الأردن يتعهّد دور «إسرائيل» في المنطقة برعاية أطلسية!
سومر صالح
هل وقع الأردن الرسمي ضحية كمين استراتيجي نصبه الأطلسي لدوره في المنطقة، أم أنها البراغماتية السياسية لملوك الأردن وهواهم الغربي، إن لم نقُل دورهم التآمري على العروبة، كنظام سياسي هو من جعل الأردن منصّة متقدِّمة لتنفيذ الأجندات الغربية في المنطقة؟
بتتبع بسيط لدراماتيكية العلاقة بين الأردن و«ناتو»، يتضح وجود علاقة طردية تربط نمو العلاقة كلما ازداد حجم التورط «الناتوي» في المنطقة العربية. ففي العام 1996 وفي عهد الرئيس بيل كلينتون تمّ تصنيف الأردن على أنه حليف رئيسي خارج «ناتو» وهو تعيين يقدمه حلف الأطلسي والحكومة الأميركية للدول التي تربطهما بها علاقات قوية، لكنها ليست عضواً في هذا الحلف، وهو إجراء ارتبط حينها على ما يبدو بمفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية، والتي كان للأردن موقف حاسم فيها، وخصوصاً في مسألتي الترتيبات الأمنية والقدس، بما يشير إلى أنّ هذه الخطوة هي عبارة عن احتواء استراتيجي للأردن وما يتبعه من إمكانية توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه.
تعزّزت هذه الشراكة الاستراتيجية إبان الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وكان الأردن حينها حاجة أميركية لإنجاح هذا الغزو وهو ما كشفته الوثائق المسرّبة من موقع «ويكليكس» عن الدور الأردني في تلك المرحلة، حيث كشفت الوثائق عن تعاون أمني كثيف وتدريبات مشتركة ومساعدات عسكرية أردنية لوجيستية، بالإضافة إلى السماح للقوات الأميركية بالتدرب في محافظة الزرقاء الأردنية، رغم معارضة الأردن العلنية والإعلامية لهذه الحرب، وهنا يتضِّح الدور التآمري لملك الأردن. ومع اندلاع أحداث تونس وما تلاها من فوضى عارمة في المنطقة العربية، تعمّقت العلاقات الأردنية ـ الأميركية من جهة، والعلاقات الأردنية ـ الأطلسية من جهة أخرى، فكان الأردن حاضراً لاستقبال ما يقارب العشرة آلاف عسكري من 18 دولة، ضمن ما يسمى تمارين «الأسد المتأهب» في مجال مكافحة الإرهاب وأمن الحدود والأخطار التقليدية وغير التقليدية، مع ما تحمله من أبعاد واحتمالات تحول العناصر المتدربة إلى قوات غزو متقدمة لدول عربية. وفي الأزمة السورية كانت غرفة عمليات «موك» جاهزة لقيادة العمليات العسكرية للمسلحين في سورية ودعم التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، وأحياناً تنفيذ عمليات عسكرية حربية مباشرة على الأراضي السورية، ناهيك عن فتح الحدود الأردنية لآلاف المسلحين والإرهابيين لدخول الأرض السورية باتجاه واحد.
تُوِّجت هذه الشراكة الاستراتيجية بإقرار مجلس النواب الأميركي لمشروع قانون يسهّل نقل الأسلحة الأميركية إلى الأردن، ما يؤكد النية الأميركية الجدّية لإقرار مشروع قانون جديد تتعامل بموجبه الولايات المتحدة الأميركية مع الأردن كما تتعامل مع دول حلف الأطلسي و«إسرائيل»، من حيث الاستجابة السريعة لطلبات الأسلحة والدعم.
إذاً أصبح الأردن و«إسرائيل» شريكين استراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة، وهنا يمكن طرح التساؤل المنطقي: لماذا أعطت الولايات المتحدة هذه القيمة الاستراتيجية لشراكتها مع الأردن في وجود «إسرائيل»، الحليف الأهم للولايات المتحدة في المنطقة؟ يكمن الجواب جزئياً في أمرين: طبيعية الصراعات في منطقة الشرق الأوسط ومستقبل المصالح الأميركية فيه. فالصراعات في هذه المنطقة اتخذت منحىً أكثر دموية مع تفشي ظاهرة الإرهاب والتطرف، وهنا كان الهدف الأميركي من التحالف مع الأردن مزدوجاً: أولاً تجنيب «إسرائيل» احتمالات وصول الإرهاب إليها بمعنى تحول الأردن بجغرافيته الواسعة إلى منطقة عازلة تمنع وصول الإرهاب إلى «إسرائيل»، وثانياً الأردن قادر على القيام بمهمات سياسية وعسكرية لا يمكن لـ«إسرائيل» القيام بها مباشرة من قبيل إطالة أمد الأزمات في الشرق الأوسط، كالأزمتين السورية والعراقية عبر دعم الأردن المباشر لمسلحي الجنوب السوري وفتح الحدود الشرقية للأردن أيضاً لعبور المسلحين إلى العراق ضمن الدور الوظيفي للإرهاب الأميركي في المنطقة، إضافة إلى مناوشة المصالح الإيرانية في العراق وسورية. أمرٌ لو قامت به «إسرائيل» لكانت احتمال الحرب عليها أكثر رجاحة. الأمر الثاني مرتبط بطبيعة المصالح الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط وتتجسد في ثلاث مكونات هي استمرار تدفق الطاقة الخليجية إلى أوروبا، وتطويق المصالح الروسية في الشرق الأوسط وضمان أمن «إسرائيل». فاستمرار تدفق الطاقة الخليجية يعني أمرين: بقاء صيغ أنظمة الحكم على ما هي عليه في الخليج بما يضع الأردن في مواجهة أي قوة إقليمية تحاول تغيير تلك الصيغ، وهو أمرٌ لا يمكن أيضاً لـ«إسرائيل» القيام به، وهنا تحاول أميركا وضع الأردن في مواجهة إيران، بدلاً من أن تكون «إسرائيل» في مواجهتها. المكون الثاني تطويق المصالح الروسية في المنطقة، وهنا يكون الأردن جاهزاً لوضع كلّ المصالح الروسية بين فكي الكماشة الأطلسية، وخصوصاً في سورية والعراق، فنشر أجزاء من الدرع الصاروخية الأميركية في الأردن يفي بالغرض الأطلسي مع وجود هكذا منظومات صاروخية في تركيا، وأيضاً هنا «الإسرائيلي» غير قادر على تحقيق هذا الهدف لسببين: أولهما ضيق الجبهة الشمالية «الإسرائيلية»، مقارنة بالأردنية، وثانياً التخوف الأميركي من براغماتية «إسرائيلية» مستقبلية تدفع إلى تقاطع للمصالح مع روسيا في المنطقة، ذلك أنّ 20 في المئة من سكان «إسرائيل» هم من سكان روسيا سابقاً. أما المكون الثالث فهو أمن «إسرائيل»، وللأردن دور بارز في تحقيقه، من خلال قدرة الضغط الأردنية على السلطة الفلسطينية لتقديم المزيد من التنازلات في المفاوضات الفلسطينية ـ «الإسرائيلية» المتعثرة، وخصوصاً في ملفي اللاجئين والاستيطان، إضافة إلى تحول الأردن إلى حارس لأطول حدود لـ«إسرائيل» من الجهة الشرقية، وهنا أيضاً تكون قوات «الأسد المتأهب» حاضرة للدفاع عن «إسرائيل» من احتمالات التهديد الإرهابي أو احتمال الانهيار الاستراتيجي في معركة مفاجئة، من هنا أو هناك، إضافة إلى تحول الأردن إلى بوابة العبور «الإسرائيلية» إلى المنطقة العربية، بعد استكمال عمليات التطبيع معه ومنطلقاً لعمليات تطبيع مشابهة.
هذا الكلام يعني أنّ الشراكة الأطلسية ـ الأردنية هي تعهد أردني لدور «إسرائيل» العدواني التاريخي في المنطقة، وتعهد لضمان المصالح الأميركية ـ الأطلسية من جهة أخرى، وليس بديلاً استراتيجياً عن «إسرائيل» في المنطقة. بعبارة أدقّ هو تعهد أردني بتحمل الأخطار الناجمة عن السياسات الأطلسية عموماً في المنطقة والتي كانت «إسرائيل» تتحملها سابقاً.
إذاً وضع الأردن نفسه تحت الإمرة الأطلسية، مدفوعاً بعوامل داخلية وإقليمية، فهذا البلد يعاني من مشاكل اقتصادية ونقص في الموارد والثروات وعلى حدوده الشمالية والشرقية خطر وصول الإرهاب «الداعشي» ونظامه السياسي يخاف تقلبات الشارع الأردني والإصلاحات السياسية والاقتصادية خلال السنوات السابقة لم تف بالغرض، لذلك قرر التماهي مع المصالح الأطلسية من جهة، والقبول بتنازلات تاريخية، من حيث المبدأ، مع «إسرائيل» من جهة ثانية، علّها تكون طوق نجاة لنظام الأردن السياسي. وبذلك يكون قد تجاهل تجربة حسني مبارك في قيادة مصر وتجاهل نزوات الخليج في مفاوضات الغرب مع إيران، حيث لا مكان إلا للمصالح الأميركية الأطلسية. وبذلك حوّل الأردن نفسه إلى أداة في حروب المصالح الدولية في يد الولايات المتحدة، ينتهي دورها بانتهاء شكل المصالح أو الوصول إلى تسويات تاريخية لتقاطع تلك المصالح، حينها على الملك أو من يرثه مواجهة عبء مواقفه بدءاً من مواجهة شعبه إلى دول الجوار الإقليمي وفي مقدمها سورية التي عانت عبث السياسة الأردنية وقصر نظرها في قراءة تحولات النظام الدولي، وصولاً إلى القوى الدولية التي وضع الأردن نفسه بيدقاً في مواجهتها.