اتفاق الرابح ـ رابح من الخاسر فيه؟
جمال العفلق
لم تنشغل المنطقة إعلامياً وسياسياً بملف كما انشغلت بالملف الإيراني والمفاوضات الإيرانية الغربية، والتي تمخض عنها اتفاق وصفه المفاوضون بأنه اتفاق تاريخي، وسارع السياسيون في الدول المعنية إلى التغزل والمدح بهذا الاتفاق الذي جاء نتيجة مفاوضات شاقة استمرت سنوات، وما كان في الجلسات السرية أكثر بكثير من الذي أُعلن للصحافة. وكانت تسمية الاتفاق باتفاق الرابح ـ رابح هي تسمية متفق عليها، حيث اعتبرت إيران أنها حققت ما تريد، أما مجموعه الخمسة زائداً واحداً فبررت التوقيع بأن ما تم التوصل إليه هو أفضل ما يمكن، ووصفته الاوساط الغربية بأنه تاريخي بامتياز وسوف يجنّب المنطقة ما لا تحمد عقباه.
فهل بالفعل هذا الاتفاق هو اتفاق الرابح ـ رابح؟ وبالعادة مهما كانت الاتفاقات منصفة لا بدّ من وجود خاسر ما أو تنازل عن أمر هنا أو هناك.
من خلال المتابعة للشروط الإيرانية التي سبقت التوقيع، نجد أن المفاوض الإيراني لم يتنازل عن أي شيء صرح به بالعلن، وأن الإيرانيين اعتبروا العقوبات الاقتصادية هي ظلم للشعب الإيراني على رغم تأقلم الإيرانيين مع هذه العقوبات بل تجاوزوها لحدّ إيجاد البدائل على المستويات الاقتصادية كافة. فالإيرانيون وعلى رغم العقوبات طوروا صناعتهم العسكرية كما طوروا الصناعات الثقيلة، وكانوا يديرون اقتصادهم بشكل وفّر إلى حد كبير الحياة المقبولة للشعب الإيراني، ولم تمنعهم العقوبات من القيام بالمناورات العسكرية الكبرى وتقديم أنواع جديدة من السلاح الإيراني أو المطوّر إيرانياً.
أما الغرب الذي دائماً ما يلعب لعبة العقوبات ويقوم بتجميد الأرصدة ومنع البيع وتقييد الحركة التجارية، كان خاسراً لسوق كبيرة مثل السوق الإيرانية، وبقي يترك نوافذ للتداول خصوصاً في مجال النفط وذلك حرصاً على إبقاء التواصل، وحفاظاً على مصلحته بالدرجة الأولى.
واليوم وما إن أعلن الاتفاق، حتى تحوّل مطار طهران لقبلة الاقتصاديين الغربيين، فذهب الألمان بوفد كبير من رجال الأعمال، وحجز الفرنسيون مقعدهم. وبالتأكيد ستبقى الوفود الاقتصادية تبحث عن حصتها في الكعكة الإيرانية، فالمشاريع المقبلة كثيرة والأحلام كبيرة لدى أصحاب رأس المال في نيل حصتهم من هذا الاتفاق، لبلد يتمتع ببنية تحتية ولديه الخبرات الكافية، ولديه الأهم وهو الأموال العائدة من المصارف الغربية.
وبالتأكيد هناك نتائج كثيرة لهذا الاتفاق الذي على ما يبدو يستحق أن يسمى اتفاقاً تاريخياً واتفاق الرابح ـ رابح… فمن الخاسر هنا؟
منذ الثورة الإيرانية، انقلب أصدقاء إيران الشاه عليها من العرب، وكانت حرب السنوات الثمانية بين إيران والعراق، واصطف العرب حول العراق في حينها عدا سورية التي وجدت بتلك الحرب عبثاً لا طائل منه وأنه كان من الممكن تجاوز نقطة الاصطدام العسكري، وبالتأكيد استنزفت تلك الحرب العرب مادياً وبشرياً، ونتيجتها كان خراب ودمار العراق وترهل الاقتصاد العربي الداعم للحرب وفشل في تغيير الجغرافيا على الأرض، وما زال العرب إلى اليوم في حالة عداء معلن مع إيران، مستفيدين من دعم الغرب لهم في ذلك، الغرب الذي وقّع الاتفاق مع إيران وأفرج لها عن أموالها ووضعها رغماً عنه في مصاف الدول الكبرى.
حتى مصر البعيدة جغرافياً من إيران، اتخذت موقفاً معادياً منها، لا أعتقد أنها مستفيدة منه على المدى البعيد، خصوصاً بعد انقلاب تركيا على مصر. فالخاسرون من هذا الاتفاق هم جيران إيران الأولى بصداقتها وكسبها وإذابة جليد العلاقات معها، خصوصا أن إيران بلد مجاور ولا يمكن تجاهله أو تجاوزه فهناك مياه مشتركة واتصال بري بحدود طويلة. وعلى رغم دفع العرب أموالهم في محاربة حلفاء إيران بحجة الوصول إليها، إلا أن النتائج على الأرض تثبت أنهم لم يدمروا إلا أنفسهم، ولم يستفيدوا شيئاً من تلك الأموال التي يعجز البسطاء من الناس مثلي عن لفظها أو كتابتها، لأن الرقم المدفوع فقط في الحرب على سورية يكفي لإطعام سكان الأرض لخمس سنوات مقبلة. والعدوان على اليمن أكمل لوحة الخسائر المادية والبشرية، وما سينتج من الاتفاق الإيراني ـ الغربي لم تكتمل صورته بعد، فخطوة التوقيع هي الخطوه الأولى وستتبعها خطوات كثيرة للتطبيع وتبادل المنفعة، وسيبقى العرب ينتظرون أن تحدث معجزة ما تلغي الاتفاق وفي لغة الأرقام، لو راكم العرب الأموال التي دفعت في محاربة إيران واستثمرت في التطوير الصناعي والبشري والعلمي، لَما كان العرب اليوم بحاجة إلى انتظار توقيع أو عدم توقيع اتفاق وكان لهم رأي في القضايا العالمية الكبرى. وحتى اللحظة لم يستفد العرب من دروس الماضي وإن الغرب يترك دائماً مسافة له للاستدارة وتغيير العلاقات، بينما العرب لا يجيدون هذه السياسة إلا في ما بينهم فقط.
واليوم بحساب القوة والقوة المضادة، يحتاج العرب إلى عقود حتى يصلوا للتوازن مع إيران، فأين ستكون إيران بعد هذه العقود؟ وكان الأوجب على الجامعة العربية أن تدعو إلى اجتماع طارئ تقرر فيه فتح صفحة جديدة مع الجار الإيراني وتسوية الخلافات المزعومة «مذهبياً» وإيجاد صيغة تعاون مشترك إذا ما تم، سيكون له الأثر الإيجابي الأكبر على شعوب المنطقة، بل على العالم، فالتغريد في سرب ما يسمى «إسرائيل» لن يغير شيئاً من الواقع الجديد، بأن إيران في نادي الكبار، وأن مسألة الحرب معها هي مسألة عقيمة لا نتيجة ترجى منها. فإذا كان لا بدّ من خاسر في الاتفاق، الخاسر اليوم هو العرب كل العرب الذين انشغلوا في حروبهم ودعم بعضهم للإرهاب، على رغم أن كل التقارير الأمنية تتحدث عن تمدّد هذا الإرهاب حتى في الدول التي تدعمه، وأول الغيث قطرة. فها هي تركيا اليوم أصيبت به وهي من أكبر الداعمين له، والأردن في حالة استنفار أمني، وقد تحدثت صحف خليجية عن إحباط محاولات إرهابية كادت ان تحدث في المملكه السعودية. وهذا الطبيعي بغياب التنسيق الأمني العربي وتغييب المصلحة المشتركة بين الدول العربية على حساب مصالح تكاد تصل إلى الفردية لا الدولة.