قالت له
قالت له: لو كان الحبّ همّاً يجمعنا لكانت حياتنا أصعب وأشدّ تعقيداً. فليست الأمور الأجمل دائماً هي الأفضل. والفرق بيننا أنّك تبحث عن الأجمل، وأبحث عن الأفضل. فالأجمل أن يكون تعلّق الابن بأمّه وأبيه عرفاناً وبِرّاً بهما حدّ الموت. والأفضل أن يكون قادراً على مواصلة دورة الحياة وتحمّل المسؤوليات. والله اختار له الأفضل لا الأجمل. والأجمل أن تكون النخوة بين الناس حدّ الاستبسال دفاعاً عن مظلوم، وكرماً بلا حدود تعطّفاً على سائل أو محروم. لكنّ الأفضل أن تأتي النخوة بمعايير، وأن يكون الكرم بلا تبذير.
فقال لها: والأفضل لي كان منذ البداية ألّا أكون معك لكنني راهنت على الأجمل وتبعت القلب. لأن لغة العقل أخذتني بعيداً عنكِ نحوها ونحو مكانة أبيها ومال عائلتها ونفوذها ومصالحي. لكنني قلت ما نفع الفضل إن توفّر الأجمل. فكيف وجدت ما بيننا الأفضل إن لم يكن الأجمل قد وجدته عند غيري ولو لسانحة. وهل تعلمين أن الرجل إن قال للمرأة إنها الأفضل لا الأجمل يكون قد أهان أنوثتها. والمرأة إن قالت للرجل إن الحياة معه هي الأفضل لا الأجمل تكون قد أهانت رجولته؟
فقالت: أنت تأخذ الأمور على مساحة الكرامة التي صارت بيننا في حسابي كرامة نفس واحدة. فكرامتك عندي كرامتي، ولا أظنك بخلافي. وحوارنا ليس حوار كرامات وإهانات، إنما تعاقدنا على عيش أفضل وتخلّينا عن وهم الأجمل عشناه لسنوات طوال. أما الأجمل فعيش قصير إلى زوال. وأنا أريدك معي كلّ العمر وأنت تكتفي منّي برقصة الخصر. ومضت تتمتم: أحبك وأريدك لو تفهم… وهو يقول: لو فهمت الحبّ لامتنعت عن قول أمور كثيرة ولو كانت صحيحة!
قالت له: منذ رأيتك وأنت طيف لا يغادرني. لكنني ما أحسست يوماً أنك الرجل الذي يناسبني. فماذا عساك تقول؟
فقال لها: منذ رأيتك ويخالجني الشعور أنّ ما بيننا تقلّب مزاج حادّ يجعلنا دائماً قطبَي مغناطيس. لكنه بمهارة يقلبنا من قطبَي تجاذب إلى قطبَي تنافر في رمشة عين. فأحسك بعضاً منّي أحياناً. ومن يسلخك عنّي يقطع جزءاً من كبدي. وأحسّك أحياناً بعضاً من جلدي الذي آن أوان تغييره.
فقالت: أما أنا فلا تتغير نظرتي بالإعجاب نحوك، ولا يتبدل انجذابي إليك. لكنني أحسّ أنني سأبقى ضعيفة مكسورة الجناح بين يديك. ولأنني فوّارة كنبع متدفّقة كشلال، فالرجل الذي يناسبني على رغم انجذابي إليك، هو الذي يتلقّى طوفاني بين يديه كمشة ماء لا تستقرّ في عزّ الصيف من عطش الشوق إليها. بينما أنت ستحلّلها وتتمحصّ بها لأنك تشعر بالشبع قبل أن تتذوق تكبّراً وتعالياً ورفضاً لانكشاف الضعف. أما بعض جلدك الذي وجب أن يتغير فهو هذه الأنا المغرورة التي رأت في صدق مشاعري قبل التمعّن تطاولاً وتعدّياً، فردت تبتكر صنوف الهوان بلا حساب ولا استئذان. ولو أدركت أنّ المعنى خشية الضعف أمامك لا اكتشاف الضعف فيك، لأعدت حساب الجواب.
فقال: فلنتفق أنك تحسنين الاستفزاز وأنني سريع الاهتزاز. ولكنكِ أثبتِّ قولاً وأنا أثبتُّ فعلاً. وأنت تعتمدين التورية والتخفّي في المعاني ونصب الكمائن في اللغة، وأنا أنهمر فوراً في لعبة المبالغة. فهل تغيّر الطباع الأصول؟
فقالت: إنها تؤخر الوصول!
فقال لها: فلنمضِ برويّة حتى نصل… فكلٌّ منّا بحروفه يغتسل!