تكفير أم إرهاب؟
نسيب بو ضرغم
كثيراً ما نعمد في إعلامنا إلى استعمال مصطلحات لا تخدم قضيتنا فحسب، بل تأخذها إلى مواقع غير سليمة، وبالتالي لا تقدم الصورة الحقيقية عن واقع الأمر.
إن صحة المصطلح، لا تنتج إلا بعد دراسة وافية لحقيقة الأمر المعني، وبالتالي يكون المصطلح التعبير المختصر عن هذا الواقع، ما يقدم منفعة أكيدة للقضية المطروحة.
منذ خمس سنوات ازداد استعمال مصطلح التكفير، بحيث أصبح السمة الأساسية للإرهاب، وبمعنى آخر، أصبح الإرهاب هو النتيجة المحصلة من التكفير.
فهل المسألة هي مسألة جماعة تمتلك منظومة فكرية تعتمد على أساسها تقييماً للآخرين، وبالتالي تسوقها هذه المنظومة إلى أن ترهب الفريق المخالف لها فكرياً؟
بمعنى آخر، هل أساس المشكلة موضوع فكري، يُبنى عليه سلوك إرهابي يخدم هذا الفكر؟
من الخطأ الجسيم تسمية الإرهاب الذي يضرب مجتمعاتنا ودولنا وجيوشنا بالإرهاب التكفيري، لأن هذا الإرهاب لم ينشأ في كينونته ومساره بشكلٍ مستقل، حتى تكون له منظومة مفاهيم تحدّد مضمونه وموقفه وسلوكه. هذا الإرهاب هو نتاج أجهزة الاستخبارات المتعددة، تكوّن إرهاباً، ليرهب ويدمر ويمزق مجتمعات ودولاً، وهو يرفع شعار المفهوم الديني شعاراً تمويهياً لتمرير إرهاب الحامل للمشروع الصهيو ـ أميركي، ليس أكثر.
لذلك نقول إن القول بالإرهاب التكفيري هو بمثابة إحلال الوسيلة التمويهية مكان الماهية والمضمون، وفي ذلك خطرٌ كبير.
وكيف يكون الإرهاب ذو جذر تكفيري؟ ولو كان كذلك، لما جرى الصدام والتذابح والتوحش في المواجهة بين أتباع المفهوم الواحد. كيف نفسّر انشقاق «داعش» عن أمه القاعدة، وكيف يقتتل الدواعش مع النصرة وجيش الإسلام؟ إذا كان التكفير هو مضمون إرهابهم فهل بين الفريقين المتقاتلين ـ داعش والنصرة ـ من تكفير وجميعهم من أصل عقائدي واحد؟
إن القول بأن هؤلاء الإرهابيين تكفيريون، هو بمثابة إعطائهم صك براءة من عمالتهم ومن طبيعة كينونتهم التي أخذت شكلها في مختبرات المخابرات، وكأنهم جماعة مستقلة ذات مشروع مستقل لا علاقة له بالتحالف الصهيوـ أميركي.
لو كان التكفير هو أساس إرهابهم، لكان من البديهي أن يقاتلوا اليهود، لا المسلمين والمسيحيين! فهل اليهود مؤمنون بنظر هؤلاء، وهل المسلمون والمسيحيون والمذاهب والأديان كافة كفرة يحلّ ذبحهم؟
لماذا لم يضرب هؤلاء الإرهابيون اليهود بقمر وردٍ واحد فيما هم يعملون ذبحاً بسكاكينهم، وبتفجير حضارة عريقة لا علاقة لها بالنظام ولا بالإسلام ولا بالمسيحية؟ هل اليهود مؤمنون حتى تمتنع كل فصائل الإرهاب عن قتالهم؟
إن النصرة، تعمل هي وداعش وفق غرفة عمليات صهيوـ أميركية، سواء في الأرض المحتلة أو في الأردن، والدليل هو المذبحة التي وقعت في قلب لوزة في إدلب.
عندما قررت غرفة العمليات الصهيوـ أميركية تحريك جبهة الجنوب لتكون مفتاح تفكيك الشام، أوعزت إلى النصرة أن ترتكب مجزرة في قلب لوزة بحق الموحدين الدروز، وكان قد مضى على احتلالها محافظة إدلب أكثر من سنة ونصف، ولم تقدم على ارتكاب أي مجزرة.
عندما قررت غرفة العمليات البدء بخطة تفكيك الشام بدءاً من الجنوب وقعت المجزرة، ووقع بالتزامن معها هجومان، الأول من الجنوب بقيادة النصرة، والآخر بقيادة داعش، وكان القصد من ذلك إحداث حالة ضغط عسكري ونفسي على أهل جبل العرب، لينفصلوا عن جسم الدولة السورية.
ما الذي جعل داعش والنصرة يقرران الهجوم معاً وفي ذات التوقيت؟ جاء هذا القرار بغية تحقيق الهدف الأساس، وهو فك جبل العرب عن سورية. أليس هؤلاء الإرهابيون يتحركون وفق أجندة صهيوـ أميركية أعدوا ليكونوا أدواتها، وجعلوا من الإرهاب وسيلة لتحقيق أهداف الصهاينة والأميركيين؟
إذن، المسألة ليست مسألة تكفير، فليس التكفير هو الذي قادهم إلى مهاجمة السويدا وغيرها من المواقع على طول الأرض السورية، إن المسألة هي مسألة مجاميع زُوِّدت بالسلوك الإرهابي، لتقوم بعملية تفكيك المجتمعات والدول، وما العنوان التكفيري المعطى لها سوى لون تمويهي من جهة، وإساءة بالغة للإسلام من جهة أخرى.
إذا كانوا تكفيريين، فمعنى ذلك أن الإرهاب بالنسبة إليهم ليس أكثر من وسيلة، يستعملونها لردع «الكفرة»، فهل الأمر كذلك؟ هل هم من يقرر من هم الكفرة؟ ومتى يُذبحون؟ هل هم من يقرر مكان المعركة وشكلها؟ ولماذا يقاتلون « كافراً» ويتعاونون من « كافر» آخر؟ لماذا يقاتلون العراقيين والشاميين واللبنانيين، ولا يقاتلون النظام الأردني والنظام التركي مثلاً؟
هل النظام التركي مؤمن وهو الذي يفتح تركيا لأكثر من مئة قاعدة أميركية؟ لماذا بشار الأسد كافر وأردوغان مؤمن أو عبدالله الثاني مؤمن؟ لماذا لا يضربون في الأردن مثلاً ونحن لا نريد أن يضربوا في أي مكان ولكننا نسوق التساؤل لنثبت أن هؤلاء الإرهابيين، لا يحركون إرهابهم تبعاً لمواضيع تكفيرهم، إرهابهم هو الموضوع، وهم وإرهابهم أداة بيد المشروع الصهيوـ أميركي. لذلك، غير مسموح لهم ضرب النظام الأردني، لأن هذا النظام يشكل لهم ولأسيادهم جغرافية مهمة لتحقيق مشروعهم.
والأهم من ذلك، لماذا لم يضربوا «إسرائيل» لو كان الموضوع موضوع تكفير؟
في الماضي، صنَّعوهم وأرسلوهم إلى أفغانستان ليقاتلوا «الكفار» السوفيات، وكأن المخابرات الأميركية والموساد اللذين رعيا نشوءهم كانا من المؤمنين.
هؤلاء إرهابيون وكفى. حربنا معهم حرب أمنية عسكرية قائمة على اعتبارهم إرهابيين، أما تكفيرهم فليس أكثر من حاجة يتطلبها أداء الإرهاب بحدّ ذاته.
من الخطورة بمكان أن يتحول الإرهاب ومفاعيله إلى جدال فقهي ـ ديني، ما يزيد الواقع تمزقاً، فيختفي الخطر الحقيقي عن ناظرنا، ليطرح أمامنا موضوعاً هو بحد ذاته يخدم المؤامرة بجعل النقاش والجدال قائمين حول نصوص الدين، وهو بالتالي سبب الصراع.
إذذاك، ينتصر العدو، ويحقق مكائده، ويقول على المسلمين أن يحلّوا مسألة خلافاتهم التفسيرية لدينهم، فيما الحقيقة في مكان آخر. هي في أجهزة صنعت قتلة وإرهابيين، لتحقيق مشروع صهيوـ أميركي، أعطته مضموناً دينياً تكفيرياً للتمويه من جهة ولزيادة التمزيق من جهة أخرى.