ترويض حماس في قصر السلطان أضاع الحلم والمشروع

سعد الله الخليل

جملة من المتغيّرات شهدها قطاع غزة بعد العدوان «الإسرائيلي» الأخير على القطاع العام الماضي، لا يمكن إخراجها من سياق المتغيّرات التي شهدها خطاب حركة حماس وأولوياتها ومواقفها، حيال ما شهدته المنطقة من غليان ومتغيّرات عاصفة حلّت ببلدان المشرق والمغرب العربي، ارتدّت على القطاع بظواهر أمنية في الشكل، اجتماعية وفكرية في العمق والمضمون.

في جديد الظواهر الطارئة على القطاع يأتي تفجير متزامن لخمس سيارات لحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ليطرح تساؤلات عدة حول قدرة الحركة على الإمساك بالقطاع وقدرتها على تعبئة الشارع فيه، وقد تزداد التساؤلات عمقاً ومشروعية إذا ما ربطت التفجيرات بوضع تنظيم «داعش» الإرهابي موطئ قدم في القطاع المنهك جراء العدوان والحصار «الإسرائيلي» من جهة، والانقسام الفلسطيني من جهة أخرى، فيما الحديث عن موقف ودور عربي داعم من قبيل أحلام يقظة فلسطينية وعربية صعبة المنال.

قبل سنوات ومع استدارة حركة حماس صوب قبلة مقاومة «الربيع العربي» في العصر الحديث «دوحة الديمقراطية الحديثة»، وبعد أداء رئيس مكتبها السياسي وصوتها المقاوم خالد مشعل مناسك عمرته السياسية الجديدة في كواليس أنقرة، معلناً تقديم الحركة ولاءها «الإخواني» على مشروعها المقاوم، بدأ العهد الجديد بدور واضح في الحرب على سورية من بوابة ما سُمّيَ «الدفاع عن الشعب السوري»، ورفض السكوت عن مكتسبات فلسطينية على حساب كرامة الشعب السوري، فانخرطت في أدوار مشبوهة بحق الدولة والشعب السوري الذي أحسّ بعمق خيانة حماس لقضيتها قبل أن تكون خيانة لسورية.

يوماً بعد يوم تورّطت حماس في مشروعها الجديد، وفشلت في المزاوجة بين خطاب «إخواني» بقيادة تركية ـ قطرية، وبين مشروع مقاوم يسمح بتبرير التورّط في حرب على سورية، وبتأثير المال والميديا والخطاب غابت المقاومة عن الحركة وظهر رداء «الإخوان المسلمين» على قياداتها فضفاضاً، غير جذاب للشارع العربي عموماً والفلسطيني على وجه الخصوص، ومع نموّ الجماعات المتطرفة في المحيط الفلسطيني والرغبة «الإسرائيلية» بزعزعة الوضع في القطاع وجدت هذه الجماعات طريقها إلى القطاع، في ظلّ الفقر المدقع الذي يعاني منه أبناء غزة وحالة الدمار التي خلفها العدوان «الإسرائيلي» الأخير فظهرت خلايا بايعت تنظيم «داعش»، وهدّدت بإسقاط حكم حماس في القطاع وهو ما لا يخرج عن الرؤية «الإسرائيلية» والأميركية للقطاع والمنطقة.

ضياع البوصلة وغياب المشروع عن الحركة أضاع هيبتها في الشارع الغزاوي، الذي لم يستطع استيعاب كيف يتحوّل حمد بن جاسم بن جبر بقدرة قادر من مدير لأكبر مكتب للتطبيع مع العدو «الإسرائيلي» إلى مقاوم في نظر خالد مشعل، وكذلك رجب طيب أردوغان، ويرفعان إلى مراتب القداسة فيما ينهال مشعل الحركة ومن يدور في فلكه بسيل اتهامات للرئيس السوري بشار الأسد، فأدار الشعب ظهره للحركة وفقدت السيطرة الفكرية والمادية على الشارع لتنمو تيارات متطرفة لا تقلّ ارتباطاً بالمشروع التركي ـ القطري من ارتباط حماس، ولتضع القضية على رف النسيان والإهمال.

نجحت أنقرة والدوحة في ترويض الحركة التي لطالما رفعت راية المقاومة ومواجهة العدو «الإسرائيلي» كبوصلة وحيدة، وبات نمورها في يومهم العاشر مهرّجين في سيرك «الإخوان»، ومصفّقين لخطابات فارغة لا يفهمون منها شيئاً كخطابات الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بحق سورية وإيران وكلّ ما هو لا «إخواني»، وتحول هم المقاومة لهم البقاء على قيد الحياة، وبات ظهور ساسة الحركة في المحافل من المحيط إلى الخليج يقتصر على التهليل لإنجازات قطر وتركيا والسعودية في بعض الأحيان والنيل من سورية، مع بضعة تلميحات باهتة للمقاومة الفلسطينية لجذب المزيد من التصفيق لأصحاب قرار الحركة ليس إلا.

حماس بانتظار من يخرجها من خيمة سيرك السلطان وإعادة إحياء مشروعها المقاوم قبل أن يتحوّل القطاع إمارة «داعشية» بمباركة «إسرائيلية»!

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى