العثماني والوهّابي «إلى بيت الطاعة در»
طاهر محي الدين
ما إن ظهرت نتائج الانتخابات التركية الأخيرة والتي أدت إلى سقوط مدوٍّ وفشل ذريع وتراجع كبير لجماعة الإخوان المسلمين في تركيا بعد سقوطها في كلّ معاقلها من تونس إلى مصر وتراجع الجناح الإخواني في حركة حماس الكبير، كان أول تصريح لافت للإدارة الأميركية أعلنت فيه زمن التحولات الكبيرة في سياستها في المنطقة، وأنّ زمناً جديداً من عالم متعدد الأقطاب قد بدأ، فقال أوباما يومها: «ينبغي على تركيا العمل بشكل جاد على ضبط حدودها مع سورية ومنع تدفق الإرهابيين من أرضها». وكان أوباما صرّح في اليومين الماضيين ردّاً على جنون أردوغان وحكومته بطرح خيار التدخل العسكري في سورية وإنشاء مناطق عازلة بالقول: «إنّ أميركا لا ترى حاجة إلى إقامة مناطق عازلة أو آمنة على الحدود السورية ولا بدّ من الحلّ السياسي في سورية».
إنه الهدف الذي كان ينشده هذا المجرم منذ بداية الحرب على سورية، حيث أقام المخيمات وفتح حدوده لكلّ إرهابيي العالم لتدمير سورية، وهو يعلم أنه واهم في في هذا الأمر، فعندما كانت الظروف الدولية أكثر ملاءمة والوضع الداخلي في سورية أكثر ارتباكاً، أسقطت هيبته مع طائراته التي أسقطتها المضادات السورية، وطلب تدخل «ناتو»، حسب الفقرة الخامسة من اتفاقية الحلف، بأنه تعرض لهجوم من دولة عدوة وعلى دول الحلف التدخل عسكرياً، فأتته الصفعة يومها ورفض طلبه، تلك الصفعة التي ما زالت تؤلمه حتى اليوم، وستؤلمه أكثر وهو يرى التمدّد الكردي على طول الشريط الحدودي بينه وبين سورية.
أما التصريح الأقوى فكان لمعاون وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان الذي قال أمس: «إنّ أي محاولة للتدخل العسكري للدول الحدودية مع سورية سوف تزيد الأمر تعقيداً».
هذا التصريح في الأعراف الديبلوماسية لوزارات الخارجية يعتبر تهديداً مبطناً ويفهمه أردوغان وهدهده أوغلو بشكلٍ واضح، على الرغم من إدراك الجميع أنه مجرد نباح سياسي لذئب مجروح، وإنه لا يتعدى كونه تهويلاً لتحقيق مكاسب سياسية في خضم المفاوضات التي يعلم أردوغان أنه خسر الكثير فيها داخلياً وخارجياً، ويدرك تماماً أنّ خسارته الحتمية والقاضية ستكون في الانتخابات المبكرة القادمة على الرغم من انتخاب رئيس مجلس للأمة التركية من حزب العدالة والتنمية.
وتتوالى الضربات لأردوغان العثماني بالأنباء التي تأتي من قبرص إثر اللقاءات التي تجري بين قادة قبرص اليونانية والتركية، تلك الأنباء التي تتحدث عن اتفاقات لتوحيد الجزيرة.
إنّ أميركا تريد أن تأتي برأس أردوغان ضعيفاً في ذلك الوقت وتملي عليه الاتفاق النووي صاغراً مقرّاً بالمعادلات الجديدة، وهذا جزاء ومصير العملاء الفاشلين المهزومين، حيث ينتهي دورهم فيرفع عنهم الغطاء لتعريتهم من الداخل قبل الخارج، ثم يُتركون لمصيرهم، فكلّ المتابعين للشأن السياسي رأوا ذلك جلياً، عندما أفسح المجال لعرض تورط أردوغان في دعم الإرهاب المنظم لوجستياً وعسكرياً وتغطيته سياسياً.
فكما أطيح بشاه إيران محمد رضا بهلوي، سيأتي الدور على السلطان أردوغان وعليه فقط تنفيذ الأوامر بعد أن منح الكثير من الفرص وفشل في كلّ الملفات وجاء وقت تنفيذ الأمر «إلى بيت الطاعة در».
وهذا نفسه مصير آل سعود الذين تمّ توريطهم في حرب اليمن والبحرين والملف السوري الذي كان القشة التي قسمت ظهر البعير، فآل سعود كما حليفهم أردوغان وهزموا في كلّ حروبهم وفشلوا في كلّ الملفات التي أوكلت إليهم من العراق إلى سورية إلى البحرين التي لم يستطيعوا تحقيق أي إنجاز فيها إلا القتل والإرهاب، فكانت الحرب على اليمن بمثابة الضربة القاضية، فها هم يخسرون العدة والعتاد والأموال وينحسرون من الأراضي التي احتلوها أصلاً من اليمن السعيد في عسير وجيزان ونجران، وفشلوا وعجزوا عن تحقيق أي هدف أعلنوه كذباً لحربهم على اليمن المظلوم، ما عدا الإجرام والإرهاب والقتل والتدمير ليزيدوا من معاناة العرب والمسلمين في المنطقة، ولكنّ صمود سورية واليمن دفعهم إلى استجداء المعونة وطلب إيجاد المخارج من روسيا وعُمان للخروج بنصف هزيمة ولكن هيهات، فلا بدّ من دفع الأثمان وعليهم أن يأتوا برؤوسٍ صاغرةٍ في موعد التوقيع على الاتفاق النووي والتسليم بنصر إيران وسورية وحلفهما في المنطقة الممتد من روسيا والصين وطهران وبغداد والضاحية وقلب هذا المحور دمشق عند أبواب قصر المهاجرين في دمشق، وعندها ستتم لملمة أوراق المنطقة وترسم خرائطها من جديد، ويصدر الأمر لملوك الرمال: «إلى بيت الطاعة در».
منذ بداية الحرب على سورية كنا نقول إنّ نهاية هذه الحرب ستعلن الرئيس الأسد قائداً لقوات الحرب على الإرهاب في المنطقة وتخليص العالم منه، حيث سيجتمع مجلس الأمن ويصدر قراراً بالحرب على الإرهاب وهذا ماحدث فعلاً بالقرارين 2170 و 2178 بالرغم من كلّ التصعيد الذي حدث معه وبعده والتصعيد الحاصل اليوم وعدم التزام الأطراف به من السعودية وتركيا، بتغطية أميركية وكان هذا متوقعاً وكلّ من كان يظنّ غير ذلك، ففيه من ضروب الغباء ما يكفي أن تلتزم أميركا و«إسرائيل» وأدواتهما به قبل إنجاز الاتفاق النووي مع إيران، وقد آن الأوان لإعلان انتصار المحور ورسم الخرائط الجديدة. فما الذي حدث في جينيف وموسكو وطهران؟
تزامناً مع تصريحات الأوروبي والأميركي عن صعوبة الاتفاق وعن شروط تعجيزية، أتى الردّ من سماحة الإمام القائد علي الخامنئي بلهجة واحدة وقاسية منتصرة، ووضع الخطوط الحمراء ويومها أعلن «الإسرائيلي» نفسه أنّ ما ورد في هذا الاتفاق وفي خطاب السيد خامنئي ما يفهمه أوباما وحده، وكانت في الوقت نفسه، وخلف الكواليس تُكتب الأحرف الأخيرة للاتفاق وبثلاث لغات وتمّ تسلميها لمعاوني وزراء الخارجية ولكلّ الأطراف المتفاوضة، وبدأت تصريحات كيري عن تقدمات بالرغم من وجود صعوبات والكثير من هذه الترهات.
أما ما حدث في موسكو وفتح الباب أمام جوقة الناعقين من الطابور الخامس والنافخين في قُربة تخلي موسكو عن دمشق نتيجة اتفاقاتٍ مع أميركا، فأتتهم الصفعات على التوالي، فالرئيس بوتين يعلن دعمه المطلق لسورية دولة وقيادة، ويعلن لافروف أنه والوزير المعلم مجتمعان لتنفيذ أوامر القيادتين السورية والروسية، ويُعلَن عن بدء الترتيبات لمؤتمر موسكو 3.
لكنّ الأهم هو حديث القيادة الروسية عن تشكيل محور تركيا سورية السعودية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، الأمر الذي أثار شهية المطبلين في الإعلام الأصفر والطابور الخامس على تأكيد وجهة نظرهم في روسيا ونظرية مقايضتها على سورية ومتابعة الحرب الإعلامية والنفسية الغير مسبوقة في الفترة الأخيرة على سورية بتنسيق « إسرائيلي ـ وهابي ـ تركي». ولكن ما هي حقيقة الأمر وما تفسيره؟
في الحقيقة هذا الإعلان هو بمثابة إعلان انتصار دمشق ومحورها في تلك الحرب لعدة نقاط:
أنه لا يمكن أن يتم هذا الإعلان من دون تنسيق أميركي ـ روسي وهذا ليس من باب التنازلات، وإنما من باب الإقرار الأميركي بانتصار سورية بقيادة الرئيس الأسد وانتصار الجيش والشعب السوري والإقرار بشرعية الرئيس الأسد التي طالما تحدث الأميركي وأذنابه من الوهابيين والعثمانين والأوربيين عنها، وأنّ عليه الرحيل، فكيف يقبلون اليوم به حليفاً في الحرب على الإرهاب؟
هذا الإعلان هو إقرار رسمي بنظرية ورؤية الرئيس الأسد للحرب على الإرهاب وتجفيف منابع تمويله ودعمه، وضمّ تركيا والسعودية صاغرتين إلى هذا الحلف عبر بوابة دمشق وتحت قيادة الرئيس الأسد بمباركة أميركية ـ روسية هو تسليم بالنصر السوري وإعادة رسم خرائط إدارة المنطقة من جديد، وتحديد أحجام الخاسرين.
هو الإقرار بأنّ دمشق هي بوابة العبور الإلزامية للحفاظ على الأمن والسلم العالميين، والإقرار بأنّ الحلول في المنطقة وإدارة الملفات فيها صارت مع القطب الروسي، والقطب العالمي الجديد الجمهورية الإسلامية في إيران بشراكة سورية التي أعادت بصمودها رسم معالم العالم الجديد المتعدّد الأقطاب وأثبتت مقولة الرئيس بوتين بأنّ خرائط العالم الجديد ترسم من دمشق.
أيها القارئون ليس يوم نصرنا ببعيد، إيران دولة نووية وتمتلك حقّ الفيتو الخفي من خارج مجلس الأمن أصبح كما الشمس، وسورية دولة مركزية ومحورية في المنطقة والعالم، وروسيا تستعيد أمجاد الاتحاد السوفياتي من روسيا الاتحادية، ومن لم يصدق هذا القول عن روسيا فليقرأ التصريحات الألمانية الأخيرة عن دور روسيا وأهميتها في أوروبا والعالم، وأنه لا يمكن عزلها أو إبعادها عن صنع القرار الدولي.
في نهاية المطاف، وجد الأميركي نفسه ملزماً بطرق باب القصر الرئاسي في دمشق لمحاربة الإرهاب، وأنه، صاغراً، لا بدّ له من العودة إلى تقرير لجنة بايكر ـ هاملتون والذي كانت أهم نقاطه أن أقرّت اللجنة بقدرة سورية وإيران على التأثير في أحداث العراق والمنطقة، وأوصت بمحاولة إشراكهما بصورة بناءة في حلّ مشاكل المنطقة.
وأهم ما أعلنته اللجنة هو إقرارها بأنّ التعامل مع إيران وسورية، وبالرغم من أنه مثار خلاف كبير إلا أننا ومع ذلك نرى أنّ أي أمة من وجهة نظر ديبلوماسية، ينبغي عليها أن تشرك خصومها وأعداءها في محاولة لتسوية النزاعات والخلافات تماشياً مع مصالحها، وعليه فإنّ على المجموعة الدولية إشراك إيران وسورية في حوارها الديبلوماسي من دون شروط مسبقة.
ورأت تلك اللجنة أنّ العلاقات الأميركية مع سورية وإيران تشمل قضايا صعبة يجب أن تُحلّ، لكن ينبغي إجراء محادثات ديبلوماسية مكثفة وموضوعية، تتضمن قدراً من توازن المصالح.