خسائر تكتيكية… ومكاسب استراتيجية

د.نسيب أبوضرغم

إن المراقب لتطورات وتداعيات «الربيع العربي»، يتولد لديه سؤال بل تساؤل، حول كيف تبتلع الدول المساندة للإرهاب التكفيري ضربات هذا الإرهاب لها، من دون أن تبادر فعلياً إلى الحرب عليه.

والسؤال يقع في سياق فهم طبيعة العلاقة القائمة بين المثلث المولّد والداعم والممول للإرهاب التكفيري داعش والنصرة وسواهما .

المثلث الذي تقع رأسه في أميركا الشمالية وكندا والولايات المتحدة الأميركية، وقاعدته تمتد من أوروبا حتى أستراليا وما بينهما من عربان التآمر والتبعية، وبين هذه الموجة التكفيرية التي فاقت بوحشيتها ما ذكرته كتب التاريخ عن هولاكو وتيمورلنك واتيلا وكل طغاة التاريخ، بل أكثر، فقد تفوقت على كل هذه الموجات بخطورة النتائج الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المترتبة عليها، ذلك أن تلك الموجات السابقة، على رغم وحشيتها فإنها لم تصل إلى حد تهديد الحياة نفسها، كما تستهدف اليوم موجات التكفير الداعشي والنصروي وما يشبهها.

لقد قام الإرهاب التكفيري بالضرب في جغرافية المثلث المشار إليه. في فرنسا وفي السعودية وفي مصر وفي تونس، وهو يهدد بالضرب في أصقاع هذه الجغرافية كافة.

السؤال بل التساؤل، لماذا لم يحزم هذا المثلث أمره جدياً وبدأ حربه الفعلية على هؤلاء، بل بالعكس تراه يواصل خطابه المعادي للدول التي تقاتل هذا الإرهاب، وبخاصة الدول السورية، ومن جهة ثانية تراه يحمي هؤلاء ويوجههم ويمنع وصول السلاح الفعال للدول التي تقاتله كما يفعل في العراق، على رغم أن العراق قد سدد ثمن سلاحه منذ سنوات للأميركيين؟

الإجابة على هذا السؤال، هو في فهم طبيعة دور الدول الحاضنة للإرهاب، الدور الهادف إلى مد الإرهاب التكفيري بكل أسباب الاستمرار والتفوق العسكري ليقوم بدوره المطلوب منه والقائم على النقاط التالية:

أولاً: تفجير السلام الأهلي في المجتمعات المستهدفة. ثانياً: تمزيق الوحدة الاجتماعية، وتحويل المجتمع الواحد إلى نُتف طوائفية ومذهبية واثنية وعرقية متقاتلة متذابحة غارقة في دمها إلى الأبد.

ثالثاً: تدمير الدولة وتدمير الجيوش وجعل المجتمع والدولة والجغرافيا عرضة للاجتياح والزوال.

رابعاً: مسح الذاكرة التاريخية لهذه المجتمعات، حتى تصبح مكونات بشرية هجينة فاقدةً لوعيها التاريخي، وهذا يفتح الطريق أمام اليهود لينسبوا لأنفسهم ما هو لنا، ويتم تبادل المواقع، فنصبح نحن شذاذ آفاق لا لون لنا ولا طعم ولا تاريخ ولا هوية ولا أرض، ويصبحون هم كل التاريخ وكل الهوية وكل الحضارة ولهم كل الأرض، وكل ذلك بفضل ما يفعله هؤلاء التكفيريون.

خامساً: وقوع ثرواتنا القومية في برنا وبحرنا وموقعنا، تحت قبضة اليهود، الذين سيضعون أيديهم على هذه الثروات بسهولة بعد أن يكون أصحابها قد انهاروا تحت وطأة الإرهاب التكفيري.

سادساً: تشكيل «المدى الحيوي» «لإسرائيل» والممتد بنظرها من رأس طنجة على الأطلسي حتى الباكستان، وفق تصورها، وبما يخدم مصالحها، وذلك بتفكيك كل المجتمعات الواقعة في هذا «المدى الحيوي» إلى إمارات ومشيخات ودويلات قائمة على القاعدة المذهبية والطائفية والإثنية والعرقية، ولكنها كلها، مجرد أدوات ذليلة بأيدي اليهود.

سابعاً: تأمين الشروط المثالية لمواجهة عمالقة جدد أخذوا يشقون طريقهم للوقوف بوجه التحالف الصهيو-أميركي، روسيا- الصين… . تأمين هذه الشروط بطرد نفوذ هؤلاء العمالقة من آسيا وأفريقيا والبحر المتوسط، وبالتالي حرمانهم من موارد هائلة للطاقة وأنواع الثروة كافة، إضافة إلى ما يشكله البحر الأبيض المتوسط من معطى استراتيجي هائل في مواجهة التحالف الصهيو-أميركي.

ثامناً: تشويه الإسلام، وتقديمه إلى الغرب كنموذج متوحش معادٍ للغرب وحضارته وبالتالي، يكون هؤلاء التكفيريون قد ساهموا في تحقيق التصور اليهودي للعالم والقائم على عالم مسيحي في الغرب وعالم إسلامي في الشرق واليهود ما بينهما، يلعبون لعبة تغذية الحروب الدائمة بين الاثنين حتى يتم تدمير الحضارة المسيحية، والحضارة الإسلامية، والحضارات القومية التاريخية كافة، السابقة والمصاحبة لهاتين الرسالتين السماويتين، ويتحقق لليهود حلمهم في حكم العالم من «أورشليم»، إزاء هذه المكاسب الاستراتيجية، لا يهم الغرب كثيراً أن يلحق به هؤلاء التكفيريون بعض الأضرار التي تقع في خانة التكتيكات البسيطة.

فطالما أن المعادلة الإرهابية تعمل بشكل مطابق للأجندة الصهيو-أميركية، وهي لا تتوانى عن عملية التخريب المطلوبة، وبالتالي تحقق للتحالف الصهيو-أميركي المكاسب الاستراتيجية التي أشرنا إليها.

إن خسائر تكتيكية تقع ضمن جغرافية المثلث الداعم والحاضن والموجه، تبقى خسائر تحت السيطرة، وبالتالي فإن الوقت هو لمصلحة المتآمرين من يهود وحلفائهم، لمصلة الصهيونيات الثلاث المتحالفة والتي تشكل هذا الحلف المعادي الذي بدأ حربه الأخيرة علينا منذ ما يقارب الخمس سنوات. الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية والصهيونية العربية. من خلال ذلك ندرك معنى صمود دمشق ومحور المقاومة، الصمود الذي سيسقط هذا المشروع الاستراتيجي الذي يجهد المثلث المعادي لتحقيقه. وبالتالي ندرك لماذا كل هذا الاحتشاد الدولي، احتشاد الصهيونيات الثلاث لإسقاط سورية، أرضاً واحدة وشعباً واحداً ودولة واحدة. لن يتحرك الغرب الواقع تحت ضربات الإرهاب الصهيو-عربي باتجاه محاربة هذا الإرهاب إلا بحالة من اثنين:

الأولى: تحول الخسائر الناتجة من هذا الإرهاب على الغرب إلى خسائر استراتيجية.

الثانية: عندما يتحقق نصرنا النهائي على الإرهاب على رغم دعم التحالف الصهيو-أميركي. وإننا بالتأكيد نسير باتجاه تحقيق الحالة الثانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى