرات بأننا أمام خطة سعودية للتعامل مع مرحلة ما بعد الاتفاق النووي عنوانها تصعيد المواجهة وليس تسهيل التفاهمات.
الشيء الذي يبدو أكيداً أنّ السعودية ليست من الغباء السياسي بمكان لتتوهم أنّ باستطاعتها نسف السياق الذي يشكل التفاهم النووي نقطة الارتكاز فيه، وهو سياق ولد من قلب مواجهات وحروب وأزمات وتصعيد، ومحاولات دؤوبة لربطه بالتفاهمات الإقليمية الأخرى أحبطتها إيران.
ويستغرب جعجع غيابها كما تستغرب السعودية، كما سجل نتنياهو استغرابه، كلهم يقول على طريقته أن لا شيء سيردع إيران عن توظيف عائدات التفاهم المادية والمعنوية لتعزيز وضع حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله، لدوره في مواجهة «إسرائيل» والمجموعات الإرهابية المتطرفة.
تدرك السعودية أنّ الحرب التي تفادتها واشنطن وتهربت منها تل أبيب مع إيران لن يكون بمقدورها المخاطرة بخوضها بعدما صارت واشنطن ترسو على ضفة أخرى كلياً، وسلمت تل أبيب بالعجز، كما تدرك السعودية أنّ حلفاءها المشتركين مع الأميركيين المصابين بالإحباط معرضون للتأثر بالمناخ الذي خلقه الأميركيون حول الاتجاه نحو التسويات مع إيران وحلفائها، لذلك عليها أن تستبق الأميركيين نحوهم وتستعدّ معهم لخوض المرحلة القادمة.
تعمل السعودية لجولة تصعيد تستهدف الحوثيين وحزب الله، وتجنيد الأطراف اليمنية واللبنانية والسورية العاملة تحت لوائها لهذه المهمّة، وتريد أن تستخدمهم للمرحلة القادمة عندما يحين أوان التسويات ليكون لهم نصيب من العائدات أو يكون عليهم نصيب من التبعات.
فماذا سيفعل جعجع في السعودية غير إطلاق المواقف الإعلامية التصعيدية ضدّ حزب الله التي تشبه ما قاله قبل السفر؟
تفيد مصادر متابعة للموقف السعودي في لبنان، بأنّ السعودية تطالب جعجع بالخروج من الموقف المشترك مع العماد ميشال عون تجاه الشؤون الحكومية والنيابية ورفع التغطية المسيحية التي يوفرها موقفه للحليف الأبرز لحزب الله في المواجهة التي يخوضها ويعتبر اتفاق الطائف هو المستهدف النهائي من حملته ويدعو علناً إلى تعديله كمصدر للغبن المسيحي.
تتحرك السعودية لإعادة تجميع حلفها الذي كان في مرحلة المواجهة قبل اتفاق الدوحة، وكان من ضمنه تشكيل مسيحي وإسلامي يغطي المواجهة مع حزب الله ومرشحه الرئاسي العماد عون وتدعو إلى الضغط لدعم الحكومة للتحرك والعمل وصولاً إلى دفع حزب الله وممثلي عون للخروج منها وإطلاق يد الحكومة بالتصعيد حتى يمكن التقدم بتسوية للملف الرئاسي، كما حدث المرة الماضية، حين انتُخب العماد ميشال سليمان. تسوية ترضاها واشنطن وتعمل عليها مع إيران، وترى المصادر أنّ قضية التعيينات الأمنية ستكون فتيل التفجير بالتمديد للعماد جان قهوجي في قيادة الجيش وأنّ التوتير سيتواصل حتى أيلول حين يحلّ موعد التعيينات ويتم التمديد، فيخرج عون ويتبعه حزب الله من الحكومة وتصير حكومة سلام شبيهة بحكومة السنيورة قبل اتفاق الدوحة.
تتساءل المصادر عن ثلاث إشكاليات أساسية يبدو أنّ الخطة التي وُضعت لم تقدم عليها أجوبة مدروسة:
ماذا عن المواجهة مع «داعش» و«النصرة» التي ستستثمر على مناخ العداء لحزب الله وتعود لتنمو وتتوسع في بيئة تيار المستقبل، بصفتها الأشدّ عداءاً للحزب، مع ما سيرتبه ذلك من تعريض المناخ الأمني العام في لبنان للخطر وما سيرتبه نمو الإرهاب من إطلاق جرس الإنذار لدى دول الغرب وتحركها لوقف المناخات التصعيدية الداخلية منعاً للتفجير، وحرصاً على عدم تحول لبنان إلى بؤرة لتصدير الإرهاب إلى الغرب؟
ماذا عن موقف الرئيس نبيه بري الذي تقول التجارب إنّ كلّ رهان على انفكاك موقعه الحكومي عن حزب الله هو ضياع وخطأ في الحسابات وما هي انعاكاسات خروجه مع حزب الله على مستقبل الحكومة والوضع العام في لبنان؟
ماذا لو لم يسر الوضع سياسياً بصورة سليمة وأدت التوترات إلى انفلات الشارع وحدوث ما لا تحمد عقباه كما حدث في السابع من أيار 2008 ؟