نهاية أردوغان ودخول تركيا فوضى غير خلّاقة
غسان يوسف
لم يكن انخراط تركيا في الحرب على داعش مفاجئاً لأي متابع لمواقف حزب العدالة والتنمية. الحزب الذي مُني بهزيمة في السابع من حزيران الماضي أراد بهذه الحرب المعلنة أن يصرف الأنظار عن فشله الواضح في تشكيل الحكومة، وفي الوقت نفسه توجيه البوصلة إلى داعش كمنظمة إرهابية فقط، وتنمية وتقوية المنظمات الإرهابية المتطرفة الأخرى كجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من المجموعات التي تنضوي في تحالف ما يسمى جيش الفتح وغيره من منظمات إرهابية أخرى كجيش الإسلام وأجناد الشام وأكناف بيت المقدس الخ…
مشكلة أردوغان أنه يريد من عمله العسكري هذا ضرب أعدائه الثلاثة وهم:
الدولة السورية ممثلة بشخص الرئيس بشار الأسد الذي يعتبره أردوغان العدو رقم 1 لأنه – أي الرئيس الأسد – أثبت الشجاعة والجدارة في مقاتلة حلف التعصب والتمذهب الذي يقوده أردوغان والذي صرح عنه في أكثر من مناسبة، حيث اعتبر فوزه في الانتخابات انتصاراً لكل عواصم المنطقة، وذكر بالاسم كلاً من دمشق وبيروت القاهرة وبغداد.
العدو الثاني لأروغان هو الشعب الكردي بجميع مكوناته، لأن الأكراد أثبتوا أنهم الأقوى على الأرض في مواجهة الإرهاب التكفيري الأردوغاني كداعش والنصرة وغيرهما من مرتزقة الأرض، وفي الداخل التركي شكل فوز حزب الشعوب الديمقراطي ذي الصبغة الكردية صدمة لأردوغان لم يستفق منها حتى اللحظة.
العدو الثالث هو القوى اليسارية والعلمانية التي ترى في أروغان شخصاً متعصباً رجعياً يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء.
ومن هنا، كان إعلان أردوغان الحرب على داعش مقترناً بإعلان الحرب على حزب العمال الكردستاني، ما أنهى هدنة مع الأكراد استمرت لسنوات، ضارباً بعرض الحائط المفاوضات التي أجريت مع الزعيم الكردي المسجون عبد الله أوجلان.
ما يمكن قوله إن أردوغان أدخل تركيا نفقاً طويلاً، الخروج منه لن يكون إلا من خلال احتمالين. الأول: تشكيل حكومة جديدة تكون مهمتها وقف التدخل في الشؤون السورية والعودة إلى اتفاق أضنة والعمل ضمن خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي التعاون مع الحكومة السورية في القضاء على الإرهاب الذي يهدد تركيا كما يهدد سورية.
الثاني: دخول تركيا فوضى عارمة من التظاهرات والتفجيرات المتلاحقة وعمليات كردية وإسلامية ضد الجيش التركي لن تنتهي إلا بتنحي أردوغان نفسه سواء بانقلاب أو بإحالته على المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، ما يعيد إلى الأذهان نهاية رئيس الوزراء التركي الأسبق في العقد السادس من القرن الماضي عدنان مندريس وبالتالي غياب حزب العدالة والتنمية الإخواني عن المشهد السياسي كاملاً.
قد يقول البعض إن اتصال الرئيس الأميركي بالرئيس التركي قبل إعلان تركيا الحرب على داعش والأكراد هو إعلان صفقة بين الاثنين فحواها إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن المناطق التي سيطرد منها داعش ستكون آمنة، قد يكون هذا صحيحاً، لكن المؤكد أن تركيا وبأي عمل تقوم به سواء مهاجمة حزب العمال الكردستاني، أو إقامة منطقة عازلة في شمال سورية بإيحاء أميركي، أو محاربة داعش، فهذه خطوات ستكون منقوصة وخائبة لأن أردوغان نفسه حوّل جمهور حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه إلى داعش آخر، ولكن بطقم وكرافات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تمرد داخلي من دواعش حزب العدالة والتنمية وهذا ما لم يحسبه رجب أردوغان.
الشيء المؤكد أن تركيا دخلت فوضى غير خلّاقة وأن العد التنازلي لأردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية قد بدأ.