العلاقة الإيرانية ـ المصرية… مرحلة ما بعد الاتفاق النووي الإيراني
القاهرة ـ فارس رياض الجيرودي
جاءت الأنباء عن توصل إيران مع دول 5+1 لاتفاق حول برنامجها النووي لتعيد إحياء النقاش الذي تتداوله النخب السياسية والإعلامية في القاهرة منذ ثورة 25 يناير حول ضرورة الانفتاح المصري على إيران الطرف الاقليمي الذي أصبح من الصعب تجاهله بعد حصوله على اعتراف الدول الكبرى في العالم بدوره ومكانته، ولا ينفصل الحديث عن ضرورة إعادة بناء هيكل العلاقات الدولية المصرية اقليمياً ودولياً عن تحديات تركة الخراب الثقيلة التي ورثها نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي عن الأنظمة المتلاحقة التي سبقته منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، تلك التركة التي تمثل الحرب الشرسة بمواجهة الإرهاب في سيناء المصرية جزءاً آخر منها، فيما يمثل التحدي الاقتصادي والوضع المعاشي لعشرات الملايين من المصريين الجزء الأكثر ضغطاً فيها على صانع القرار المصري.
لقد حول الفراغ العسكري والأمني في سيناء – والذي نتج من تطبيق بنود كامب ديفيد بخصوص الانتشار العسكري المصري فيها – شبه الجزيرة المصرية إلى بؤرة للجماعات الإرهابية المتطرفة التي تدير اليوم حرباً حقيقية يشيع ضحاياها من مجندي وضباط الجيش المصري يومياً في المدن والنجوع والأرياف المصرية على امتداد الجمهورية، فيما امتد لهيب تلك المواجهة أكثر من مرة ليلفح وجه العاصمة نفسها ويضرب في أكثر من مكان فيها، وكان آخر ذلك تفجير السفارة الإيطالية وسط القاهرة، وقبلها عملية اغتيال النائب العام المصري والتي جاءت كرد على أحكام الإعدام التي أصدرها القضاء المصري بحق قادة جماعة الإخوان المسلمين.
وينظر الخبراء الأمنيون المصريون إلى ليبيا باعتبارها الخزان الأهم الذي يجري من خلاله إمداد الجماعات الإرهابية على الأرض المصرية بالسلاح، حيث تشكل الكميات الصخمة من السلاح الفردي والمتوسط التي خلفها نظام القذافي خزاناً لا ينضب بالنسبة للجماعات الإرهابية المسيطرة اليوم على الأرض الليبية، والتي تستخدم كما يرى هؤلاء الخبراء من قبل عدوي مصر الاقليميين تركيا وقطر لزعزعة الاستقرار المصري، وبهدف إفشال محاولات النهوض الاقتصادي التي تعمل عليها القيادة المصرية وتضعها في قمة أولوياتها، ويتحدث العسكريون والأمنيون السابقون المصريون بمرارة عن خذلان حلفاء مصر الخليجيين لها عندما دعت لتشكيل حلف لمحاربة الإرهاب في ليبيا، العميد والخبير الأمني خالد عكاشة رأى أن مصر دفعت في ليبيا ثمن تمايزها عن السعودية في ما يخص الموقف من الأزمة السورية، كما أنها تدفع ثمن ارتهان الدول الخليجية للقرار الاميركي الذي ما زال يقف عقبة أمام تشكيل تحالف دولي لمواجهة الإرهاب في ذلك البلد.
لكن الحديث عن الخذلان السعودي لمصر لا يقتصر على قضية الملف الليبي، فالإعلاميون والعسكريون السابقون المصريون لا يخفون امتعاض مصر من انفتاح السعودية المعلن على كل من تركيا وجناحي جماعة الاخوان المسلمين في اليمن وفلسطين هذا إلى جانب انفتاحها السابق والمعلن على إخوان سورية، ويرى الكاتب في جريدة «الوطن» المصرية والمحلل السياسي نشأت الديهي أن قيام السعودية بتسليح وتمويل من تسميه بالمعارضة المعتدلة في سورية والمكونة أساساً من جناح الإخوان المسلمين السوري، يعد بقصد أو بغير قصد ضرباً للأمن القومي المصري، ويستشهد الديهي هنا بمقولة قديمة لمحمد علي باشا تنص على أن أمن مصر القومي يمتد من جبال الأناضول إلى بحيرات أوغندة، فإن ضرب سورية هو بالضرورة وبلا أدنى شك ضرب للأمن القومي المصري كما يقول الديهي.
لقد سبق ووردت في قنوات الإعلام المصري المحسوبة على القيادة المصرية إشارات عدة عن تلويح بالانفتاح على إيران كرد على سياسات الانفتاح السعودية على كل من تركيا والاخوان أشهرها، ما قاله الإعلامي المصري يوسف الحسيني، عندما وجه تهديداً مبطناً للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بأن مصر ستقيم علاقات مع ايران رداً على تقارب الرياض مع تركيا.
وقال الحسيني في برنامج «السادة المحترمون» على قناة «أون تي في» موجهاً كلامه للملك سلمان وللسعودية، «لستم أوصياء علينا في إقامة علاقات مع إيران وغيرها، لأننا لم نتكلم على علاقتكم بإيران فلكل مصالحة ونحن نبحث عن مصالحنا».
وأضاف في رسالة تمهد الرأي العام المصري والعربي لتقارب محتمل مع إيران، «قد تصحو صباحاً فتجد علاقتنا قوية بإيران وسيبك من حكاية التشيع والكلام الفارغ دا».
وأضاف الحسيني، «أنا حابب أوضح شيئاً مهماًَ، وهو إن كل دولة في الدنيا لها الحق في أن ترسم سياستها كيفما شاءت، وأقصد هنا المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، عندها علاقات مع تركيا وهي ترى أن الوضع الحالي سياسياً يحتم عليها مد جسور مع أنقرة».
وتابع: «طبعاً إحنا منقدرش نتكلم على علاقة السعودية بتركيا حتى لو علاقتنا إحنا سيئة بأنقرة، لأن السعودية حرة فيما تفعل وإحنا مش أوصياء عليها، لكن حابب أوضح أنه في نفس الوقت مفيش حد وصي علينا ودا أمر مهم جداً لازم نشير إليه».
وكرر الحسيني كلامه قائلاً، «بأكد تاني ماحدش وصي علينا وضع الكلمة بين قوسين لأن دا الوضع القائم!»، وأرفق الحسيني سخريته من مخاوف خطر التشيع الذي تروج له السعودية بسخرية من «عاصفة الحزم» التي وصفها بأنها مجرد فقاقيع لن تنتج شيئاً.
فهل يشكل الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+ 1 الفرصة المنتظرة أمام مصر لاختبار البدائل، أو على الأقل لتوسيع دائرة علاقاتها الاقليمية، خصوصاً في ظل التلاقي المصري الإيراني على ضرورة مواجهة الجماعات الإرهابية في كل من العراق وسورية وليبيا، وفي ظل ما يتوقع ان يتوافر لإيران من عائدات مالية ضخمة كنتيجة للاتفاق، يمكن أن تشكل بديلاً استثمارياً مهماً لمصر، يمكنها من تنويع مصادر الاستثمار الأجنبي فيها، والتي تقتصر اليوم على الاستثمارات الخليجية في شكل رئيسي.
من جهته، يرى المحلل السياسي نشأت البديهي أن التردد المصري في الانفتاح على إيران يعود أساساً للحرص المصري على مراعاة مخاوف الدول الخليجية، وأن هذا المبرر يزول اليوم في ظل رسائل التهنئة الرسمية التي وجهتها كل من الكويت والإمارات لطهران على إنجاز اتفاقها النووي مع الدول العظمى في العالم، وفي ظل المساهمة الدبلوماسية العمانية الفعالة في إنجاز هذا الاتفاق.