الدهشة… المبطنة بالغضب
د. سلوى الخليل الأمين
لم يكن مفاجئاً لمن آمن بدور سورية القومي المقاوم، هذا التسونامي البشري من أبناء سورية المقيمين على الأراضي اللبنانية، الزاحفين في اتجاه سفارة بلدهم الواقعة في منطقة بعبدا-اليرزة، للمشاركة في انتخابات الاستحقاق الرئاسي، مصرّين رغم المعوّقات المرورية واللوجستية على الإدلاء بأصواتهم المعبّرة عن انتمائهم الوطني والقومي، مختارين الرئيس بشار الأسد قائداً لسورية الأمن والأمان.
أرادوها بالفعل رسالة واضحة ومباشرة إلى حكام العالم جميعاً، تحديداً إلى من لا يريد أن يفهم منهم، أو من لا يريد أن يستوعب، وإلى سائر المتآمرين على وحدة سورية الشعب والجيش والقيادة، في إشارة واضحة إلى أنّ قوة سورية من قوة شعبها المؤمن بدولته، التي ما زالت ثابتة ومتراصة في وجه المؤامرة الكونية الشرسة، ولا يمكن الرهان على تفكّكها وانهيار مقاومتها وصمودها، لا قبل ولا بعد، فمن رسم المؤامرة وأعدّها ونفذها تدميراً لسورية البشر والحجر، أصابته الدهشة المبطنة بالغضب وهو يراقب الزحف الشعبي السوري إلى السفارات السورية في لبنان والعالم قاطبة، رافعاً الصوت عالياً ضدّ العصبيات الطائفية والمذهبية كافة، وجميع الأشكال التقسيمية والتفتيتية للأرض السورية، فهي في نظرهم منظومة دولية تآمرية، هدفها تدمير البنية الوطنية للشعب السوري الذي أفشل المخططات كلّها الآيلة إلى القضاء على صمود المواطن السوري الرافض الإملاءات الخارجية الأميركو ـ صهيونية المبطنة بالارتهان والغدر والخيانات الموصوفة.
لهذا كله مشى السوريون في لبنان على درب جلجلة القهر والمعاناة والغضب إلى سفاراتهم، معلنين الرفض المطلق والصريح لجميع المتعاملين على تدميرها تحت شعارات الديمقراطية والحرية والإصلاحات وحقوق الإنسان المفبركة، التي تجلت في مسار الاستحقاق الرئاسي بحقيقتها المحلية الوطنية، لا المستوردة زوراً وبهتاناً، من خلال حشود المواطنين السوريين المحتشدين في تظاهرات وطنية، مؤيدة ومجدّدة العهد والوفاء للرئيس الدكتور بشار الأسد، الذي باصمين اسمه بالدم المنثال من أصابعهم، إيماناً بقدراته القيادية الوطنية وصموده الجبار، خاصة في المرحلة الصعبة من الزمان الصعب، وسيظهر لاحقاً أنّ كلّ رهان على سقوط الدولة وقائدها مُنيَ بالفشل، فالشعب السوري ما زال ملتفاً حول قيادته وجيشه بصبر القادر على امتلاك القوة في مجابهة الغدر والخيانة، وكلام المنمنمات المطعّمة بالزيف، فهو وحده يملك الكلمة الفصل المكللة بالنصر القريب والأمن والأمان، ولا يمكن التفاوض بشأن إسقاطه من الأجندات الوطنية.
اليوم تحديداً، يوم الاستحقاق الرئاسي السوري الكبير، اليوم التاريخي المفصلي، ليس بالنسبة إلى سورية وشعبها الصابر المقاوم فحسب، إنما لانتصار خط المقاومة ضدّ «إسرائيل»، وضدّ قوى الاستكبار العالمي، وضدّ كلّ من حاول وما انفك يحاول طمس القضية الفلسطينية وطمرها في غياهب النسيان. اليوم سيثبت الشعب السوري مجدداً أنه سيفاجئ العالم ثانية بنتائج الانتخابات المرضية لطموحاته المستقبلية التي لم تستطع قوى الشرّ تغييرها أو شطبها، فقناعاته العقائدية الوطنية والقومية والعروبية صلبة لا تلين ولا تصدأ مع مرور الزمن، رغم المآسي التي حلّت ببلده منذ ثلاث سنوات ونيّف بعد عقود من العيش بسلام واطمئنان في ظلّ دولة آمنة ومستقرّة وفّرت له الطمأنينة والعيش الكريم والتواصل اللاطائفي في وطن تعدّدي لم يعرف شعبه المذهبية البغيضة ولن يعرفها مهما حاولوا دقّ إسفين الشرذمة والتفرقة في بعض النفوس الضعيفة التي لا تقيم وزناً للهوية الوطنية وللمعاني الكبيرة للانتماء إلى الوطن.
إنّ من يدّعي الديمقراطية لا يمكن أن يتجاهل حرية الشعوب في اختيار قادتها وممثليها، فثقافة الاختيار هي الفعل المؤطر في حيثيات مضامين الحرية التي تتشكل منها آليات النظم الديمقراطية، هذا إذا افترضنا أنّ لهذه النظم وجود على مساحة الكرة الأرضية. فأيٌّ من شعوب العالم لا يذكر الحربين العالمية الأولى والثانية وقنبلة هيروشيما وناغازاكي، وتهجير الفلسطينيين من وطنهم عبر وعد بلفور، والدعم الغربي المطلق لبني صهيون في احتلال فلسطين، ومن ثم تقسيم الاتحاد السوفياتي، والانتفاضات المسمّاة «ربيعية» والممتدّة طولاً وعرضاً من منطقة إلى أخرى عبر العالم العربي، ومعامل السلاح التي تضخّ إنتاجها المدمّر لقتل البشر وتهديم الحجر… كلّ هذا كلّه يحصل باسم الديمقراطية والحرية والسيادة، والأمر بعيد تماماً عن تكريس هذه المفاهيم بمعانيها المدركة حوليات الزمن المتبدل والمتغيّر. فالقمع صفة من صفات الحاكم الكوني المتسلّط والمتجبّر، الذي لطالما اعتبر نفسه ظلّ الله على الأرض، منذ قيام البشرية ولتاريخه المعبأ بالتحشيد الطائفي والمذهبي والإنساني المعطوف على الحقوق المهدورة لفئات دون أخرى، كأنّ الثروات الطائلة التي تفجّرت ينابيعها في ليالي الغفلة هي حق لفريق دون آخر، علماً أنّ الناس أجمعين عيال الله بل عيال الدولة العادلة القائمة على ممارسة سلطاتها بالعدل والقسطاس من دون تمييز أو تفرقة.
إنّ الاستحقاق الرئاسي السوري اليوم هو استحقاق المدّ المقاوم والعروبة العائدة على بساط الصمود والتصدي والصبر والثبات، لذا لن يتوانى المواطن السوري عن قول كلمته بحرية تامة كي يثبت مجدداً لحكام أميركا ومَن معهم ومَن وراءهم أنه الشعب العربي الوحيد الجدير بصناعة الحياة الحرة الكريمة.