السلالات الحاكمة في أميركا

عامر نعيم الياس

جنّ جنون الصحافة الغربية عشية الانتخابات الرئاسية في سورية. الصحف الفرنسية لم تترك والنخب أي مصطلح يمت «للمهزلة» بصلة إلا ووضعته في صفحاتها، هالا قضماني لم تسعفها الكلمات فاختارت في مقال في ليبراسيون مصطلحات خاصة بما تسميه «النظام السوري». أما ميشيل كيلو «قائد التيار الليبرالي في قلب الائتلاف» بحسب «لوموند» الفرنسية، فقد اختار أن يستعرض على العباد مخزونه الثقافي، فالرجل ذو الـ74 سنة الذي اختار نهاية تاريخه «النضالي الليبرالي الشيوعي التحرّري» لا يهم ترتيب الولاءات هنا في أحضان السعودية تارةً والدوحة تارةً أخرى، والحرد في بعض الأحيان على أرصفة القاهرة، رأى أن الانتخابات السورية «تشبه انتخابات عام 1944 في ألمانيا هتلر». لن ندخل هنا في نقاش الاستعراض الإعلامي الهستيري في لحظة إجراء الانتخابات بحماية النسر السوري في أجواء مملكة الأرض والسماء، لكن أريد الرد عن طريق الغرب نفسه، أريد الرد على مثقفينا و«شيخهم» كيلو، تلائمه الصفة الآن لاعتبارات تخص التحالف مع ديمقراطيات شيوخ الخليج، عبر مقال في «لوفيغارو» الفرنسية الذي قمت بترجمته ونشره في الأول من شهر شباط عام 2008 بعنوان «السلالات الحاكمة في أميركا»، يعرض فيه تركيب النظام الأميركي في لحظة الانتخابات الرئاسية التي أتت بأوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وأضعه اليوم بين أيدي قرّاء «البناء»:

«هيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ميت رومني هو ابن جورج رومني الحاكم السابق لولاية ميتشيغان والمرشح الرئاسي خائب الحظ في انتخابات عام 1968. جون ماكين هو سليل عائلة عسكرية فهو ابن حفيد لأميرال في الجيش الأميركي، باراك أوباما صنع نفسه بنفسه لكنه على رغم ذلك حظي بدعم إدوارد وكارولين كينيدي سليلي إحدى أهم العائلات في الطبقة السياسية الأميركية.

في حملة انتخابية يمثل مفهوم «التغيير» كلمة السر فيها، وبعد ثماني سنوات من ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش الابن المنحدر هو أيضاً من نخبة حاكمة، ها نحن نجد أن حضور السلالات الحاكمة في الحياة السياسية الأميركية أمر مثير للدهشة، بالنسبة إلى السيدة هيلاري كلينتون وبلغة الأرقام إن هي نجحت في الانتخابات الرئاسية وأصبحت الرئيسة الرابعة والأربعين للولايات المتحدة يكون البيت الأبيض قد حكم من قبل عائلتي بوش وكلينتون مدة 24 عاماً متواصلة، وإذا استطاعت الفوز بولاية ثانية ستطول المدة لتصل إلى 28 عاماً. وإذا أضفنا إليها عدد السنوات التي كان فيها جورج بوش الأب نائباً للرئيس ستصبح المدة الإجمالية 36 عاماً، وهو ما يجعلنا نلاحظ أنه لا يوجد أي ناخب أميركي تحت سن الـ38 استطاع إعطاء صوته خارج هاتين العائلتين.

وفي مواجهة هذه الحجة نرى أن السيدة السابقة للبيت الأبيض تملك رداً جاهزاً بقولها «كنا بحاجة إلى كلينتون لإصلاح ما أفسده جورج بوش الأب، والآن أعتقد أننا بحاجة لكلينتون آخر لإصلاح ما أفسده جورج بوش الابن».

آدامز هاميلتون وتافت وروزفلت وكينيدي وروكفلر، كلها أسماء عائلات توالت على حكم أميركا خلال القرنين الماضيين، فجون كوينسي آدامز الرئيس السادس هو ابن جون آدامز الرئيس الثاني لأميركا. بينجامين هاريسون، الذي انتخب عام 1888 هو حفيد ويليام هاريسون الذي انتخب 1841 وهو بدوره حفيد أحد الموقعين على إعلان استقلال أميركا. أما فرانكلين روزفلت الرئيس الثاني والثلاثين فهو أحد أقرباء تيودور روزفلت الرئيس السادس والعشرين، وفي ما يتعلق بسلالة بوش فقد قدمت رئيسين للولايات المتحدة هما جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، كما أن والد جورج بوش الأب كان سيناتوراً، من دون أن ننسى أن ابنه جيب بوش هو حاكم إحدى الولايات، والرئيس الحالي جورج بوش كان أيضاً حاكماً لإحدى الولايات.

بالنسبة إلى ستيفن هيس مؤلف أحد الكتب عن السلالات الحاكمة في أميركا عام 1966، والخبير السياسي في معهد بروكينغز حالياً، فإن هناك نحو 700 عائلة قدمت للكونغرس الأميركي على الأقل عضوين، وعلى رأس هذه العائلات تأتي عائلة هاريسون بثمانية أعضاء، تليها عائلتا كينيدي وفريلينجويسن بستة أعضاء. والجدير بالذكر هنا أن نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي هي ابنه سيناتور يدعى توماس أليساندرو.

وانطلاقاً من هنا يطرح السؤال التالي: هل إعادة إنتاج النخب ظاهرة كلاسيكية في الحياة السياسية الأميركية؟

منذ إعلان الاستقلال الأميركي كانت السلطة حكراً على الوجهاء أصحاب الثروات، وبعدها قام عدد من العائلات بتطوير ثقافة سياسية تعتمد على انتقال النفوذ عبر الأجيال المتعاقبة في ما يتعلق بميدان السياسة وكذلك في ميدان الأعمال، واليوم ما تزال البلاد تولي الأولوية للمشاهير وهذا ما يبرهن عليه دور نجوم الفن في الحملات الانتخابية، وهو ما عبر عنه ستيفن هيس بقوله «الاسم أصبح كالعلامة المسجلة البعض يستمر والآخر يختفي مع مرور الوقت»».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى