الطائف… الإصلاحات السياسية

حسين ماجد

تتابع «البناء» نشر دراسة الأستاذ حسين ماجد عن اتفاق الطائف، وفي هذه الحلقة يتناول الكاتب الإصلاحات السياسية…

أ – مجلس النواب: مجلس النواب هو السلطة التشريعية، يمارس الرقابة الشاملة على سياسة الحكومة وأعمالها.

1 ـ ينتخب رئيس المجلس ونائبه لمدة ولاية المجلس.

2 ـ للمجلس ولمرة واحدة، بعد عامين من انتخاب رئيسه، ونائب رئيسه، وفي أول جلسة يعقدها، أن يسحب الثقة من رئيسه أو نائبه، بأكثرية الثلثين من مجموع أعضائه، بناء على عريضة، يوقعها عشرة نواب على الأقل، وعلى المجلس في هذه الحالة أن يعقد جلسة لملء المركز الشاغر.

3 ـ كلّ مشروع قانون، يحيله مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، بصفة المعجل، لا يجوز إصداره إلا بعد إدراجه في جدول أعمال جلسة عامة، وتلاوته فيها، ومضيّ المهلة المنصوص عنها في الدستور، دون أن يبت به، وبعد موافقة مجلس الوزراء.

4 ـ الدائرة الانتخابية هي المحافظة.

5 ـ إلى أن يضع مجلس النواب، قانون انتخاب، خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية، وفقاً للقواعد الآتية:

ـ بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.

ـ نسبياً بين مذاهب كلّ من الفئتين.

ـ نسبيا بين المناطق.

6 ـ يزاد عدد أعضاء مجلس النواب إلى 108 مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، أما المراكز المستحدثة، على أساس هذه الوثيقة، والمراكز التي شغرت، قبل إعلانها، فتملأ بصورة استثنائية، ولمرة واحدة، بالتعيين من قبل حكومة الوفاق الوطني المزمع تشكيلها.

7 ـ مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.

من المفيد الإشارة إلى أنّ جميع هذه البنود أعلاه، قد أصبحت موادّ دستورية بتاريخ 21 أيلول من العام 1990، وأنها أيضاًً بمعظمها، تتحدّث عن قضايا تنظيمية، وإجرائية، وإدارية، يمكن إصدارها بقوانين، ومراسيم، وأنظمة داخلية، لأنّ الدساتير تضعها الشعوب لتحمي نفسها من الحكام، وتضمن حرياتها، وكراماتها. ولا بدّ من الإشارة أيضاً، الى عدم تحديد طائفة، أو مذهب رئيس المجلس، الذي جرت العادة ان يكون شيعياً، بحكم الميثاق الوطني، الذي قضى بتوزيع الرئاسات الثلاثة، على الطوائف، وفقاً لحجمها الديموغرافي، استناداً إلى إحصاء العام 1932، مع العلم انّ نتائج هذا الإحصاء، تقضي بأن تكون رئاسة مجلس النواب للطائفة السنية، موارنة 8.28 في المئة، سنة 4.22 في المئة، شيعة 6.19 في المئة، ورئاسة مجلس الوزراء للطائفة الشيعية، مع العلم انّ عدد السكان 785543 نسمة، 2.51 في المئة مسيحي، و4.48 في المئة مسلم. أما كون مجلس النواب هو السلطة التشريعية، فيستوجب أن يكون هو شرعياً أولاً، وكونه يمارس الرقابة على الحكومة، يستوجب أن يكون خارجها، ومستقلاً عنها. وليس شريكاً لها، كما حصل في الشركة الثلاثية الطائفية التي كانت تتقاسم «العائدات» بعدالة ومساواة.

1 ـ ينتخب رئيس المجلس ونائبه لمدة ولاية المجلس، من دون ذكر للنصاب المطلوب للاجتماع، والنسبة المطلوبة للفوز ومدة الولاية وإمكانية تجديد الولاية وشروطها.

2 ـ لماذا لا يحق أن تسحب الثقة، إلا بعد عامين ولمرة واحدة، ولماذا بالثلثين؟

3 ـ يشير هذا البند إلى أنه يمكن للمجلس أن يعطل إصدار القانون بصفة المعجل من خلال «عدم ادراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته فيها». ولم تحدّد المدة للمجلس النيابي لدراسة مشروع القانون بصفة المعجل.

4 ـ الدائرة الانتخابية هي المحافظة. وقد رأينا الدوائر الانتخابية التي اعتمدت، ومدى التقيّد بهذا البند واحترامه.

5 ـ انّ عدم تحديد تاريخ لوضع قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، يكرّس بقاء القواعد المذكورة، ويضعها تحت رحمة المتغيّرات الديموغرافية للطوائف من جهة، وتطلعات الأجيال المقبلة من جهة أخرى، مع الإشارة إلى اعتماد التساوي بين المسيحيين والمسلمين، وهذا يمكن فهمه، وتفهّمه أيضاً، أما اعتماد النسبية بين طوائف كلّ من الفئتين، فيجب توضيحه وتحديد مسوغات هذا التوزيع، وهل يعتبر الأرمن طائفة؟ وكيف تحسب حصتهم؟ أما النسبية بين المناطق، فهي الأكثر غموضاً، من حيث الجغرافيا، ومن حيث الكثافة السكانية، ومن حيث التطبيق، ومن حيث تمايزها عن مفهوم المحافظة وما الفرق بين المنطقة والمحافظة، وعلى سبيل المثال نائب واحد لكلّ 41 ألف ناخب في قضاء النبطية، و32 ألف في عكار، و19 ألف في بيروت الأولى، و18 الف في قضاء كسروان. وعلى سبيل أخذ العلم، لقد دلت بعض استطلاعات الرأي انّ 77 في المئة من اللبنانيين مع إلغاء الطائفية السياسية، مقابل 14 في المئة فقط، مع بقائها، وانّ 33 في المئة من اللبنانيين مع العلمنة الشاملة، مقابل، 55 في المئة يرفضونها.

6 ـ من المبرّر أن يزاد عدد النواب، ولكن من غير المبرر، وقد حصل، أن تتمّ هذ الزيادة بتعيين 55 نائباً، أكثر من النصف العدد 108 نواب وأن يفرض ذلك على حكومة «وفاق وطني» لم تكن موجودة، وسيتمّ تشكيلها لاحقاً. وقد تمّ تعيين النواب المحظوظين بتاريخ 7 حزيران، في العام 1991.

7 ـ أما مجلس الشيوخ الذي علقت ولادته، بولادة «مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي»، والذي ستتمثل فيه جميع العائلات الروحية، كان قد أبصر النور، في العام 1926، ودفن في العام 1927، أيام الاستعمار «الانتداب» الفرنسي، وبما انّ ولادة، مجلس النواب، مجهولة التاريخ، فإنّ ولادة مجلس الشيوخ مستحيلة، خاصة اذا كان مجلس النواب مصاباً بالعقم، وبالمناسبة، لا بد من معرفة الفرق بين «العائلات الروحية» و«الطوائف».

ب ـ رئيس الجمهورية: رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، ويمارس الصلاحيات الآتية:

1 ـ يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يصوّت.

2 ـ يرأس المجلس الأعلى للدفاع.

3 ـ يصدر المراسيم ويطلب نشرها. وله حق الطلب الى مجلس الوزراء إعادة النظر في أيّ قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. فإذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المتخذ أو انقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته يعتبر المرسوم أو القرار نافذاً حكماً ووجب نشره.

4 ـ يصدر القوانين وفق المهل المحدّدة في الدستور ويطلب نشرها بعد إقرارها في مجلس النواب، كما يحق له بعد إطلاع مجلس الوزراء طلب إعادة النظر في القوانين ضمن المهل المحدّدة في الدستور ووفقاً لأحكامه، وفي حال انقضاء المهل دون إصدارها أو إعادتها تعتبر القوانين نافذة حكماًً ووجب نشرها.

5 ـ يحيل مشاريع القوانين، التي ترفع إليه من مجلس الوزراء، إلى مجلس النواب.

6 ـ يسمّي رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً

على نتائجها.

7 ـ يصدر مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء منفرداً.

8 ـ يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة.

9 ـ يصدر المراسيم بقبول استقالة الحكومة أو استقالة الوزراء أو إقالتهم.

10 ـ يعتمد السفراء ويقبل اعتمادهم. ويمنح أوسمة الدولة بمرسوم.

11 ـ يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح نافذة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب.

12 ـ يوجه عندما تقتضي الضرورة رسائل إلى مجلس النواب.

13 ـ يدعو مجلس النواب بالاتفاق مع رئيس الحكومة إلى عقد دورات استثنائية بمرسوم.

14 ـ لرئيس الجمهورية حق عرض أيّ أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال.

15 ـ يدعو مجلس الوزراء استثنائياً كلما رأى ذلك ضرورياً بالاتفاق مع رئيس الحكومة.

16 ـ يمنح العفو الخاص بمرسوم.

17 ـ لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى.

هذه الفقرات، الكثيرة العدد، القليلة النفع، قد أدرجت، دون تعديل، في صلب الدستور اللبناني. ومن يقرأ مضمون ما سمّي «صلاحيات» ويطلع على كيفية ممارستها، يعترف أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية «الماروني»، قد أسر، وسجن في «الطائف» وتمّ تجريده من صلاحيته، وفككت السيطرة المارونية السياسية، التي حكمت البلاد ما يقارب السبعين عاماً، محتكرة السلطات الثلاث لمدة عشرين سنة «1922 ـ 1943 بعيش منفرد»، وتحت راية ميثاق «عيش مشترك» لمدة 47 سنة.

وبهذا الإنجاز يكون «الطائف» قد حقق أحد أهدافه السياسية، الرئيسية، والباقي تفاصيل، لتبرير هذا الإنجاز، والحفاظ على المكتسبات، بالإضافة الى وقف التقاتل.

مجلس نواب لا شرعي، نصفه معيّن ونصفه ممدّد، بإشراف ومؤازرة دول تئد الديمقراطية، وتسلب الحريات، تمكنوا

من السطو والانتصار على لا شرعية أخرى أوجدها وحماها الاستعمار، وكان ذلك بفضل نظام طائفي جلب للوطن الخراب والفرقة والدمار، وبغفلة من شعب أنهكته الحرب، وبفضل ميثاق مسموع، غير مطبوع، لم تدركه العقول، ولم تتمتع برؤيته الأبصار، فأخذت اللاشرعية الجديدة ذلك بعين الاعتبار، ووثقت كتابة وقراءة ميثاقاً لـ«العيش المشترك» معلنة التوازن بين الطوائف، بما يؤمّن لها الغلبة والاستمرار، وسعت إلى ترسيخه في العقول والنفوس، والدستور، وبحماية الأخوة العرب.

رئيس الجمهورية، تنص الوثيقة، هو رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، مما يعني انّ الرئيس القائد، يخضع لمجلس الوزراء، أو أنه دون صلاحيات. وتقول الوثيقة

أيضاً ان «الرئيس يسهر على احترام الدستور و…» والسؤال البديهي، كيف يكون ذلك؟ وهل الاحترام يقصد به التقيّد

والالتزام؟ وكيف تتمّ المحافظة على استقلال لبنان و…؟ أوليس ذلك واجب، وحق كلّ الشعب اللبناني؟ لا حارس بلا سلاح، حتى البواب يحتاج إلى مفتاح.

من الممكن تصنيف هذه «الصلاحيات» كما يلي:

أولاً: مهام وأعمال إدارية، روتينية، وطارئة، وضرورية، لا تتقبّلها الوثائق الوطنية، والدساتير، ويأبى القيام بها، القائد،

والرئيس، «يوجه الرسائل، يحيل المشاريع، يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد، يعتمد السفراء، يرأس، ويترأس الاجتماعات، يتولى، حق العرض، الخ…»

ثانياً: تبلغ، وإطلاع، وإبداء رأي غير ملزم، يصدر القوانين، والمراسيم، والقرارات، ويطلب نشرها، ويحق له إعادتها. المراسيم والقرارات التي يتخذها مجلس الوزراء، تعتبر نافذة، ويمكن نشرها، بموافقة رئيس الجمهورية، أو بدونها، حتى لو

كانت تنال من الدستور ولا تحترمه، ولا تحترم الرئيس أيضاً. والسؤال هو، بأيّ منطق، وبأيّ شرع، وتشريع، تصدر قوانين

ومراسيم وقرارات، دون موافقة رئيس الجمهورية، رئيس الدولة، وكيف ستستقيم أمور هذه الدولة؟

ثالثاً: مشاركة معطلة، دورها مزدوج، سلباً أحيانا، وايجاباً، أحياناً أخرى… تسمية رئيس الحكومة، تشكيل الحكومة. المفاوضات لعقد المعاهدات الدولية، دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد. جميع هذه القضايا، يحتاج بعضها، للتوافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وبعضها للتشاور بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب. ومن المفيد التوقف عند الفقرة السادسة التي تنص على تسمية رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس المجلس النيابي استناداً الى استشارات نيابية ملزمة. والسؤال هو، هل الاستشارات النيايبة، ملزمة بالشكل أو بالنتيجة؟ فإذا كانت بالشكل، يمكن متابعتها مع رئيس المجلس النيابي، وقرار تسمية رئيس الحكومة يكون بيد رئيس الجمهورية، وإذا كانت نتيجتها هي الملزمة، فلا مبرّر لإجرائها، ولينتخب مجلس النواب رئيساً للحكومة. لأنّ ما يحصل هو إعلان، كلف به الرئيس منفرداً. وتواقيع رئيس الجمهورية على بقية الأمور ضرورية، وغير كافية.

رابعاً: صلاحيات خاصة بالرئيس، وتنحصر في الفقرتين 10 و 16… يعتمد السفراء ويقبل اعتمادهم، ويمنح أوسمة الدولة بمرسوم، و يمنح العفو الخاص بمرسوم.

أخيراً، انّ الفقرة الأخيرة لـ«صلاحيات» الرئيس، تعتبر ان لا تبعة عليه حال قيامه «بوظيفته»، ولم تقل ممارسته لسلطته، أو لصلاحيته، فأين هو القويّ، القادر على هذا الحمل؟

وإلى اللقاء لمتابعة الإصلاحيات السياسية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى