الاتحاد الأوراسي: موسكو العاصمة
عامر نعيم الياس
وقعت روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان اتفاقية الاتحاد الأوراسي الاقتصادي، وهو التجمّع الأكبر للدول المكوّنة للاتحاد السوفياتي بنسخته الأولى، والتي تسمى اليوم رابطة الدول المستقلة الكومنولث. وتمتلك الدول الموقعة على الاتفاقية إمكانات اقتصادية كبرى لعلّ أهمّها غناها بالمواد الأولية وموارد الطاقة الضخمة في عالم يتنازع حول خطوط نقل الطاقة والسيطرة على أماكن وجودها.
يدخل الاتحاد حيّز التنفيذ في الأول من كانون الثاني عام 2015، ويتوقع خلال الفترة المقبلة انضمام أرمينيا وقرغيزستان له، ما يوسّع من تأثيره في عالم مختلف عن ذاك الذي ساد خلال العقدين الماضيين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي، فهل نحن أمام «الاتحاد السوفياتي 2» بحسب لوموند الفرنسية؟ هل يشكل الاتحاد الأوراسي أحد أدوات الردّ الروسي على التدخل الوقح للبيت الأبيض في أوكرانيا ذات الـ45 مليون نسمة وثاني أكبر دولة مكوّنة للاتحاد السوفياتي السابق بعد روسيا الاتحادية؟ هل يشكل الاتحاد مركز ثقل مواز للسيطرة الاقتصادية الأميركية ومنافساً للاتحاد الأوروبي وشركائه في شرق أوروبا بعد الأزمة الأوكرانية؟
«لوموند» الفرنسية ترى «أنّ أحلام الرئيس الروسي وطموحاته أصبحت مبتورة بعد أوكرانيا، فمع اتحاد من ثلاث دول ناتجها المحلي أقلّ من إجمالي الناتج المحلي لبريطانيا وفرنسا بحسب معطيات صندوق النقد الدولي لعام 2013» هذا الاتحاد لا يمكنه التأثير والضغط في أوروبا وشريكها الأميركي والتلويح بعصا السوفيات.
على الجانب الآخر وفي مواجهة الإنكار الأوروبي المستمدّ من الإصرار الأميركي على التقليل من أهمية روسيا على الساحة الدولية، تجدر الإشارة إلى عوامل القوة التالية التي يملكها الاتحاد:
التكامل الاقتصادي وتنوّع مصادر الطاقة والسيطرة على طرق إمدادها في المجال الحيوي لموسكو، فكازاخستان تملك النفط والغاز في بحر قزوين، وبيلاروسيا تملك المنتجات الزراعية والبوتاس، أما روسيا فلديها الغاز والنفط والاستثمارات الدولية الموازية لمنتجات هذين القطاعين.
الاتفاق يترك الباب مفتوحاً أمام من يرغب من دول الإقليم للانضمام، مسألة يبدو أنها تحصيل حاصل، فعلى سبيل المثال فإنّ 40 في المئة من الناتج المحلي القرغيزي يرتبط بروسيا التي تشكل نقطة جذب لعمالة هذه الدول.
يشمل الاتفاق التزام الدول الموقعة عليه ضمان حرية البضائع والخدمات ورأس المال وتحرّك الأشخاص في حدود الاتحاد، ويشمل بند إنشاء عملة موحدة للدول الموقعة في المدى المنظور، هنا تحضر عوامل الضغط على الدولار في معركة روسيا والصين في مجال الاستغناء عن الدولار، أو بالحدّ الأدنى تنويع سلة العملات المساهمة في إدارة النشاط المالي الدولي.
المعركة على الأرض الأوكرانية لا تزال في بدايتها ومع ضمّ القرم وتأمين موطئ قدم لروسيا في المياه الدافئة، تبقى ورقة شرق وجنوب شرقي أوكرانيا والفدرالية قيد التداول وسط أجواء «الحرب الأهلية الأوكرانية» وفقاً لتوصيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعند هذه النقطة تحديداً فإنّ الحديث الغربي عن خسارة روسيا لأوكرانيا نهائياً مقابل نزوع الأخيرة باتجاه الاتحاد الأوروبي، استنتاج متسرّع يندرج في إطار المعركة الإعلامية ليس إلا.
ذكرنا في مقال سابق على صفحات «البناء» أنّ «الحياد الناعم للصين» والتحالف مع روسيا يخرج عن إطار الاقتصاد ليصبّ باتجاه تحقيق هدف أساسي وهو التأسيس لعالم «متعدّد الأقطاب»، وهنا يمكن اعتبار الخطوة الروسية قيمةً مضافة على طريق تحقيق هذا العالم.
إذا كان هناك من فوبيا تقلق أوروبا والولايات المتحدة، فهي من دون أدنى شك السوفيات فوبيا، رعب من نسخة جديدة معدلة تستغلّ البعد الجغرافي والإثني والحضاري والفكري لمصلحة الاقتصاد ورأس المال الذي يعدّ المغناطيس الأقوى على الساحة الدولية، مغناطيس يُعيد رويداً رويداً موسكو إلى عاصمة مشتركة لدول عدة.
كاتب سوري