«الربيع العربي»… واقع مفروض أم مرفوض؟
ونسة الأسعد
كثر الحديث عن ظاهرة ما يسمى بـ «الربيع العربي» للدلالة على هذا الحراك الشعبي الذي اجتاح الكثير من الأقطار العربية ومنها: تونس ومصر واليمن وسورية وليبيا، كما تعددت الأسباب تعليلاً وتفسيراً للأحداث، وتبايناً للآراء حول هذه الظاهرة. ولكن مع مرور الزمن وتوالي الوقائع ظهرت الحقيقة جلية وواضحة.
فالبعض أشار ويشير إليه بارتياب على أنه مؤامرة غربية عامة، وأميركية ـ «إسرائيلية» على وجه الخصوص، مردداً كلمات كوندليزا رايس عن الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى إقامته عبر الدفع نحو خلق ما يسمى بالفوضى الخلاقة، وذلك بهدف السيطرة على المنطقة كاملة: مواردها الباطنية من النفط والغاز والمعادن الدفينة، ومصالحها الجيوسياسية لتأمين الحصانة والحماية المطلقة الدائمة لـ«اسرائيل» .
ولم يكتف الغرب في السعي إلى تجزئة وتدمير العالم العربي عبر سلاحهم التقليدي بل اتخذ من الإسلام ، السلاح الفتاك لشعوب المنطقة وذلك للتأثير الكبير الذي يفرضه الاسلام على عقول الشباب، فاستطاعوا أن يتخذوا من الإسلام الحقيقي، الإسلام الجهادي التكفيري بحجة أنه هو الإسلام الحقيقي المعتدل. وأنهم سعوا إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات على أسس طائفيه ومذهبية وعرقية ودينية
أما البعض الآخر، فإنه يرى المشهد من زاوية أخرى: على أن الربيع العربي هذا، هو المرحلة الثانية في حياه الامة ـ مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، حيث كانت قد سبقتها في أواسط القرن الماضي ثورة أخرى هي الثورة الوطنية التحررية والتخلص من الاستعمار العسكري المباشر.
أمام هذا المشهد غير المتجانس لا بد من إعمال الفكر بالدراسة حوله المعمقة والتحليل المقارن للوقوف على فهم منطقي وإدراك سليم للحيثيات والحقائق على أرض الواقع… فمن خلال ذلك يحضرنا تساؤل واستفسار، ألا وهو: ما هو الهدف الأساسي من خلق هذه الفوضى الخلّاقة؟ وما هذا السلاح الفتاك للوصول إلى الهدف المنشود؟
فالهدف الاساسي هو تفتيت وتجزئة العالم العربي كافة، والعمل على السيطرة المباشرة على أقطار هذا الوطن كافة، وذلك خدمة لأمن «إسرائيل» في المنطقة، وأما السلاح الفتاك فهو الإعلام الذي لعب الدور الأكبر في الثورات المزعومة أو ما يسمى بـ «الربيع العربي». فنشأت الفضائيات العديدة والموظفة للتأثير فيها وكان منها الفضائيات الخليجية، والفضائيات الأجنبية، والأجنبية الناطقة بالعربية، الفاعل الحقيقي لهذه الثورات أو بمعنى أدق لهذه الفوضى التي كانت مجهزة للسيطرة على العالم العربي كافة وذلك بأياد صهيونية تحركها كما تشاء وكيفما تشاء خدمة لمصالحها وأمنها في المنطقة. ولم يكن هذا سراُ أو مخفياً على أحد فعرّاب هذا الدمار وهذه الفوضى الخلّاقة، ومحرِّك هذه الثورات المزعومة والذي لا يخفى على أحد هو: برنار هنري ليفي الذي أوضح في قوله عن الإعلام ومدى تأثيره في ما يود الغرب الوصول إليه من تفتيت للشعوب العربية وتدميرها: «إنّ اختراق المؤسسة الإعلامية العربية ضرورة لضمان التطبيع مع «إسرائيل».
وتفوّق دور الإعلام من سطوة وهيمنة وقدرة تأثير على صناعة وصياغة الرأي العام لصالح موقف أو برنامج أو جهة ما، فعلى الصعيد الاجتماعي المدني، تستطيع وسائل الإعلام أن تكشف الحقائق، وأن تنقل المعلومة الصحيحة للمواطن، بل تستطيع أن تصنع رأياً عاماً حول قضية وطنية محلية، اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، بل يمكن أن تتحول هذه الوسائل إلى أداة تجييش وتحشيد أحيانا لمصلحة جهة ضد أخرى، كما يمكنه أن يلعب على مستوى العلاقات بين الدول أو مصير هذه الدول وسيادتها، فلا شك أن الحرب الإعلامية بين طرفين من شأنها ضمن معادلات وحسابات معينة أن تحسم مصير الحرب كلها مثلاً إن وقعت، أو أن تحقق مكاسب نقطية لمصلحة طرف معين، أو أن تظهر الحق وتزهق الباطل، أو أن تخلط الأمور والأوراق وتزيف الوقائع والحقائق، وتحول الحق إلى باطل، والباطل إلى حق في بعض الحالات والمعادلات، وهذا البعد الأخير، ينسحب بصورة قوية على المشهد العربي الراهن في ظل الثورات والحراكات الشعبية العربية، وليس فقط على الصراع العربي- الصهيوني، حيث لعبت وسائل الإعلام الصهيونية والأميركية والغربية في مراحل زمنية عديدة مثل ذلك الدور التضليلي التحريضي العدائي للعرب.
فمنذ الحرب الأميركية – البريطانية على العراق، ونحن أمام إعلام حربي أميركي «إسرائيلي»، فهل أصبح الإعلام الحربي، هو الإعلام السائد الذي يهيمن اليوم على المشهد العالمي في التعاطي أو التعامل بين الدول؟ فلكل دولة أجندتها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية ولها إعلامها أيضاً الذي يسوق لهذه الأجندة، فهل نحن أمام إعلام حربي فقط، بينما سقط واختفى الإعلام المدني الذي يخدم المواطن ويربط ما يجري على الأرض. وعندما نذكر الإعلام الحربي لا بد من ذكر الإعلام «الإسرائيلي» الذي اتخذ من الإعلام الحربي سلاحه الحديث المتطور، فكانت الحرب المجيّشة ليست في مواجهة العدو الفلسطيني فحسب، إنما في مواجهة العدو العربي قاطبة، وكانت الحرب التي لم تخطر على بال في تدمير وتقسيم الوطن العربي وتفتيت الفكر العربي في مواجهة هذا الكيان، وبالتالي تنقلب المفاهيم رأساً على عقب فينقلب الحقائق، ويغدو الإنسان العربي مسيّراً نحو الأفكار التي يراد بها الفكر «الإسرائيلي»، وذلك بقناعة تامة وتبني كامل لذلك الفكر الصهيوني وهذه الحرب الشرسة التي تبناها وسار بها الكيان الصهيوني لتحقيق مآربه وسلطته.
ومن خلال ذلك، تراودنا مقولة لنعوم تشومسكي عن الإعلام بقوله: «إن الرؤية الإعلامية تسعى لخلق وتزييف الوقائع والحقائق والتاريخ… وإن بلاد العم سام قد وضعت العديد من الاستراتيجيات من أجل إضعاف الأنظمة المستهدفة والإطاحة بها وإظهار الأمر على أنه نتاج حركة شعبية ومطلبية داخلية صرفة»، فمن خلال هذا الواقع المؤلم لما يسمى بالثورات العربية في ظل الربيع العربي نجد أنّ عملية غسيل أدمغة الشباب العربي قد بدأت منذ عام 2007، مع التركيز خصوصاً على الشباب المستخدم للانترنت. وهذا ما فعله الكيان الصهيوني في القدرة على السيطرة والتحكم وأكد ذلك فنحمان شايو وهو محلل إعلامي وعسكري «إسرائيلي» كبير، رافق الجيش «الإسرائيلي» في العديد من الحروب: «أن دولة «إسرائيل» تدير أمورها عبر ثلاث وسائل: الجهد العسكري والسياسي والإعلامي، وإن الجهد الإعلامي لهو السلاح الأكثر أهمية وأكثر تاثيراً في عصرنا الحالي». وهذا ما لمسناه في الدول العربية التي سيطر عليها الربيع العربي، فمن خلال ما ذكرناه وما يكون سوى القليل القليل مما ذُكِر عن هذه المؤامرة والتي تسمى: «بالربيع العربي» فهل يؤمن الشباب العربي بأنها ثورة عبرية أم يبقون في غيّهم يعمهون؟