تفشل الحرب بسقوط أهدافها
طاهر محي الدين
فشلت الحرب في العراق، فلا تحقق مخطط جو بايدن بتقسيم العراق، ولم يحدث الانقسام السني ـ الشيعي، بل تشكل الحشد الشعبي العراقي العابر للطوائف والملل والقوميات، داعش اليوم من التمدد إلى التبدد في العراق والمنطقة، وقبلها دحر وطرد الأميركي من العراق مذموماً مدحوراً.
وفشلت الحرب في سورية، فلا استطاعوا إسقاط النظام، ولا استطاعوا تنحية الرئيس الأسد، ولم يستطيعوا إشعال الفتنة الطائفية في سورية ولم يسقطوا الجيش العربي السوري، فصمدت الدولة وامتصّت الصدمة وأصبح الجميع في الغرب يقول وبالفم الملآن أنه لا حل في سورية إلا بوجود الرئيس الأسد، ولن يهزم الإرهاب في المنطقة والعالم إلا على طريقة الجيش العربي السوري وحزب الله، وأصبح الجيش العربي السوري هو الأقوى والأكثر خبرة في المنطقة وربما في العالم بالتكيكات والاستراتيجيات، لأنه الجيش النظامي الوحيد في العالم الذي مزج بين تكتيكات وخطط وحروب الجيوش النظامية وحرب المدن والشوراع ومكافحة الإرهاب في آونة واحدة، وأسقط الشعب العربي السوري كلّ محاولات تسعير نار الطائفية البغيضة، وتوحَدَ الدم السوري بكلّ دياناته وطوائفه ومذاهبه، وعُمّدت الوحدة الوطنية السورية بدماء كلّ السوريين.
وفشلت الحرب على إيران أيام صدام حسين، كما فشلت الحرب على إيران بحصار دام أكثر من 35 سنة من الصمود الأسطوري لأبناء الشعب الإيراني، اقتصادياً وعسكرياً وتجارياً ومالياً تقنياً ونووياً، أصبحت إيران خلال هذه السنوات الطويلة من هذا الإرهاب المبطن من أقوى دول المنطقة عسكرياً، وأصبحت تصنع أسلحتها البرية والبحرية والجوية محلياً وصولاً للأقمار الصناعية، وحققت إنجازات علمية هائلة وخرّجت الكثير من العقول والعلماء في المجالات كافة، وتفوقت في مجالات البحث العلمي على جميع الأصعدة من استخدام وتطوير تقنية النانو إلى الأبحاث النووية السلمية، وحتى في المجالات الطبية وتصنيع الدواء، وصولاً إلى إنجازها التاريخي المهم والزلزالي الحاسم في نصرها النووي الكبير، فكيف بها في السنوات المقبلة وهي تمتلك الاقتصاد الذي كان معطلاً، وتصدر عشرة أضعاف ما كانت تصدره من النفط إلى العالم، وتهافت كل الدول لإقامة أفضل العلاقات الاقتصادية معها وفتحِ أسواق آسيا وأوروبا أمامها مشرّعةً واعتراف الغرب بها كدولة أساسية في حلّ مشاكل المنطقة وشريكة أساسية في صنع القرار الدولي.
وسقط مشروع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق، الذي قال إنّ إيران هي ضربة البداية في الحرب العالمية الثالثة التي سيتوجب فيها على «إسرائيل» قتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط.
كيسنجر أضاف في حديث أجراه مع صحيفة «ديلي سكيب» الأميركية: «لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا إلى أهميتها الاستراتيجية لنا خصوصاً أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتهما سيكون «الانفجار الكبير» والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي «إسرائيل» وأميركا، وسيكون على «إسرائيل» القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنّ إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهّزه أميركا و»إسرائيل» لكلّ من إيران وروسيا بعد أن تمّ منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد، لنبني مجتمعاً عالمياً جديداً يكون لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية «السوبر باور»، وقد حلمت كثيراً بهذه اللحظة التاريخية»، ولكن توقيع الاتفاق النووي الإيراني الأخير أتى بمثابة إعلان سقوط كلّ هذه الأهداف، لأنّ توقيع هذا الاتفاق هو إعلان انتهاء الحرب العالمية الثالثة.
كذلك فشلت الحرب في أوكرانيا، وفشل ضرب الحديقة الخلفية لروسيا في خاصرتها، وفشلت كلّ محاولات حصارها وإضعافها وكسب الرئيس بوتين معركة أوروبا من بوابة القرم والغاز وبريكس وشنغهاي وبوابة الصمود السوري العظيم الذي كان العامل الأكبر والأهمّ في ثبات الروسي وقوته ودفعه لعالم متعدد الأقطاب وإسقاط القطبية الأميركية الأحادية، وإقرار اليورو بدور وبمكانة روسيا في أوروبا والعالم والإعلان على لسان الألماني أنه لا يمكن عزل روسيا أبداً ولا يمكن تجاهل دورها في بناء أوروبا والعالم.
وفشلت الحرب في اليمن، فآل سعود والصهاينة ومَن خلفهم ومعهم من الأعراب لم يستطيعوا إيجاد موطئ قدم لهم على أراضي اليمن، بل أصبحت معركة حزم آل سعود اليوم وبالاً عليهم، وهم يحاولون الحفاظ على حدودهم واستعادة ما فقدوه منها مع اليمن، وما خسروه من ولاء بعض العشائر والقبائل الحدودية التي أعلن بعضها شق عصا الطاعة والولاء لآل سعود، كما خسروا حربهم في البحرين وأصبحوا يُستنزفون فيها يومياً، ولم يخمد الحراك الشعبي السلمي لأهل البحرين المظلومين، بل تعرّى نظام آل خليفة وفقد توازنه تماماً، وبدأ القرار الكويتي يتحرّر من التبعية لآل سعود، وبدأت الإمارات بالحوار مع إيران بشكل علني وهم خاسرون أصلاً في سلطنة عُمان، والأهمّ هو صافرات إنذار الإرهاب والتخريب التي بدأت تدوّي في سماء مملكة آل سعود، وآل سعود أنفسهم أدركوا أنّ الوحش الذي استخدموه قد شق الطاعة، وأن البيئة الحاضنة لهذا الوحش التكفيري الإرهابي هي الأكثر خصوبة في العالم، وأنه إذا ما ابتدأت جذوة نار الإرهاب في رمالهم فإنها لن تنطفئ أبداً، لأنهم هم من زرعوا بذارها في أرضهم وجعلوا من شعبهم بيئة حاضنة لهذا الفكر الوهابي التكفيري المجرم، كما خسروا حربهم الكبرى في سورية وعلقوا في منتصف المئذنة وأدركوا أنه الوحيد الذي يستطيع أن ينصب لهم سلالم النزول هو سيد قصر المهاجرين في دمشق الرئيس بشار الأسد.
مما سبق، نجد أنّ كلّ الحروب التي شنت في المنطقة لتفتيت محور المقاومة كرمى لعيون اللقيطة «إسرائيل» قد سقطت بسقوط أهدافها، وقد آن الأوان للتسويات بعد أن ضرب الإرهاب في أوروبا التي حذرها الرئيس الأسد كثيراً بأنّ من يضع العقرب في جيبيه سينال حكماً من لسعه وسمّه، وبأنّ كرة الإرهاب سترتدّ على أصحابها.
وكذلك حال الكيان الصهيوني الذي أصبح تماماً المركب الخاسر والحليف الضعيف الذي أصبح عبئاً تتوجب حمايته من نفسه ومن جنونه بعد أن كان رأس حربة لكل مشاريع الحرب والسيطرة على المنطقة وإخضاعها ونهبها والسيطرة عليها وتفتيتها، فحالها أصبح كما حال آل سعود حيث خسرت بعد حرب تشرين كلّ معاركها في لبنان وغزة وفشلت حتى في فرض هويتها في الجولان، وقد فهمت «إسرائيل» أن زمن تسلطها وعنجهيتها قد ولى واستنفر كل كيانها من معارضة وحكومة على رغم انقسامهم الشديد واختلافهم وأدركوا أنهم بدأوا في مرحلة العد العكسي لمعركة الوجود، وأعلن زعيم المعارضة هرتسوغ ليلة توقيع الانتصار الإيراني أنه أبلغ نتنياهو بأنه وكل المعارضة يقفون إلى جانبه الآن ونحّوا الخلافات جانباً، لأنّ الأمر يتعلق بأمن ووجود دولتهم المزعومة، وهنا لا بد لي من توجيه كلمة لما يسمى بالمعارضة السورية بكل أطيافها بكلمة واحدة:
«إن الوقوف على الحياد أو بصمت في حالة الحرب على الوطن هو خيانة عظمى، فكيف من يعقد مؤتمرات «لمعارضته» في بلدان معادية ومتورطة ومنغمسة بدم أبناء وطنه، ويجتمع مع كل أعداء الوطن ويستجدي التدخل الخارجي العسكري لضرب وطنه وأبناء شعبه، ويسهل لأعدائه انتهاك أرضه وعرضه وتصبح أحلامه تولي كرسي قيادة الوطن أهم من وجود الوطن ذاته».
أيها السادة أسقطت الأهداف، ففشلت الحروب التي شنت لتحقيقها وعجزت عن تحقيق أي شيء غير التدمير وسفك الدم، وهذه لا يمكنها إعلان إلا هزيمة مرتكبيها وسقوط حربهم، فلا تهنوا ولا تحزنوا فنصرنا في محور المقاومة كالشمس التي لا يحجب نورها غربال، ولا يفصلنا عنه إلا صبر ساعة.