المعجزة… بين ا تفاق الإيراني والنفاق السعودي
لؤي خليل
شهدت المنطقة حروباً وتشهد خلال الأشهر الأخيرة ناراً لا ترحم ولا تقف عند جدران، بل تكاد تلتهم طاولات التفاوض التي يجالسها الكبار بحثاً عن حلول تجارها بائعي حروب العالم.
فلكل حرب نهاية، ولكل حل تفاوض يبدأ بوضع نقاط قوة وضعف، وفي النهاية الكل يربح على رغم خسارته، والكل يفاوض بلغة المنتصر إلا أن طريقة البحث السعودية في أوراق الخاسر والرابح تغرقنا في الضحك والبكاء، دولة إسلامية تفاوض دولاً لإيقاف دعمها للإرهاب أو لوضع حد للتفريخ الوهابي على أراضيها.
هذا ما يظهر إلى العلن ولكن وراء كل خبر حقيقة لا يعلمها إلا صناع الطاولات المستديرة من فيينا إلى موسكو وواشنطن، وهي حقائق لم تعد تخفى سياسياً بعد محادثات ربع الساعة الأخير والحرب النفسية بين واشنطن وحلفائها وبين واشنطن وطهران أيضاً.
فالمشهد الإيراني الدولي بات واضحاً كل يوم أكثر وإن أخذ أوقاتا أخرى تصارع الاتفاقات الكبرى لوضع حلول وبالخط العريض لأكبر مساحات من منطقتنا قد تلامس أطراف المنطقة الأفريقية حتى ليبيا، اتفاقات قد توسع مضيق هرمز وباب المندب لناقلات التجارة الغربية الإيرانية وشاحنات التسلح والنفط، كل هذا البعد لاتفاق يصنعه الأبطال في موسكو وطهران، وتسجله إيقاعات وفضاءات الانتصارات السورية المقاومة وتعرفه جيداً طهران بعناصره وحروفه بدقة الميدان، وتترجمه موسكو على المنابر بجمل وعبارات كبيرة يفهمها الغرب جيداً قبل أن تصل إلى مسامع العرب الخليجي، وبخاصة السعودية التي أدركت أخيراً أن قطارها قد فات استراتيجياً، وأن ما يبحث في الدقائق الأخيرة مصالح غربية بحتة تخص أمن اقتصادهم ودولهم وتجارتهم التي ستلامس مياه حدودهم مع إيران. هذا ربما أدركه الخليج متأخراً أو أنه لم يكن يدرك جدية الاتفاق الأميركي ـ الإيراني، وأوهم بوعود حليفه «الإسرائيلي» في تل أبيب، ضارباً بعرض الحائط جميع الأعراف السياسية وحتى المجتمعية في داخل شعوبه ووصلت به الصفاقة السياسية أن يقارع القطب الروسي مندفعاً بأوهام داعمه الفرنسي «الإسرائيلي»، وها هو السعودي يقف في أراضيه منتظراً أساطيل الوهم التي وعدت بدعمه في حربه.
كل ما تقدم إشارات ودلالات بالغة الدقة عن الأسباب التي دفعت الخليج والسعودية خصوصاً محرجة إلى أن تساوم أن تفاوض على أبنائها التي غررت بهم بحقد وهابي في مستنقعات شاشاتها وتكفيرها ومقاعد دراستهم في شعبة المخابرات الصهيوـسعودية.
كل هذا الاندماج والتحليل السياسي والعسكري يكاد يتجاوز أبعاد تخصيب الاتفاق الإيراني الذي يصنع في فيينا وموسكو أكثر الرابحين وأكثر الضامنين لكل الأطراف، ولكن الخطوط العامة لهذه الحلول ترسم في الحرب الشرسة التي تخوضها الدولة السورية وجيشها والمقاومة، هذه المهمة التاريخية هي أولاً وأخيراً التي دفعت بالسعودي إلى البحث لاهثاً عن قناعة روسية تارة بحجة الاتفاقات الاقتصادية، وتارة بحجة إيجاد الحلول لحرب بدأت تنهش الجسد الخليجي إرهابياً.
والهدف الاستراتيجي الروسي الذي أصبح مدركاً خروج كل هذه المنظمات الإرهابية عن سلطة أمرها الصهيوخليجي وتحولها إلى خطر يهدد داعميها، والتورط السعودي في اليمن إلى حرب طويلة لا تعرف حدودها.
هذا كله دفع بالسعودية بعد كل هذه الاعتبارات السياسية والاستراتيجية إلى البحث عن مظلة روسية تحميها من إيران، نعم فالسعودي يبحث عن حامية دولية من القوة الإيرانية المتنامية خصوصاً بعد أخطاء ساسته الموجهة ضد الدولة الإسلامية في إيران وشعبها وحلف المقاومة، فهو نفاق تفاوض لا بل مساومة على كل شيء بحجة وقف الدعم للإرهاب والبحث عن حلول للأزمات التي سيخرج الجميع بفضل انتصارات المقاومة رابحاً فيها على رغم التضحيات، وحتى الغرب الضامن لتحالفاته ومصالحه، هو ينفاق ويسابق الاتفاق بحثاً عن مخرج روسي يصنع ما يسمى المعجزة التي تصنع أولاً بأيدٍ وهمم أبطال الحلف المقاوم، والرياض تدرك أنها لا تستطيع أن تفاوض بشيء سوى إيقاف ذراعها الإعلامي والمخابراتي.
كل هذا بانتظار لحظة الشغف الغربي الأميركي باتجاه طهران ومصالحها، ما يجعلها تنافق باستباق المظلة الروسية بضمانات توقف الضخ في الأزمة السورية، وحلول تخمد النار اليمنية، وأكثر من ذلك لن تقدم أو لن تستطيع سوى انتظار سفن الرحيل لقادتها.
لأنهم يدركون جيداً أن ما يرسم في محيطات القرار وما يصنعه قادة المخابرات في الغرب سيرميهم ويحرقهم بنيران إرهابهم قبل أن يرتد إلى الغرب.
والسلطان العثماني المغرور سيجد نفسه مضطراً لأن يتسابق إلى الكرملين ليواجه ملفات الحقائق السورية التي نقلها مسؤول أمني كبير إلى موسكو وهي التي خرجت بالتصريح الأميركي الموجه إلى أنقرة أوقفوا شاحنات إرهابكم.
هذه الزيارات والحقائق والصمود السوري والمقاوم هي التي تسابق الاتفاق على النفاق الذي تلهث له دول المساومة بحثاً عن مظلة روسية تحميها من حقائب المعجزة السورية.