التنظيم العقائدي المعقد عند حزب الله
هتاف دهام
يترافق تصويب السياسات الغربية تجاه سورية والمنطقة، بزيادة الضغط على حزب الله من خلال المساعي والحملات الإعلامية لتشويه صورته، وهناك ماكينة كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تعمل منذ عشر سنوات على ترويج الأكاذيب في شأن الوضع المعنوي للمقاومة وبنيتها، وهناك من يعمل على تشويه صورة القادة او اغتيالهم الجسدي ومن لم تصل إليهم أيدي العدو بالاغتيال الجسدي يحاولون اغتيالهم معنوياً من خلال مواقع «إسرائيلية» عملها تشويه صورة هؤلاء»، هذا فضلاً عن استخدام منبر المحكمة الدولية للتهجم على حزب الله، وصولاً إلى الحملة الممنهجة التي بدأت في عام 2005 ضدّ سلاحه وضدّ محاربته الإرهابيين في سورية. في موازاة ذلك، لا يزال حزب الله متماسكاً وجبهته الداخلية قوية، هناك تسليم داخل قيادات الصف الأول والثاني وكادرات الحزب ومختلف عناصره بقيادة السيد نصر الله.
يؤمن حزب الله بولاية الفقيه التي ترسم التوجهات الكبرى وتشكل سقفاً عقائدياً وفقهياً وفكرياً للمنضوين، لذلك فإنّ الذين ينتمون إليه ينتمون لأسباب سياسية عقائدية ومن ثم سياسية.
إنّ المشروع السياسي الذي قام عليه حزب الله لا يزال هو المقاومة، وهي مسألة فوق خلافية لا يمكن الاختلاف حولها، فحزب الله يعتبرها من البديهيات الدينية والوطنية. فإذا كان الأمر على هذا النحو فلا مبرّر في الاختلاف، وعندما انصرفت المقاومة لمواجهة التكفيريين، فقد شكل هذا الأمر مواجهة لتهديد وجودي ودفاعاً عن إحدى حلقات المقاومة الأساسية، ما يعني أنّ هذه المسألة ترمي من حيث الأهمية الى ما قامت به المقاومة.
انّ وجود قائد كاريزمي استثنائي كـالأمين العام لحزب الله، قائد يتجاوز في جماهريته برأي الحلفاء قبل الخصوم قاعدة الحزب والساحة المحلية الى العالمين العربي والإسلامي، دفع بمجلس الشورى الى تعديل المادة التي كانت تحصر حقّ الترشح فقط بدورتين متتاليتين لإعطائه حق الترشح لدورات متتالية ما سمح له بالبقاء في الأمانة العامة منذ 1992 حتى الآن.
تميّز حزب الله بالجمع بين القيادة الكاريزمية والبنية المؤسساتية المنظمة وهذه إحدى أقوى الأسباب التي جعلت من تجربته الحزبية تجربة ناجحة، فأعضاء مجلس شورى القرار يترأسون المجالس التنظيمية الخمسة وهي: المجلس التنفيذي – المجلس الجهادي – المجلس السياسي – المجلس القضائي – مجلس العمل النيابي، كلّ هذه التشكيلات ممسوكة في شكل مباشر، من قبل السيد نصر الله ضمن مفهوم القيادة الجماعية التي يضبط إيقاعها الأمين العام.
كلّ السياق السياسي الذي أحاط بولادة حزب الله وبمساره الجهادي على مدى أكثر من ثلاثة عقود، شكل بيئة من التهديدات والمخاطر الكبرى، الأمر الذي يزيد من تماسك الحزب. كلّ ذلك لا يلغي وجود نقاش غني وثري داخل الأطر الحزبية أثناء مناقشة الرؤى والمواقف السياسية، فهناك آليات نقاش ديمقراطي داخل قيادة حزب الله وأحياناً اثناء إنضاج الموقف تجاه قضية ما، فقد يكون هناك أكثر من رأي وهذا أمر طبيعي لكن في الختام الجميع يلتزم بما ترتئيه القيادة.
انّ الانتماء والاستمرار في حزب الله خاضعان لمعايير معينة من طبيعة فقهية وسياسية وتنظيمية، من لا يستطيع ان يلتزم بهذه المعايير يفقد الأهلية للبقاء عضواً في حزب الله كما حدث مع الأمين العام السابق الشيخ صبحي الطفيلي، الذي وجد نفسه خارج الحزب. واللافت هنا أنّ من يخرج يكون خروجه انفرادياً من دون أن يشكل حالة انشقاق، فالشيخ طفيلي مثلاً وعلى رغم انه كان أميناً عاماً لم يستطع ان يصطحب معه أحداً ليشكل حالة قائمة بذاتها بما في ذلك حرسه الشخصي الذي انفصل عنه لحظة خروجه. أكدت ظاهرة الطفيلي انّ حزب الله حزب متماسك وانّ أولئك الذين يخرجون عن أفكاره ومشروعه السياسي لن يتمكنوا من شرذمة الحزب أو استقطاب جزء من كادراته، إنما يتحوّلون الى ظواهر مهمّشة.
هذه التركيبة التنظيمية للحزب تجعله عصياً على التأثير الخارجي وأكثر من ذلك، هذه التركيبة تجعل الآخر عاجزاً عن فهم طبيعته، ولهذا نجد خصوم الحزب وأعداءه في موقع يصفون فيه حزب الله بوصفين متناقضين في اللحظة ذاتها… حيث يرى البعض أنّ حزب الله يشهد تململاً وعدم رضا عن قرارات القيادة في الوقت الذي نجد فيه آخرين يصفون الحزب بأنه شمولي لا يرضى بالنقاش وينصاع لأوامر القيادة من دون اعتراض، كذلك يقول هؤلاء إنّ مقاتلي حزب الله يجبرون على الذهاب الى سورية رغماً عنهم ثم نجد من يعتبر انّ الحزب يسلك سياسة التضليل التي تجعل شبابه ومقاتليه يندفعون الى ساحات القتال على غير هدى، ما يعني انّ كلا الوصفين المتناقضين خاطئ والسبب الجهل في الطبيعة التنظيمية العقائدية لحزب الله.