هل انتهت الهدنة بين أنقرة والأكراد؟

حميدي العبدالله

أعلن «اتحاد الجماعات الكردية» وهو جماعة سياسية ينضوي تحت لوائها مقاتلون أكراد تابعون لحزب العمال الكردستاني، بأنه لم يعد يلتزم بالهدنة التي تمّ التوصل إليها عام 2013، وهدّد بشنّ هجمات اعتباراً من الآن الأسبوع الماضي ليس فقط ضدّ الجيش التركي، بل ضدّ السدود التي تنشئها تركيا في المنطقة الجنوبية الشرقية حيث الغالبية الكردية.

واضح أنّ تهديدات الأكراد التي لم تتحوّل بعد إلى مواجهة مسلحة فعلية تأتي بمثابة تحذير لحزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الحركة القومية الذي يشترط للمشاركة في الحكومة إنهاء عملية السلام مع الأكراد.

وبمعزل عما إذا كان هذا التحذير يصبّ في خانة تبرير رغبة أردوغان وحزب العدالة والتنمية بالهروب إلى انتخابات مبكرة بذريعة الحفاظ على الهدوء والاستقرار في تركيا وتجنّب مواجهة مسلحة مع الأكراد، أو وضع حزب العدالة في مأزق الاختيار بين مسارات صعبة لا تصبّ في مصلحته، بمعزل عن كلّ ذلك، فإنّ اندلاع حرب جديدة بين الأكراد وتركيا ستكون هذه المرة مختلفة بطبيعتها وتداعياتها عن الحرب السابقة المستمرة منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي. هذه المرة يمتلك الأكراد من الناحية السياسية والشعبية تأييداً كبيراً في صفوف أكراد تركيا، الذين بات حزب العمال الكردستاني بمثابة الممثل الحصري لهم، وسيكون من الصعب على الحكومة التركية تشكيل ميليشيات كردية متعاونة مع الجيش التركي على غرار ما كانت عليه الحال في الحروب السابقة قبل التوصل إلى التهدئة، ومن شأن نقض التهدئة أيضاً أن يقود إلى اندلاع حرب يمتلك فيها حزب العمال قدرات عسكرية، وتفاهماً دولياً وإقليمياً لم يكن متوفراً له في حروبه السابقة، فثمة الكثير من الأطراف في المنطقة ومن حسابات مختلفة تتمنى إضعاف الحكومة التركية التي باتت سياستها تشكل تهديداً لمصالح دول وأطراف عديدة في المنطقة، وتتحيّن هذه الأطراف الفرصة المواتية للردّ على سياسات الحكومة التركية، وخلق أزمات تقعدها عن لعب الدور الذي تتطلع إليه في المنطقة والذي يحمل طابعاً استعمارياً يعيد إلى الأذهان السيطرة العثمانية.

بديهي أنّ العودة إلى خيار الحرب في ظلّ هذه الظروف الجديدة، وحيث ثمة عمق جديد للأكراد الأتراك في سورية والعراق في المناطق ذات الغالبية الكردية من شأنه أن يلحق خسائر كبيرة بتركيا، ليس فقط خسائر في صفوف الجيش التركي، بل وأيضاً على المستوى الاقتصادي، لأنّ التقدّم الذي حققته تركيا في الفترة السابقة، يعود بالدرجة الأولى إلى الاستقرار الداخلي، وإلى الانفتاح على دول الجوار، وفي ظلّ تدهور علاقات تركيا مع غالبية دول الجوار، وأيضاً غياب الاستقرار في حال عادت الحرب مع الأكراد، فإنّ المناخ الاستثماري في تركيا يصبح في غاية السلبية، وهذا من شأنه إعادة تركيا إلى ما كانت عليه قبل نهضتها الاقتصادية الأخيرة.

لكلّ هذه الأسباب قد يفضل أردوغان وحزب العدالة والتنمية الهروب من مواجهة الأكراد برفض شروط حزب الحركة القومية، والتحالف مع حزب الشعب الجمهوري، أو اعتماد خيار الانتخابات المبكرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى