«داعش» في فلسطين مَن المستهدف؟

جمال العفلق

ليست عملية عابرة ولا مجرد صدفة أن تنفذ عملية تفجير تطاول خمس سيارات تابعة لقيادات في حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وبعيداً من دور حماس في الحرب على سورية وتصريحات قادتها من الدوحة وأنقره، فهذه العمليات والتي سبقها نشر شريط فيديو يكفر الحركة ويتوعدها بسبب ما قيل إنه عملية تضييق على أنصار تنظيم داعش في القطاع المحتل. وعلى رغم وجود أعلام داعش مرسومة على جدران قرب أماكن التفجير، إلا أن بيان حماس تحدث عن أيد آثمة ولم يتحدث عن داعش. فالأجهزة الأمنية للحركة والتي تتحكم بالوضع الأمني لسكان القطاع على ما يبدو لا تملك معلومات دقيقة عن الذين نفذوا هذه العملية ربما لأنها منشغلة بأشياء أخرى أو لأنها لم تتوقع أن تنفذ مثل هذه العمليات في مربعها الأمني، خصوصاً أن داعش ليس لديه في فلسطين المحتلة ما يعنيه.

ومن يتابع جرائم داعش في سورية والعراق وفي ما بعد في ليبيا، يستطيع ببساطة أن يعرف المدرسة التي ينتمي إليها هذا التنظيم، وهي مدرسة الصهيونية التي تجسّدت على أرض فلسطين بعصابات مثل الهاغانا والبالماخ والأرجون، فسياسة الترويع والقتل والخطف وحرق الأحياء هي الصفة المشتركة بين هذه التنظيمات، ولكن يبقى الفرق أن تلك العصابات الصهيونية كان هدفها معلناً ومعروفاً، أما داعش فالواضح أنه اتخذ الهدف الإجرامي وليس له هدف آخر، لهذا كان الربط بين التنظيم الإرهابي وتلك العصابات ربطاً منطقياً وطبيعياً إذا ما علمنا مصادر التمويل وأماكن التدريب ومن يقدّم التسهيلات لهذا التنظيم.

ولن تكون مفاجأة لنا إذا وجدنا أنّ أحد المخططين لتلك العملية التي استهدفت السيارات الخمس هو فلسطيني شارك في الحرب على سورية، وكان ضمن الذين قتلوا الشعب السوري وتدرّب في سورية والعراق على يد تنظيم «داعش»، ولن تكون مفاجأة أن يكون المنفذ قد عَبَر الحدود من فلسطين إلى مصر فتركيا، وعاد من الطريق نفسها وعبر الدول نفسها وبالتسهيلات نفسها التي دفعته للجهاد في سورية.

قد لا يعجب الكثيرين وأنا منهم الدور الفلسطيني تجاه الحرب على سورية، ولكننا في النهاية لا نحتمل أن نرى الشعب الفلسطيني يذبح من جديد على يد «داعش» وأن تُنفّذ المجازر كما في أربعينات القرن الماضي ولكن هذه المرة على يد عصابة داعش.

فما الذي يريده داعش من فلسطين المحتلة وشعبها؟

بالتأكيد الإجابة ليست معقدة ولكنها ليست بسيطة، فالتنظيم المزعوم يدعي أنه يرفع راية ما يسمى دولة الخلافة، وهذا بحد ذاته هو اليوم شيء مخالف لخط سير العالم بأسره، وما قدمه هذا الإرهاب لا يقدم لتأسيس دولة ولا لنشر فكر غير القتل والخراب، وقد تكون هذه العملية بسيطة خصوصاً أن الاهداف مادية، ولكنها بالواقع تدل على وجود التنظيم واتخاذه موقع الهجوم بانتظار الساعة الصفر والتي أعتقد أن الموساد من يملكها ويحددها. فما يريده مرتزقة الإرهاب اليوم من فلسطين وشعبها لا يختلف عن الذي يريده من سورية والعراق، فالنهج واحد قتل الناس وتكفيرهم وتهجيرهم وأخذ السبايا وضرب مقومات الدوله المدنية واستعباد من يبقى في أرضه ليكون وقود عمليات الترهيب التي ينتهجها التنظيم.

ولكن الأكيد بالإجابة أن الهدف ليس محاربة الكيان الصهيوني ولا المساس بأمنه. وهذا يؤكد دور «إسرائيل» والولايات المتحدة في صناعة المنظمات الإرهابية ويؤكد الدور المخابراتي في كل العمليات التي ينفذها هذا التنظيم وأهدافها. فما تريده «إسرائيل» أن يقتل سكان المنطقة بعضهم بعضاً وأن تستمر هذه العمليات الإرهابية ليبقى النزيف البشري والاقتصادي في المنطقة، وبعيداً من حرب مباشرة تشارك هي فيها وتكبدها خسائر، فالواضح أن تجربة عدوان تموز 2006 على لبنان دفعت بصانع القرار الصهيوني بهذا الاتجاه، فإنشاء تنظيمات مثل داعش والنصرة وجيش الاسلام وقريباً سيولد «خرسان» يثبت أن ما يحدث في بلاد الشام وشمال افريقيا هو معركة كبرى تخوضها الحركة الصهيونية وبدعم المال العربي الذي لم يتوقف عن تغذية هذه الجماعات وبتسهيلات من دول عربية وإسلامية مثل تركيا وقطر والسعودية والأردن، وهذا الأخير بدأ يستشعر الخطر بتقاطع معلومات تنذر بعمليات إرهابية تشبه ما يحدث في بغداد ودمشق وليبيا، ولسنا بصدد تبادل الاتهامات أو تخوين الناس، ولكن الواضح أننا اليوم في المنطقة ننتمي لواحد من اثنين، إما داعمي إرهاب وهذا حال بعض الدول وبعض السياسيين والأحزاب السياسية وإما مقاومة وهذا يتمثل بالمدافعين عن الإنسان في المنطقة والواقفين خلف الجيش السوري والمقاومة والحشد الشعبي في العراق. وهذا التقسيم فرض نفسه فلا يمكن اليوم تبرير أي عمل إرهابي يطاول شعباً عربياً أو غير عربي بحجة الاختلاف السياسي مع قياده هنا أو حكومة هناك.

فما تعانيه القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة نتيجة سياسة التدليس والتلاعب بالمواقف واللعب على حبل سياسة التظليل والكذب التي اتبعها بعض القوى الغارقة بفساد المال العربي، لا ينقصها داعش الذي أعتقد انه إذا تمكن من العبث بأمن الشعب الفلسطيني فإن هذا الشعب سيعاني من سنوات أخرى عجاف لا تقل ألماً عن العقود السابقة والتي أدار فيها الكيان الصهيوني حرب الابادة والتنكيل وكسر العظم.

ويبقى الأمل في شعوب المنطقة بأن تنتفض على الإرهاب وتدعم قوى المقاومة التي ما زالت تعطل مشروع الدم الصهيوني في المنطقة وتحقق انتصارات تحسب لها على على رغم التعتيم الإعلامي وتجاهل المجتمع الدولي لهذه الحرب التي تخوضها هذه القوى بالنيابة عن العالم بأسره.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى