الأسد للتاريخ: حرب وجود سورية الموحّدة
عامر نعيم الياس
لم يكن ينقص الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الأخير أمام النقابات المهنية واتحادات غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة إلا أن يقول صراحةً إن خطة العمل للمرحلة المقبلة تتجلى بالنقاط التي ورد ذكرها في خطابه. لم يترك الرئيس الصامد الشاب مجالاً إلا وتحدّث به. بدا مدركاً كافة التفاصيل التي تجري على الأرض السورية، مطّلعاً عليها، وواضحاً في توصيفها، خصوصاً لجهة الأزمات الخدمية والمعيشية الخانقة التي يعاني منها السوريون. فالرئيس تحدّث عن الكهرباء وانقطاعها ويقينه بعدم قدرة عدد من السوريين على متابعة خطابه الذي طال انتظاره قياساً بالإطلالات الإعلامية لأي قائد في زمن الحرب.
رسَم الأسد، وإن لم يرد الإشارة إلى ذلك، ملامح المرحلة الجديدة المقبلة القائمة على ثابتين لا يمكن أن يتغيرا. الأول: حرب «الوجود» وحرب سورية «الموحّدة» التي لا يمكن تقسيمها بإسقاط الديمغرافيا. والثاني: الحرب على «الإرهاب» التي تستنفر الطاقات جميعها في محاولة لإنهاء الوضع القائم في البلاد والذي يمنَع تلقائياً الحديث أو المطالبة بأي تقدّم ملموس أو تطوير أو حتى محاسبة في أي جانب من جوانب الحياة في سورية سواء اقتصادية أو سياسية أو خدمية.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول إن الرئيس السوري تحدّث عن مرحلة تقوم على التالي:
ـ معركة المصير التي تستوجب استنفار الطاقة البشرية الكامنة في المجتمع السوري. فالرئيس بصفته السياسية وصفته العسكرية قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة أكّد أن «الوطن ليس لمن يسكن فيه أو يحمل جنسيته وجواز سفره بل لمن يدافع عنه ويحميه». لا مجال لأيّ حياد سياسي أو قَدَري مبني على ما بات يعرف بحزب «الله يفرج».
ـ العامل الميداني هو الرهان الوحيد على خروج البلاد من أزمتها وتحريك المسار السياسي المعطّل والذي لا يملك الرئيس السوري حتى اللحظة أيّ عنصر من شأنه أن يشي بالتفاؤل حول إمكانية تقدم المسار السياسي لحل الأزمة في سورية. فالصراع كان ولا يزال صراعاً على الجغرافيا السورية لا أيّ شيء آخر. وبالتالي فإن الأرض هي الضامن لخروج البلاد من الحرب موحدة ومنتصرة.
ـ سورية «الموحدة» لا سورية «الضرورية»، إذ استفاض الرئيس السوري للمرة الأولى في الحديث عن الجانب العسكري التقني في العمليات القائمة على الأرض وما يرافقها من تقدم هنا وتراجع هناك. أراد الرئيس إيصال رسائل بعدّة اتجاهات عبر المحور العسكري وربطه بسورية الموحدة. فهو من جهة أراد تبيان تأثير العامل البشري في المعادلة على الأرض بشكل عام وفي المعادلة الزمنية بشكل خاص. فمن أراد للحرب والاستنزاف أن ينتهي عليه التوجّه نحو الجيش والقوات المسلحة. ومن جهة أخرى أراد الرئيس أن يكون واضحاً في تفصيل يتعلّق بحتمية وحدة البلاد وأثر جغرافيا سورية على مستقبل واستقرار المنطقة. فمن سورية تبدأ المشاريع الدولية وتنتهي وتتقاطع. ومن سورية يحدّد الرابح والخاسر. وعليه، لا بدّ من الحفاظ على وحدة البلاد ولا يبدو أن هذا الأمر قابلٌ للنقاش لدى الدولة السورية ورأسها.
ـ المبادرات السياسية الخاصة بحل الأزمة السورية مرحّب بها إنما في إطار عنوان وحيد هو العنوان الروسي. أي الحرب على «الإرهاب» في المنطقة ومن بعدها يمكن الحديث عن التفاصيل الأخرى.
في ما يخص «المعارضة» السورية في الخارج بدا الرئيس السوري أكثر تشدداً من ذي قبل. وفي توصيفه شكل الصراع في البلاد وحمله لواء وحدتها، بدا الأسد مصمماً على المضي حتى النهاية في حرب الدفاع عن سورية جغرافياً وسيادياً كما كانت قبل آذار 2011, فالسياسي لا علاقة له بالجغرافي والسيادي. والحديث عن اتفاق هنا وتقاسم للسلطة هناك، أمر لا علاقة له بتقاسم البلاد وضرب تضحيات الشعب والجيش عرض الحائط بعد أكثر من أربع سنوات ونصف السنة على الصمود.
يرسم الأسد صورته للتاريخ بإتقان. لكن الحاضر يحمل في جعبته وصفاً يختصر الجملة المفتاحية في المستقبل «نحن أمام رجل قاوم العالم مجتمعاً وصمد. أصرّ على سيادة بلاده ووحدتها وسينتصر».
كاتب ومترجم سوري