القلق الاميركي من السعودية يمدّد لديفيد هِلْ
روزانا رمّال
تلعب الولايات المتحدة اليوم في الشرق الاوسط والعالم دوراً يكاد يكون غريباً عنها، ولربما يحار المتابع لسلوك هذه الإدارة الأميركية الحالية بقيادة أوباما في تصنيف هذا التوجه الجديد والبعيد عنها لدى شعوب دول المنطقة.
نعم تلعب الولايات المتحدة اليوم دور مطفأة الحرائق في المنطقة على الرغم من انّ نفس هذه الإدارة هي من أحرق دول المنطقة برمّتها بتشجيع منها على الثورات والانتفاضات من اجل التوصل الى دويلات ضعيفة منقسمة تبقي على «إسرائيل» اولى في هذا الشرق سياسياً وامنياً، وتجعل من إيران اضعف شيئاً فشيئاً حتى تغدو إيران البلد الذي يعيش من اجل ان يترقب بدل ان يتطوّر لأنّ الارهاب الذي اجتاح حلفاءها اولاً هو ارهاب مقبل عليها لا محالة اذا استمر المدّ التكفيري وتحققت آمال امراء الارهاب وقسّمت المنطقة دويلات طائفية اتخذتها إيران تهديداً جدياً وحقيقياً منذ بداية المدّ التكفيري في جوارها او بمعنى ادق عند حلفائها.
هذا المدّ الذي كان صنيعة أميركية «اسرائيلية» هو اليوم احد اهم الاهداف التي تسعى واشنطن إلى ضبطها لسبب وحيد وهو الانتقال من سياسة رقم «1» الى السياسية رقم «2»، والتي أخذت اليها قسراً لا قدرة على الاقتناع بأنها احد اوراق القوة لديها، وبلا شك الحديث هنا عن الاتفاق النووي مع الإيرانيين.
وقّعت الولايات المتحدة الاتفاق كرهاً بغضّ النظر عن مساعيها لنجاحه الا انها تدرك انه بات عليها مواجهة حلفائها، كلّ حلفائها، بواقع جديد لا تريد ان تعترف فيه بضعفها او خضوعها لأمر واقع فرضته إيران بعدم تأثرهم بضغوط الربيع العربي العسكرية اولاً، ولا بضغوط المال والاقتصاد ثانياً، وبالتالي ضعف تفرضه حكماً على حلفائها دون ان يسعوا اليه، وبمعنى أدق هو ضعف معنوي تفادوه طويلاً وموّلوا ودفعوا باتجاه تأجيله او إبعاده عن انظمتهم التي ستتهدّد بأيّ زمن تتصاعد فيه قدرة إيران وحلفائها بالمنطقة.
لبنان احد الساحات التي تتوقّع الولايات المتحدة ان يكون للسعودية فيها جولات من الضغط على حلفاء إيران، وبالتالي تتوقع حكماً ان تتوتر البلاد ضمن أجندة سعودية بعدة احتمالات وسيناريوات يتبناها حلفاء السعودية امنياً او دستورياً قرأت فيها واشنطن مخاطر أكيدة تهدّد البلاد.
فوراً، وضمن هذا الإطار، كشفت مصادر صحافية سعودية «انّ القلق الأميركي على الوضع في لبنان بلغ درجة الطلب الى السفير الأميركي في لبنان ديفيد هِلْ تمديد وجوده في لبنان قبل الانتقال الى مهمته الجديدة في باكستان أسابيع قليلة، لمتابعة الوضع عن كثب».
هِلْ من جهته أبدى قلقه من خطوة الاستقالة التي حكي عنها من جانب رئيس الحكومة تمام سلام، معتبراً أنها تهدّد الحدّ الأدنى من التماسك الداخلي، وذهب الى أبعد من الاستقالة فناقش مع سلام بالتفصيل ما يمكن أن ينتج منها في مرحلة تصريف الأعمال، معرباً عن قلقه من أن تغيب ضوابط الأزمة الموجودة حالياً وتنقل البلد الى أخطار جديدة.
القلق الأميركي على الوضع الداخلي في لبنان لم يأتِ من فراغ، وهذا الإجراء الديبلوماسي الاستثنائي ليس سوى معلومات عن نوايا اقليمية تتخذ من لبنان ورقة ضاغطة باتجاه التأثير بلعبته الداخلية على النقاط التي تحتسبها السعودية لها وعليها والخوف الأميركي يأتي من انّ ايّ مشكلة اليوم تفتح في لبنان الباب امام تفاقم الأمور وتأزمها أكثر فأكثر لانّ كلّ الملفات العالقة لم يتمّ إيجاد مخارج للحلول من اجل تسكيرها وجلّ ما في الأمر التأجيل والتأجيل المستمر.
أزمة رئاسة الجمهورية والتعيينات الأمنية وصلاحيات رئيس الحكومة وآلية عمل مجلس الوزراء على أهميتها كلها أزمات مؤجلة، لكن الأميركي يعرف انّ ايّ شرارة تشعل البلاد هي ممكنة جداً بوجود حلفاء وحلفاء متقابلين احدهم بدأ التصعيد في أكثر من جبهة، الأولى لبنانياً في جلسة مجلس الوزراء الشهيرة، والثانية بحرينية حيث بدا امس انّ استدعاء السفير الإيراني في البحرين على خلفية اتهامات بحرينية لإيران بمرور سلاح في البحر وضبطها في هذا الوقت هو قرار سعودي بالتصعيد هناك.
القلق الأميركي اليوم من رد الفعل السعودي على عدة صعد تجعل من فراغ الساحة اللبنانية من ممثل لها مشكلة جديدة تضاف الى هذا البلد الذي لن يعيّن سفيراً في فترة قريبة والذي لا يبدو ان انتخاب رئيس للجمهورية فيه ايضاً قريب، وعليه فانّ التمديد لديفيد هِلْ يصبّ في منع رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام من خوض مغامرة غير واضحة الأفق والمعالم، وبلا شك سيكون وجود السفير الأميركي الى جانب سلام قوة وسند تحول دون تفجير الوضع اكثر.
تلعب الولايات المتحدة دور الإطفائي في لبنان هذه المرة من اجل فتح أرضية تعاون حقيقية في وجه الارهاب، مع إيران وحلفائها، وبذلك تستطيع ادارة أوباما ضمان ورقة انتخابية وازنة يخوض فيها الحزب الديمقراطي الانتخابات بورقة قوية قادرة ان تحجز له مكانة لسنوات عديدة مقبلة، فيكون أوباما مهّد لامتصاص بؤر الارهاب والانفلات في المنطقة أكثر فأكثر، ولبنان بنوع خاص.
القلق الأميركي من السعوديين لن يتوقف عند الحدود اللبنانية وهو مستمرّ ولكن العين الأميركية على ما يبدو تراقب عن كثب ومستعدّة للتدخل وقطع الطريق امام ايّ محاولة لإفساد ما تحقق.