اليسار بين أوروبا وأميركا اللاتينية
عامر نعيم الياس
ضرب آلِكسيس تسيبراس أسطورة اليسار الراديكالي في أوروبا عرض الحائط، فإسقاط الحالة اليسارية اللاتينية على أوروبا أثبت خطأه، فالثورات الشعبية التي مرّت بها أميركا اللاتينية ونمط السلطة التي كانت قائمة والمرتبطة بالغرب، وتغيير أسلوب الحكم وهوية الدولة تحت قيادة الأحزاب اليسارية في أميركا الجنوبية، جعل من صفة «الشعبوية» حكراً على هذه القارة دون غيرها. فيما أثبت تسيبراس مأزق النخب الغربية المرتهنة لنتائج الحرب العالمية الثانية، وعدم قدرتها في الوقت الحالي على إحداث التغيير المرجوّ. وهذا ينطبق بطبيعة الحال على نماذج مرتقبة في أوروبا كإسبانيا وحزب «بوديموس» على سبيل المثال. فقد أقرَّ البرلمان اليوناني الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول خطة التقشف الجديدة. مع أن الشعب اليوناني رفض بغالبية تتجاوز الستين في المئة هذه الخطة، ضرب تسيبراس عرض الحائط آراء الشعب وتوجهه واعتمد على الغالبية البرلمانية، لكن هل الائتلاف الحاكم لحزب سيريزا في طريقه إلى الانهيار بعد التناقض الذي أبداه تسيبراس؟
بدأت القصة مع وزير المالية يانيس فاروفاكيس الذي وصف الاتفاق الجديد بأنه «معاهدة فرساي الجديدة»، واستمر مع إقالة تسيبراس ثلاثة وزراء من حزبه رفضوا التصويت في البرلمان على الخطة، وتمردوا على التوجّه الرسمي لحزب سيريزا، وهم وزير الطاقة والبنية التحتية، باناجيوتيس لافازانيس، ووزير العمل ديميتريس ستراتوليس، ووزير الدفاع كوستاس إيزيكوس. كما أقال اثنين من نواب الوزراء وهما، نائب وزير الخارجية نيكوس هونديس، ونائب وزير المالية نادية فالافاني، التي وصفت الاتفاق بأنه «ليس فقط لا يتوافق مع الأفكار الرئيسية لليسار ولكنه وقبل أي شيء لا يلبي طموح العمال».
يواجه حزب سيريزا مصاعب جمة تهدد بإبعاد تسيبراس عن السلطة في أول مطب لحكومته في ما يخص خطة التقشف الألمانية التي قال عنها جوزف ستيغليتز الاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة نوبل والرئيس السابق للبنك الدولي وكبير اقتصاديي الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بأنها «سيئة للغاية فكيف يمكن أن تطالب ألمانيا التي لا تملك الرحمة وليس لديها حس اقتصادي دولةً كاليونان بالوصول إلى فائض في الموازنة». هذا فضلاً عن اليمين اليوناني التقليدي والذي يملك كتلةً شعبية تبلغ الأربعين في المئة لا تزال تؤيد خطط التقشف الأوروبية وتدعو اليونان إلى الالتزام بها ورفض الخروج من الاتحاد الأوروبي.
على المقلب الآخر، هناك حزب «يونانيون مستقلون» المتحالف مع حزب سيريزا والذي لا يؤيد هو الآخر سياسات التقشف الأوروبية، من دون أن نغفل العامل الألماني الضاغط على الحكومة اليونانية الحالية والذي يساهم بشكل غير مباشر في تعريتها أمام رأيها العام، إذ لا يزال وزير الاقتصاد الألماني الذي لوّح بالاستقالة من حكومة المستشارة آنجيلا ميركل إن لم تتقيد اليونان بالمطالب الألمانية، يطرح خيار «الخروج الموقت لليونان من منطقة اليورو».
لكن، وبغض النظر عن مستقبل حكومة تسيبراس، الذي لا يبدو مبشراً في ضوء تخلي رئيس الحكومة الشاب عن مؤسسي تحالفه الحكومي عند أول مطب بتعلق ببرنامج عمل الحكومة اليونانية. فإنه يمكن الإشارة إلى استنتاجين رئيسيين:
ـ ألمانيا هي السيد الأوحد للاتحاد الأوروبي والتي تملك زمام المبادرة في غالبية المؤسسات البيروقراطية التابعة للاتحاد، وقدرتها على فرض أجندتها تبعد إلى حدٍّ كبير أي أملٍ بحدوث تغيير في شكل القيادة الأوروبية المتمثلة بالاتحاد الأوروبي.
ـ اليسار الأوروبي الراديكالي تلقى صفعةً من تسيبراس ستدفع الناخبين في باقي الدول الأوروبية إلى التفكير مرتين قبل أي رهان مجدداُ على تغيير ما من شأن الأحزاب الفتية أن تحدثه على حساب الأحزاب الكلاسيكية في أوروبا.
كاتب ومترجم سوري