حردان: الإعلام سلاح خطير يستخدمه الأعداء للتأثير سلباً على شعبنا ولا بدّ من استراتيجية مضادّة تسهم في تعزيز قدرة مجتمعنا على المواجهة
أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أهمية الدور الذي يضطلع به الإعلام في المعركة القومية التي تخوضها بلادنا المستهدفة بإنسانها وأرضها وحضارتها وحاضرها ومستقبلها، مشدّداً على ضرورة وضع استراتيجية إعلامية مضادّة قادرة على المواجهة، خصوصاً أنّ الجماعات الإرهابية وداعميها يمتلكون الأدوات والإمكانيات التي تجعل إعلامهم سلاحاً خطيراً يوجهون من خلاله رسائل لها تأثير سلبي مباشر على الأفراد والمجتمع.
وفي ورقة عمل قدّمها إلى «المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري» المنعقد في دمشق بتاريخ 24 ـ 25 تموز 2015، دعا حردان إلى بناء إعلام قويّ ومؤثر يساند الدولة السورية في حربها على الإرهاب، مشيراً إلى أنّ انتصار المقاومة الإعلامية يتطلب تطويراً داخلياً للماكينة الإعلامية الحالية لتكون قادرة على تفكيك الماكينة المضادّة، والإسهام في إعداد مجتمع قادر على مواجهة الإرهاب، كما يتطلب جهداً على المستوى الخارجي يهدف بشكل أساسي إلى تكوين رأي عام عربي وعالمي، مطلع على حقيقة ما تتعرّض له سورية ومتضامن معها ومساند لها في حربها على الإرهاب.
واقترح حردان تشكيل «الجبهة الشعبية الإعلامية لمواجهة الإرهاب» لكي تمثل الإطار الشعبي للمقاومة الإعلامية القادرة على التأثير والانتصار، وتثبيت الوحدة الاجتماعية، ويكون دورها الأساسي مسانداً للمؤسسات الإعلامية الخاصة والعامة، والتنسيق ما بين الإعلام السوري ووسائل الإعلام الصديقة، بهدف توحيد الخطاب الإعلامي في هذه المعركة، على أن تتألف هذه الجبهة من مختصّين وتقنيّين عاملين في الشأن الإعلامي داخل سورية وخارجها. ومن المفيد أن يكون لهذه الجبهة غرفة عمليات مركزية من أجل دراسة توجهات الرأي العام العربي والدولي وصولاً إلى رسم استراتيجية إعلامية طموحة تتوافق مع متطلبات المرحلة.
وفي ما يلي النص الكامل لورقة العمل التي قدّمها حردان إلى المؤتمر:
نحو إعلام قوي ومؤثر قادر على مواجهة الإرهاب
يعنينا، بدايةً، أن نوجّه تحية شكر وتقدير لسيادة الرئيس بشار الأسد، ممثلاً بوزير الإعلام السيد عمران الزعبي، على رعايته لهذا الحدث الإعلامي الذي نثق بتحوّله إلى تظاهرة إعلامية ـ ثقافية كبرى تصبّ في خدمة الحقائق الموضوعية التي حاول الإعلام المأجور طمسها طويلاً… كما نحيّي الدور الفاعل الذي اضطلعت به وزارة الإعلام في سورية وعلى رأسها السيد الوزير.
ـ أولاً: الإرهاب سلاح ميداني للحرب على سورية
إنّ الاستراتيجية الأميركية والغربية تجاه أمتنا تنطلق من مخطط قديم يقضي بتقسيم المنطقة إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، ومنع أيّ شكل من أشكال الترابط والتساند الذي قد يشكل ثقلاً استراتيجياً واقتصادياً وعسكرياً، حتى يسهل التحكم بها وبمقدراتها من نفط وغاز. إنّ هذه الاستراتيجية الناعمة التي تعتمد على مشروع التفتيت ظهرت بشكل علني وواضح عام 2006 تحت عنوان «الشرق الأوسط الجديد»، وقد تكون نجحت جزئياً من خلال تقسيم السودان، وإقامة كيان ذاتي في العراق هو إقليم كردستان العراق، وزرع بذور الفتنة الطائفية في العالم العربي لتبديل أولويات الصراع.
إنّ الهدف الأساس لهذه الخطة هو حماية أمن كيان العدو الصهيوني وجعله مستقراً في ظلّ محيط متناحر ومفتّت لا يملك أدنى مقومات المواجهة. ولأنّ سورية لم ترضخ لمشيئة الغرب وأدواته الإقليمية بل عملت على تكريس استقلالها وسيادتها وعلى تحرير أرضها المحتلة، كما دعمت المقاومة في لبنان والعراق وفلسطين، كانت في صميم استهدافات هذا المشروع التفتيتي، فَشُنَّ عليها هذا العدوان غير المسبوق لإسقاطها وتفتيتها وتحويلها إلى دويلات عرقية ومذهبية. إنّ ما تواجهه سورية للعام الخامس على التوالي هو عدوان توسّل مشروعاً متعدّد الأوجه، أُريد له أن يُنفّذ ليستهدف موقع سورية ودورها المحوري المعتمد على نهج الاستقلال السياسي والاقتصادي، والذي عملت على ترسيخه في المنطقة، والرافض لقيام دولة الاستيطان اليهودي.
وبعد أن فشل الغرب والكيان الصهيوني في التطويع السياسي لسورية التي تمثل آخر جبهة عربية تواجه «إسرائيل»، ونتيجة لعدم قدرة العدو «الإسرائيلي» على الاستخدام المباشر للقوة العسكرية بعد هزيمته في عدوان تموز 2006 وفي حربه على غزة عام 2008 وبعد أن ذاقت الولايات المتحدة الأميركية مرارة الفشل في العراق وأفغانستان، عمل الغرب بمشاركة بعض الدول العربية والإقليمية على إذكاء الفتنة المذهبية في سورية وعلى استخدام الإرهاب كسلاح ميداني لتفتيتها. إنّ مهام الجماعات الإرهابية تتمثل في تفعيل الصراع لرسم الحدود الجديدة المتوافقة مع مشروع التفتيت، وضرب الهوية القومية الجامعة.
ـ ثانياً: دور الإعلام المعادي في الحرب على سورية
تحقيقاً لهذه المهام، فقد تمّ دعم وتمويل وتسليح الجماعات الإرهابية وكذلك تسهيل مرورها إلى سورية، كلّ ذلك مترافقاً مع جعل إعلام بعض الفضائيات العربية والأجنبية سلاحاً استراتيجياً مسانداً لها. فأقلّ ما يمكن قوله، إنّ بروباغندا إعلامية تهويلية استهدفت سورية ولا تزال بشكل محكم وممنهج، حيث تقوم بعض القنوات الفضائية، بالتنسيق في ما بينها بهجوم إعلامي منظم على مؤسسات الدولة، ولا سيما مؤسسة الجيش، بهدف ضرب هيبتها وكسر وحدتها، وهي اعتمدت في ذلك أساليب متعدّدة وأشكالاً مختلفة وفقاً للظرف السياسي القائم.
ففي بداية الأزمة تمثل دور الإعلام بشحن الأجواء باستمرار، حيث تصدّرت الدعوة إلى الخروج بتظاهرات يوم الجمعة في سورية عناوين قنوات إخبارية معروفة. كذلك، تمّ «ابتداع» ظاهرة ما يُسمى بـ«الشهود العيان» و«الناشطين» للإيحاء وكأنهم مصادر إعلامية موثوق فيها، يتصدّر أشخاصها شاشات الفضائيات. ومع تطوّر الأحداث، أصبحت الحرب الإعلامية على سورية حرباً بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، يُراد من خلالها تحطيم النفوس والتشكيك بالتزام الجيش السوري بعقيدته العسكرية، حيث تمّ ارتكاب جرائم وحشية بحق المدنيين ومن ثم تسويقها إعلامياً على أنها جرائم قام بها الجيش، والمثال على ذلك، مجزرة الغوطة الشرقية لدمشق الناتجة عن استخدام السلاح الكيميائي من قبل الجماعات الإرهابية. ومع مرور الوقت، بقي الإصرار على إبقاء خبر الأحداث في سورية أولاً، حتى لو كان هناك حدث أكثر أهمية، وبدأت بعض الفضائيات العربية بالبث المسبق لأخبار تتعلق بتنفيذ أعمال إرهابية بهدف الترويج لهزيمة افتراضية ـ بأوهامها وأحقادها ـ وتحويلها إلى هزيمة فعلية.
مما سبق، نستطيع القول إنّ الإعلام المساند للإرهاب بأثره الخطير على سورية لا يقلّ فتكاً وتدميراً عن أسلحة الحرب الميدانية، فنراه يستهدف تغيير أولويات الشعب السوري السياسية، ويبرز ذلك بشكل واضح في العمل على تحويل المواطن السوري عن قضيته الأساسية وتحييده عن أولوية الصراع والمواجهة مع العدو وجعله متجاهلاً لفلسطين باعتبارها بوصلة النضال والجهاد وتشتيت أنظاره عنها وجعل قسم من الشعب يخوض معارك في مكان آخر ومع جهات أخرى رافعاً لشعارات الجهاد بالاتجاه المعاكس لجوهر الصراع المصيري مع العدو الصهيوني.
إنّ تغيير وتبديل تلك الأولويات ليس فقط دور الفضائيات الإعلامية، بل هو في صميم دور الوسائل الإعلامية الخاصة بالتنظيمات الإرهابية. فقد أبدت هذه الأخيرة حرفية عالية في استخدامها لوسائل إعلامها، لا سيما: مجلة «دابق» التي صدرت باللغتين العربية والإنكليزية، استديو «أجناد»، وقناة «الفرقان»، وقناة «الاعتصام» التي تختصّ ببث المعارك في سورية والعراق، وقناة «الحياة» المتخصّصة في إجراء الحوارات التلفزيونية، إلى جانب إذاعة «البيان» التي تبث في الموصل والأنبار في العراق والرقة في سورية وعلى شبكة الانترنت. وفي إطار استعانة التنظيمات الإرهابية بوسائل الاتصال الحديثة يشير نشاطها على شبكات التواصل الاجتماعي إلى امتلاكها لاستراتيجية تسويق الكتروني على درجة عالية من التنسيق والتخطيط ووجود فرق عمل إعلام اجتماعي متخصّصة.
ـ ثالثاً: مقترحات لتفعيل الإعلام المقاوم في سورية
بناء على ما تقدّم، يمكن التأكيد بأنّ الإعلام بات يمثل سلاحاً خطيراً في يد الإرهابيين، الذين بات بمقدورهم توجيه رسائل لها تأثير سلبي مباشر على الأفراد والمجتمع، مما يؤكد ضرورة وضع استراتيجية إعلامية مضادّة قادرة على المواجهة. وهنا يبرز السؤال الأهمّ: كيف نبني إعلاماً قوياً ومؤثراً ومسانداً للدولة السورية في حربها على الإرهاب؟
إنّ اعتماد هذا النوع من الإعلام المقاوم لا يمكن أن يتمّ إلا بعد تحديد أمرين أساسيين، أولاً: الدور المنوط به وهو الإسهام في إعداد مجتمع قادر على مواجهة الإرهاب، ثانياً: طبيعة خطابه الإعلامي الذي يجب أن يتضمّن نقاطاً عدة أهمها: التأكيد على فكرة الاستقلال السياسي والاقتصادي لسورية ووحدة أراضيها التأكيد على أهمية فكرة الدولة المدنية الجامعة والضامنة لوحدة المجتمع التأكيد على ثقافة المقاومة لأعداء الخارج والداخل وأخيراً التأكيد على أنه مهما اختلفت أشكال المعركة يبقى الصراع الأساسي مشدوداً إلى فلسطين.
إضافة إلى تحديد دور الإعلام وطبيعة خطابه، فإنّ انتصار المقاومة الإعلامية لسورية يتطلب تطويراً داخلياً للماكينة الإعلامية الحالية لتكون قادرة على تفكيك الماكينة المضادّة. إنّ هذا الأمر يبدأ بإعادة هيكلة الكادر الإداري لوسائل الإعلام السورية ورفده بطاقات إعلامية شابة ولديها خبرات وخطط جديدة، وذلك من خلال تغليب معايير الكفاءة المهنية على أيّ اعتبار آخر. كما أنّ تطوير آلية المواجهة للإعلام السوري المقاوم لا يتمّ فقط من خلال وسائل إعلام القطاع العام، بل يجب تسهيل إنشاء وسائل إعلام خاصة متنوعة الاختصاصات، وهذا أمر يؤدّي حتماً، نتيجة المنافسة، إلى رفع معدلات الاستثمار في القطاع العام واجتذاب الكفاءات الوطنية، والأهمّ إغناء الساحة الإعلامية وخلق منافسة مشروعة تحفز الإعلام الرسمي على التطوير والتغيير. يُضاف إلى ذلك، ضرورة جعل الإعلام الحالي أكثر مصداقية وردّ الاعتبار إلى ثقة المواطن به، وذلك عن طريق نقل الأحداث كما هي وبطريقة مهنية ذكية لا تؤثر على معنويات الجيش والمواطن. الأمر الأخير الذي لا بدّ منه لرفع منسوب أداء الإعلام السوري يتمثل في جعله أكثر تعبيراً عن هموم الموطن وحاجاته الاقتصادية والاجتماعية اليومية.
وكما يتطلب انتصار المقاومة الإعلامية لسورية تطويراً على المستوى الداخلي، يتطلب أيضاً جهداً على المستوى الخارجي. إنّ هذا الجهد الخارجي يهدف بشكل أساسي إلى تكوين رأي عام عربي وعالمي، مطلع على حقيقة ما تتعرّض له سورية ومتضامن معها ومساند لها في حربها على الإرهاب. إنّ هذا الأمر يترسّخ ويتسع أفقه عبر التفاعل مع الإعلام الصديق المتواجد في بعض الدول العربية، كذلك من خلال إنشاء فضائية ناطقة باللغة الإنكليزية قادرة على مخاطبة الضمير العالمي وجعله أكثر فهماً وتعاطفاً مع المسألة السورية، أخيراً والأهمّ من خلال إنشاء «جبهة شعبية إعلامية لمكافحة الإرهاب»، يكون نطاق عملها الوطن والمغتربات.
إنّ «الجبهة الشعبية الإعلامية لمواجهة الإرهاب» المقترح إنشاؤها تمثل الإطار الشعبي للمقاومة الإعلامية القادرة على التأثير والانتصار، وتثبيت الوحدة الاجتماعية، ويكون دورها الأساسي مسانداً للمؤسسات الإعلامية الخاصة والعامة، والتنسيق ما بين الإعلام السوري ووسائل الإعلام الصديقة، بهدف توحيد الخطاب الإعلامي في هذه المعركة. وتتألف هذه الجبهة من مختصّين وتقنيّين عاملين في الشأن الإعلامي داخل سورية وخارجها. ومن المفيد أن يكون لهذه الجبهة غرفة عمليات مركزية من أجل دراسة توجهات الرأي العام العربي والدولي وصولاً إلى رسم استراتيجية إعلامية طموحة تتوافق مع متطلبات المرحلة.
خلاصة
إننا، إذ نأمل من القيّمين على المؤتمر تطوير هذه الفكرة، يهمّنا هنا أن لا يعتبر ما تقدّم من مقترحات تقليلاً من أهمية الإعلام السوري الذي لعب دوراً بارزاً على مستويات عدة، حيث خصّص مساحات إعلامية كبيرة لتقديم تطورات ما تشهده البلاد من حوادث إرهابية، وأبرزَ تضحيات الجيش وسائر القوى التي تقاتل إلى جانبه في مواجهة العمليات الإرهابية، وكشف زيف بعض وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، التي حرّفت الحقائق، وقدّمت معالجة غير مهنية لأبعاد المعركة في سورية، وأبرز طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية التي استهدفت استقرار سورية وأمنها، وعكست وسائل الإعلام السورية استنكار الرأي العام لأعمال الإرهاب التي استهدفت المجتمع ومقدراته.
ختاماً، نأمل لهذا المؤتمر النجاح في وضع النقاط على حروف عرقل الأعداء على بعض مواطنينا قراءتها بوعي ووضوح. كما نأمل للتوصيات التي ستصدر عن المؤتمر أن يُصار إلى متابعتها وتنفيذها عبر آلية علمية وعملية.