إيران نووية… ماذا يعني ذلك للعرب؟

محمد ح. الحاج

دولتان على مساحة العالم أعلنتا سخطهما على الاتفاق الدولي مع إيران حول برنامجها النووي وملحقاته، ذلك يعني أنّ اعترافاً عالمياً قد حصل، وأنّ إيران دخلت مرحلة جديدة من التعامل مع دول العالم، إيران تدخل النادي الأكثر رحابة وإنْ لم تصنع القنبلة النووية، الأهمّ امتلكت المؤهّلات والأسرار والقدرات، لكنها دولة سلمية، هذا لا يعجب الكيان الصهيوني، وأيضاً لم يعجب حكام السعودية، هنا اتفق الطرفان! لماذا؟

أن يعتبر قادة الكيان الصهيوني الاتفاق مصدر خطر على مصير الكيان، أمر مفهوم، فإيران لم تقبل ربط برنامجها النووي، ولا المفاوضات حوله بشكل وتفاصيل النظرة والعلاقة مع الكيان الصهيوني، بمعنى أنّ هذا كان واضحاً، وأنها لم تغيّر ثوابتها، فالقيادة الإيرانية أعلنت أنّ الكيان الصهيوني غير شرعي وهو إلى زوال، واقترن القول بالعمل الذي تجسّد على أرض الواقع… طرد للكيان خارج الحدود الإيرانية واعتراف بدولة فلسطين ودعم لكلّ أشكال المقاومة ضدّ هذا الكيان الدخيل رغم ما أشيع أو تسرّب عن امتلاكه عدة مئات من الرؤوس النووية، ورغم تهديدات قادته بضرب مراكز الأبحاث والمفاعلات على الأرض الإيرانية، وهذا ما لم يحصل لحسابات دقيقة وتقدير النتائج التي تلقاها العدو من المراكز المتخصصة في عالم الغرب… فهل سقط هذا الخيار أم أنّ قادة الكيان ينتظرون سانحة؟

ما الذي لم يعجب السعودية في اتفاق إيران مع العالم على سلمية برنامجها وإقرار هذا العالم بأحقية إيران في الولوج إلى ساحة العالم المتقدّم والخروج من دائرة الدول المتخلفة أو العالم الثالث، – القادة الإيرانيون لم يتركوا مناسبة تمرّ إلا وأعلنوا فيها استعدادهم للتعاون مع «الشقيقات» العربيات وعلى رأسهم السعودية في كلّ المجالات العلمية والعسكرية والاقتصادية، وأنهم لا يفكرون مطلقاً في الصدام مع أيّ من هذه الدول، بل، على العكس شكلت إيران القطب الداعم الأكبر للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعمت المقاومتين اللبنانية والفلسطينية في وجه العدوان الصهيوني، في الوقت الذي كانت السعودية تصمت على عدوانه أغلب الأحيان وساعة يستهدف الجنوبيين في لبنان، أو الأراضي السورية يبدأ التشكيك والتضليل، وتظهر الشماتة والتشفي وكأن تحالفاً سرياً يقوم بينهم وبين العدو، – الحقيقة هي كذلك باعتراف صهيوني، وبصمة سعودية ملكية ابتدأت زمن عبد العزيز وما زالت سارية المفعول حتى تاريخه.

الموقف السعودي يستحضر العديد من الأسئلة المشروعة، ومنها:

ـ يمتلك العدو الصهيوني مئات القنابل أو المقذوفات النووية، وحسب المتداول عربياً فإنّ هذا أكبر تهديد للأمن القومي والعربي! إلا أن يكون ذلك مجرد غطاء كلامي يجري استبداله اليوم بعداء مفتعل مع إيران التي انقلبت بعد ثورتها من شرطي أميركي وحليف للكيان الصهيوني إلى نقيض ذلك، وكنا نقراً ما بين سطور العلاقات العربية أو أغلبها بنظام الشاه حميمية بالغة حدود ذوي القربى، فما الذي تغيّر؟

ـ إذا كانت إيران هي العدو الاستراتيجي للأمن القومي والعربي بالعرف السعودي فلماذا لا توضح السعودية تفاصيل مخاطره ودواعي اعتباره عدواً، في المقابل لا بدّ من تبرير لإسقاط العداء للكيان الصهيوني رغم أنيابه النووية.

ـ انتقال إيران إلى مصاف الدول الكبرى، الأوروبية على الأقلّ، من حيث التطور العلمي والتقني والبحثي، خصوصاً بعد استردادها لثرواتها وسقوط الحصار وفتح أبواب الغرب أمام إنتاجها النفطي والغازي والتبادل الاقتصادي والتكنولوجي معها، ألا يخدم محيطها، أو على الأقلّ الدول التي تتعاون معها بحكم الصلات والوشائج والشراكة في دعم الحقوق والوقوف في وجه العدو الأزلي، إلا أن تكون للسعودية شراكة حقيقية ومصالح في قيامة الدولة اليهودية! وهذا يدفع آلياً إلى العداء مع إيران ومنظومة مقاومة الاحتلال الصهيوني… البعض ما كان ليصدق قولنا إنّ حلفاً مقدساً يقوم سراً بين الصهيو ماسونية العالمية وبين آل سعود وهذا الحلف تضمّنته وثائق وتعهّدات مكتوبة ومحفوظة في أدراج الولايات المتحدة الأميركية.

ـ رغم أهمية الكيان الصهيوني للغرب، وهو من أقامه ووفر له أسباب الحياة والاستمرار، فقد بدأ هذا الغرب يضع في كفة الميزان مصالحه الذاتية بديلاً للمصالح الصهيونية قدر المستطاع، وبالقدر الذي يتخلص فيه من ضغوط اللوبي الصهيوني وخاصة في قمة هرم القيادة أميركا وبدا واضحاً أنه ما من رئيس تنفيذي للولايات المتحدة الأميركية استطاع مجابهة الضغوط الصهيونية ومفاعيل اللوبي إلا في فترة إدارته الثانية، أو أنه لا يتمّ التجديد له، هل ينجو أوباما مع أنه أخذ بمصالح الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين إلى الحدود القصوى، ووجد أن لا سبيل لمماطلة أكثر واستطراداً صعوبة المضيّ في تطبيق العقوبات كما ترغب قيادة الكيان الصهيوني، العقوبات التي طالت أبعد بكثير من إيران ولو أنها المتضرّر الأكبر، لكن عجلة الاقتصاد الأوروبي المتباطئة كان لها دورها وتضرّر العديد من الدول الأوروبية الأقلّ نمواً شكل رأياً عاماً ضاغطاً لإنجاز الاتفاق ووضعه موضع التنفيذ وبدء مرحلة جديدة هي مرحلة إيران اليوم الدولة المتقدّمة الصاعدة.

ـ دول الخليج العربي الصغيرة الدائرة في الفلك السعودي تدرك أهمية انتقال الدولة الإيرانية إلى عضوية النادي الجديد، وبالتالي تحقيق توازن من نوع آخر، هو توازن الرعب الذي لم يحققه التطور الباكستاني ودخول ذلك البلد النادي النووي لأنه ممسوك أميركياً ومموّل سعودياً، المشروع الباكستاني لم يكن سرياً أو خافياً على المؤسسة الصهيو ماسونية، إنما خوف الغرب من تطوّر الهند وتقدّمها، الخوف من انحيازها إلى محيطها الأقرب روسيا والصين دفع بالغرب إلى السكوت والتستر على المشروع الباكستاني السعودي كآلية فرملة للمشروع الهندي يوازيه، وبذات الوقت لا يشكل خطراً على الكيان الصهيوني.

ـ السعودية التي لا يمكن لها أن تنافس إيران واقعياً، ليس من حقها اتخاذ موقف عدائي من الاتفاق الدولي مع إيران التي لا تشكل عدواً فعلياً لها إلا إنْ كانت تشاطر العدو الصهيوني استشرافه هذا الخطر على المديين القريب والبعيد، السعودية لا تشكل قطباً إقليمياً فاعلاً على الساحة المشرقية بوجود مصر عربياً، وهي كانت محكومة بعقدة العراق القوي الذي عملت بمنتهى الخبث على تحطيمه، وبعده سورية، إيران لاعب إقليمي كبير باعتراف دولي باتت تخشاه وتحسب له تركيا ألف حساب، وتنتظر أن ينالها من كعكة الاتفاق نصيب، ويبقى أنّ من كان ينتظر استمرار معاقبة إيران ووصولها مرحلة العجز عن دعم حلفائها في المنطقة لإسقاطهم قد خاب أمله ووصل نهاية المطاف، الرسالة تقول انتهى زمن العربدة، جدوا لأنفسكم مخرجاً من الورطة، انتهى دورنا، وتحققت مصالحنا… التوقيع: حلف الناتو!

بدأ سباق الغرب نحو إيران القوية، العضو الجديد في النادي النووي العالمي، وهو سباق لا يشكل خطراً على عالمنا العربي، بل هو جناح التوازن مع العدو الصهيوني… وليبحث حكام السعودية بعيداً عن الإثارة المذهبية التي يتاجرون بها، تماماً كما يتاجر الصهاينة بأسطورة الخرافة التوراتية اليهودية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى