تهديد 14 آذار برئيس بدون الثلثين؟
ناصر قنديل
– فجأة يصرّح مصدر في فريق الرابع عشر من آذار، أنّ على قوى الثامن من آذار الحذر من خطورة مجاراة العماد ميشال عون بالدعوة إلى استباق إجراء الانتخابات الرئاسية بإجراء انتخابات نيابية، لافتة إلى أنّ «أيّ تحرّك في هذا الإطار يهدّد النظام اللبناني ككلّ، ونحن لن نخضع له احتراماً لدستورنا ورفضاً لمنطق الفرض الذي ينتهجه الفريق الخصم كلما وقع في ورطة». والكلام مختلف بالنبرة والنتيجة عن أيّ تنبيه حواري يريد إيضاح مخاطر ما يراه سبباً للانقسام داعياً إلى تفاديه، ومؤكداً على أهمية الحوار والتفاهم وصولاً إلى التأكيد على أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
– تعلم قوى الرابع عشر من آذار أنّ دعوة العماد عون لم تتحوّل خطاباً رسمياً لقوى الثامن من آذار التي لا يزال قادتها بمن فيهم قادة حزب الله الحليف الأول لعون يؤكدون أنّ الأولوية عندهم لا تزال لانتخاب رئيس للجمهورية، ويدعون إلى التفاهم مع عون على هذا الأساس، فلماذا تبحث قوى الرابع عشر من آذار عن خصم وهمي، وفرضية وهمية، على الأقلّ حتى الآن، فتحذر من أنّ «تحركاً كهذا يهدّد النظام اللبناني ككلّ ونحن لن نخضع له احتراماً لدستورنا ورفضاً لمنطق الفرض الذي ينتهجه الفريق الآخر كلما وقع في ورطة»؟
– تريد قوى الرابع عشر من آذار الاستفزاز، ودفع الأمور للتصعيد حول حرب دونكيشوتية اسمها سير قوى الثامن من آذار برفض الانتخابات الرئاسية واشتراط استباقها بانتخابات نيابية، وهي تعلم أنّ ذلك لم يخرج على لسان أيّ من قوى الثامن من آذار على رغم تبشير العماد عون به مراراً، وتعلم أنّ العماد عون قاله ضمن مبادرته الشهيرة التي تتضمّن اعتماد استطلاع رأي للجمهور ملزم للمجلس النيابي بتحديد مرشحين اثنين من المسيحيين يتنافسان أمام البرلمان قبل بها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أحد قادة قوى الرابع عشر من آذار، وتتضمّن المبادرة في حال بقاء التعقيد الرئاسي قائماً مخرجاً أحادياً هو الذهاب إلى الانتخابات النيابية، وعلى رغم تصاعد تبنّي العماد عون لأطروحته ليضيف إلى أسبابها الموجبة، قوله إنّ المجلس النيابي غير مؤهّل بسبب التمديد لنفسه، وأنه غير شرعي لأنه منتخب أصلاً وفقاً لقانون انتخابات لا يضمن التمثيل الصحيح، لكن كلّ ذلك لا يلغي أنّ منطلق عون كان ولا يزال الانطلاق من فرضية مواصلة الفراغ الناجم برأيه ورأي حلفائه عن وجود فيتو سعودي تلتزمه قوى الرابع عشر من آذار يحول دون وصوله إلى الرئاسة، على رغم التسليم بكونه الشخصية التي تحوز التمثيلين النيابي والشعبي للمسيحيين، الذين يفترض أن يخرج من بينهم رئيس الجمهورية.
– معادلة قوى الرابع عشر من آذار بـ«لن نخضع» تعني أولاً القول إنّ الفيتو على وصول العماد عون إلى الرئاسة مستمرّ، وإلا لا مبرّر للردّ لأنه في حال القبول بانتخاب عون رئيساً، لا يبقى مبرّر لما قاله عون انطلاقاً من العجز عن انتخاب رئيس، وبالتحديد الفيتو لمنع انتخابه، ومعادلة «لن نخضع» تعني ثانياً أنّ الفراغ سيستمرّ طويلاً، وتعني ثالثاً أنه مثلما فكر عون بمعادلة ردّ على الفيتو ومحاربة وصوله بالفراغ، فابتدع معادلة الانتخابات النيابية أولاً، على قوى الرابع عشر من آذار أن تبتدع معادلتها.
– تعرف قوى الرابع عشر من آذار أنّ الطريق الوحيد الذي يبدو سالكاً لمبادرة عون هو التوافق عليها، وهذا لا يعني تهديداً للنظام الدستوري، ولا يستدعي التهديد، فعدم القبول يكفي لمنع السير بالخيار، ومن دون التوافق الجامع لا يبدو الطريق سالكاً بسهولة لمبادرة عون، حتى عندما تقبلها وتتبناها قوى الثامن من آذار التي يجري تحذيرها، فالانتخابات النيابية تحتاج قانوناً جديداً يحتاج بدوره إلى انعقاد المجلس النيابي والتصويت بالغالبية على القانون، وفي حسابات صناعة الغالبية لا تزال أصوات كتلة النائب وليد جنبلاط هي عامل الترجيح، وكلّ تصويت على قانون لا يراعي مصالح جنبلاط الانتخابية ولا ينطلق من التفاهم معه سيفشل بنيل الغالبية، وعندما يجري ضمان تصويت جنبلاط مع قانون انتخابي فلن يكون بالتأكيد القانون الذي يرغبه عون لمنح المسيحيين فرصة اختيار نوابهم، لأنّ ذلك أولاً وأخيراً على حساب الذين يشغلون المراكز المسيحية في البرلمان في كتل غير مسيحية وبأصوات غير مسيحية، وفي طليعة هؤلاء جنبلاط، وإنْ تقدّم عون بصيغة لقانون ترضي جنبلاط انتخابياً وأقام معه تحالفاً يضمن تصويته لمصلحة القانون الجديد، فذلك يعني ضمناً القدرة على صناعة صفقة مع جنبلاط الذي يعلم أن عون لن يسير بقانون انتخاب لا يحقق له الغالبية الضامنة لوصوله إلى الرئاسة، وإلا ما قيمة المبادرة كلها والحديث عن قدرتها على اختراق الجمود وإنهاء الفراغ وصناعة غالبية جديدة عنوانها تمثيل مسيحي صحيح، وفي هذه الحالة سيكون الأسهل والأفضل طالما تتضمّن الصفقة رئاسة جمهورية وانتخابات نيابية وقانون انتخاب جديد أن يبدأ تطبيقها بانتخاب الرئيس، فينزل عون إلى البرلمان ويصوّت له جنبلاط، وعندها لن تستطيع قوى الرابع عشر من آذار أيّ تعطيل، وهي تصرخ ليل نهار داعية إلى تأمين النصاب مهما كانت النتيجة الانتخابية للرئيس، ومهما كان اسم الرئيس، وسيكون لمن ضمن الغالبية النيابية فرصة مضمونة للفوز بالرئاسة.
– تحذير قوى الرابع عشر من آذار يعني أن لا فرضية عندها لوجود صفقة عونية ـ جنبلاطية، لأنّ وجود الصفقة يسقط التحذير ويسلك الطرق الدستورية التي يدّعي التحذير حمايتها، فيصير للتحذير مبرّر واحد هو رفع منسوب التحدّي مع الطرح العوني الذي لا يملك آلية للتنفيذ، لوضعه في الواجهة، والتمهيد بالاستناد إليه لطرح آلية بديلة تقول طالما هناك فراغ واستحالة للانتخاب في الظروف الراهنة فإنّ علينا الاختيار بين طرحين، واحد هو إجراء انتخابات نيابية أولاً، والثاني هو انتخاب الرئيس خارج نصاب ثلثي مجلس النواب، وهو المشروع الذي خرج يبشر به مجدّداً نواب الرابع عشر من آذار من بكركي قبل مدة وجيزة واستدعى رداً قاسياً من رئيس مجلس النواب.
– حدث هذا ضمن سيناريو حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من قبل، وتبدو مؤشرات الهرولة متسارعة نحو استعادة نموذجها، بالتصعيد السياسي والإعلامي وملاقاة استحقاقات التعيينات الأمنية والعسكرية تباعاً بالتمديد وصولاً لقائد الجيش، أملاً بدفع عون إلى ترجمة تهديده فينفجر الشارع وتنفجر الحكومة ويذهب لبنان إلى الانقسام الكبير، وفي مخيلة قوى الرابع عشر من آذار دوحة جديدة تمنح عون قانون الانتخاب، وتوصل مرشحاً وسطياً هو قائد الجيش إلى الرئاسة مجدداً.
– ماذا يمكن أن تفعل قوى الثامن من آذار؟ وهل هي في ورطة كما يقول التحذير؟ وهل يشكل العماد عون بالنسبة إلى المقاومة ما يعادل أو يزيد على شبكة الاتصالات التي استهدفتها حكومة السنيورة، فيكون تصعيد قوى الرابع عشر من آذار مدخلاً للانفجار؟