أميركا والانتخابات الرئاسية السورية

ساندرا علّوش

يحاول المسؤولون الأميركيون وشركاؤهم الأوروبيون التقليل من أهمية الانتخابات الرئاسية السورية، خاصة بعد الصفعة التي تلقوها من السوريين الذين انتخبوا في الخارج، فكان حجم المشاركة مذهلاً، وكانت الصورة أصدق إنباء من الكتب. فباتوا أكثر خشية من يوم الانتخابات الرئاسية على الأراضي السورية. هم الذين رأوا مشهد السوريين المقبلين على السفارات السورية لينتخبوا، لم يعد في إمكانهم حفظ ماء الوجه بعد ثلاث سنوات من الكذب والضخّ الإعلامي. لم يعد يسعهم إلاّ الترقب وإعادة الحسابات للتعامل مع الملف السوري بعد هذا اليوم، بعدما هزمتهم صورة واحدة كانت كافية لإعادة الحقيقة إلى الواجهة، ولإحراجهم أمام شعوبهم، وإنهاء هذه الحرب المحمومة، على عكس ما يشتهون.

جميع تصريحات المسؤولين الأميركيين والأوروبيين التي أدلوا بها في الأيام الأخيرة عن عدم شرعية الانتخابات، والتقليل من أهميتها، تخالف الواقع تماماً، فهم الأكثر اهتماماً بهذه الانتخابات. واهتمامهم ليس بنتيجتها لأنهم يدركون مدى شعبية الرئيس بشار الأسد، وأن فوزه بات مؤكداً وسيتعاملون مع هذه النتيجة كنصر له ولو لم يعترفوا بذلك علناً. فبعد انتخابات الخارج، وفي لبنان خاصة، باتوا يشككون في وجهة السوريين الحقيقية، وأضحت المعارضة بلا صدقيّة. فأيّ انتخابات نموذجية للسوريين لن تكون على شكل الانتخابات في لبنان مثلاً، لأن لدى لبنان توازناً سياسياً بين النظام والمعارضة، وهذا غير متوافر في الحالة السورية مثلما تبيّن لهم. لكن جلّ اهتمامهم ينصبّ على حجم المشاركة وفي أيّ المدن السورية ستتركز. سيراقبون درجة حماسة دمشق وحلب، حمص وحماة ودرعا. سيركزون اهتمامهم على المناطق التي يعتبرونها حاضناً طائفياً للمعارضة، وستضعها الاستخبارات تحت المجهر لمراقبة الإقبال على الانتخابات وإحصاء أعداد الناخبين من النساء والرجال والعجزة والملتحين والمنقّبات وطلاب الجامعات ورجال الأعمال والموظفين والمعلمين والأحزاب والنقابات والعاطلين عن العمل والأطباء والفنانين ورجال السياسة والدين. وسيقرّر في ضوء النسب المئوية التي يتوصلون إليها ما إذا كانت حربهم على سورية فشلت أم أنهم سيستمرّون في مخططاتهم لأنها تنجح.

بعض هذه المخططات يتحدث عن تحضير مشاريع لإصدار قرارات دولية لسحب تمثيل الحكومة السورية الحالية في الأمم المتحدة وتسليم مقعدها إلى «حكومة الائتلاف المعارض» بضغط من دول عربية إلى جانب أميركا وبريطانيا وفرنسا.

كما أنّ تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلية «ويست بوينت» العسكرية أخيراً، والتي أكد فيها زيادة الدعم الأميركي للمسلحين السوريين تعتبر بداية مرحلة جديدة تحدّد طبيعة التدخل الأميركي في سورية، والدليل ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» من أنّ الرئيس أوباما سيسمح للبنتاغون بتدريب مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة كما سماها ما يعكس قلق الإدارة الأميركية من تصاعد قوة الجماعات الإسلامية المتشدّدة. ويمكن قراءة هذه التصريحات وغيرها بأنّ ثمة مشروعاً لإنشاء قوات «كونترا» سورية كالتي أنشئت في نيكاراغوا في ثمانينات القرن الفائت.

تركز الولايات المتحدة الأميركية على حرف ميزان القوة في الحرب الدائرة، إنْ أمكن، وتحاول تقديم بديل من تنظيم «القاعدة» للجيل الشاب من السوريين الراغبين في القتال وتطويع بعضهم ليكونوا عملاء للوكالات الأمنية الأميركية. قرار أوباما جاء بعد عامين على رفضه خطة تقدمت بها وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون مع مسؤولين كبار في طاقمه لتدريب «المعارضة السورية المعتدلة»، لكن الرئيس الأميركي رفض الخطة آنذاك، فالمعارضة غير منظمة وقد تجرّ الولايات المتحدة الأميركية إلى حرب فتدخل عسكري مباشر.

إذن، لِمَ اتخذ أوباما هذا القرار وفي هذا التوقيت تحديداً؟

قرار أوباما باتخاذ الخطوة التي رفضها سابقاً لناحية تكثيف تسليح المعارضة السورية وتدريبها، والتي بدأت العام الفائت، وإرسال قوات أميركية إلى الأردن وغيره من الدول لتدريب وحدات المعارضة السورية، كان نتيجة تصاعد خطر الجماعات الجهادية في سورية والمرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ما يجعلهم يتعاملون مع قضايا تتعلق بأمنهم القومي.

لنا جميعاً أن نتذكر كيف عوّمت «عصابات الكونترا» في نيكاراغوا في الثمانينات على أنها حركة ديمقراطية مقاومة تسعى إلى إسقاط الاستبداد والقمع وتصوير الإجرام المرتكب من «فرق الموت» على أنه انتهاكات تقوم بها الحكومة الساندينية، وبذلك تضمن إدارة رونالد ريغن لنفسها حق تمويل «عصابات الكونترا» بما يزيد على خمسين مليون دولار بحلول عام 1984 مقابل تدمير البلاد تدميراً لا رجاء لها بعده.

لكن على المعارضة السورية أن تتذكر سقوط سايغون عام 1975. تلك الهزيمة النكراء للجيش الأميركي الذي تخلى عن الفيتناميين الجنوبيين في لحظة واحدة فأجلى قواته، تاركاً ألوف الفيتناميين يواجهون مصيرهم بأنفسهم. ومثلما نسيت سايغون، نسيت هزيمة الأميركي فيها.

ذلك كلّه لن يقلل من أهمية هذا اليوم بالنسبة إلى السوريين والعالم بأسره. فهو بلا ريب تحوّل ديمقراطي في تاريخ سورية الحديث يحسب للقيادة السورية وللسوريين أنهم أنجزوه رغم الحرب الدائرة، والضغوط الدولية الهائلة التي مورست عليهم كي تحول دون أن يصل الصوت السوري إلى صندوق الانتخاب ويقول ماذا يريد وينتخب مَن يريد رئيساً له لسبع سنوات حاسمة في تاريخ سورية ومصيرها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى