قصة زيارتي جنبلاط وجعجع
يوسف المصري
فيما كان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يلتقي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز كان النائب وليد جنبلاط يصطحب نجله تيمور جنبلاط للقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في الاليزية.
للوهلة الأولى لا يبدو أن هناك رابطاً بين الزيارتين، ولكن في العمق حيث تتكثف معاني خلفية صورتي الزيارتين يتضح الكثير من القواسم المشتركة بينهما.
يتمظهر أبرز معنى مشترك بين الزيارتين السعودية لجعجع والفرنسية لجنبلاط من خلال حقيقة أن الزعيمين واجها في السنوات الثلاث الأخيرة حالة من «الضمور الاستراتيجي» على مستوى دورهما. وسبب هذا الضمور بدا عندما شعرت دول النواة الصلبة – بحسب التسمية التي راجت لفترة غير قصيرة من عمر الأزمة السورية – داخل نادي ما يسمى بـ«أصدقاء الشعب السوري» أن رهانها على كل من جنبلاط وجعجع لتحريك الديموغرافيتين المسيحية والدرزية السوريتين لمصلحة «المعارضة» السورية الإرهابية وضد الدولة السورية، كان وهماً وليس له مكان في الواقع.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أصل القصة يعود لكون جنبلاط ظل لسنوات طويلة يقدم نفسه أمام دول أصدقاء الشعب السوري بوصفه زعيماً إقليمياً للدروز وليس فقط زعيماً لبنانياً. لقد باعهم بنجاح فكرة أن نفوذه يتعدى دروز لبنان ليطاول دروز سورية وفلسطين. وحينما بدأت المؤامرة الدولية والإقليمية لضرب الدولة السورية وموقعها القومي، هرع الدوليون والإقليميون الذين كانوا صدقوا «مزحة» جنبلاط عن نفوذه الدرزي الإقليمي، ليستنجدوا بالمختارة. وطلبوا من جنبلاط أن يسيل نفوذه على دروز سورية لمصلحة انضمامهم الى ما أسموه «الثورة» السورية. وما حصل هو أن جنبلاط فشل في تحقيق هذا الهدف، وبدا عارياً أمام ادعاءاته القديمة.
ولقد أدى هذا الفشل إلى تقلص – ما يمكن تسميته بحسب مصطلح ساد لفترة – حجم جنبلاط «الاستراتيجي» بنظر الخليجيين وبعض الأوروبيين، إذ اتضح أنه ليس أكثر من زعيم لبناني، بدأ الوهن يعتري حتى دوره الداخلي كبيضة قبان توازنات اللعبة السياسية اللبنانية.
وقصارى القول إن وليد جنبلاط عام 2015 هو غيره وليد جنبلاط عام 2005 وحتى 2008 من منظار نظرة الخليجيين له وأيضاً نظرة باريس. فهذا الرجل هو «شيك من دون رصيد»، والعلاقة به لا تتعدى البعد اللبناني مع ملاحظة أنها غير ثابتة ومعرضة لنكث مستمر بالاتفاقات.
اليوم يذهب جنبلاط إلى باريس محاولاً تعويض خسارته لموقعه في السعودية. وهو يحاول معالجة باب الرياض المقفل بوجهه واستطراداً بوجه ولده، بمفتاح هولاند الذي له علاقات جيدة مع السعودية. ولكن حتى باريس غير متحمسة للذهاب بعيداً في لعب دور الوسيط بين جنبلاط الأب والرياض، ويريد جنبلاط إقناعها الآن بأنه مسلم بإغلاق السعوديين الباب بوجهه، ولكنه يطالب بعدم فعل الشيء ذاته مع نجله الذي عليهم ألا يحملونه أوزار والده فليجربوه…
ويلفت مصدر فرنسي لمقولة شائعة الآن داخل وزارة الخارجية الفرنسية، وهي تتحدث عن علاقات ثقافية مع المختارة وليست سياسية. وهذا مصطلح تستخدمه باريس للتعبير عن أن علاقتها مع جنبلاط هي ما دون سياسية أو للدلالة أيضاً على أن المختارة تعيش فترة أفول صعودها السياسي وباريس تنظر إليها بعين العطف وحفظ الود.
من جنبلاط إلى جعجع
في المقابل فإن نفس تجربة جنبلاط مع دول «أصدقاء الشعب السوري»، مر بها جعجع أيضاً الذي كان بدوره باعهم بضاعة أنه قادر على تحريك «مسيحيي سورية» ضد النظام والدولة هناك. وكانت النتيجة مغايرة تماماً، إذ أكد مسيحيو سورية على مواطنيتهم وأنهم جزء من نسيج الشعب السوري ويقفون معه في خندق واحد في الدفاع عن دولتهم ووطنهم ضد الإرهاب وداعميه في الخارج والداخل.
لكن جعجع يمتاز على جنبلاط بأنه احتفظ بأوراق ابتزاز مسيحية للخليج، حصلها من إعلان عدائه لعون وخياراته الوطنية إلى جانب المقاومة والشعب السوري بوجه «إسرائيل» والإرهاب. ويلاحظ أن جعجع ذهب للسعودية هذه المرة ليبيعها أوراقه اللبنانية المعادية لحزب الله في لبنان والمستعدة لترك خيار حواره مع عون لمصلحة العودة للصدام معه.
على أنه من المشكوك فيه أن يستعيد جعجع حجمه الاستراتيجي الذي كان ادَّعاه. ولعل العبرة الأساس من قصتي جنبلاط وجعجع هي أن صمود الشعب السوري وراء شعارات وحدته ودفاعه عن دولته وبلده، كانت له نتائج هامة، ومن بينها تعرية أصحاب الادعاءات الزائفة في لبنان بأنهم قادرون على جر المسيحيين أو الدروز السوريين إلى مستنقع التآمر على سورية وترك مواطنيتهم السورية والقومية لمصلحة تبني خيرات مذهبية متآمرة.