نحو عصر السيسي

رؤوبين باركو

مع إعلان انتخاب الفريق عبد الفتاح السيسي لرئاسة مصر، أوضح نائب رئيس الحركة السلفية أنه لا تحل محاربته لأنه فاز بتأييد الشعب الشرعي. ويصور قوله تفسير الأصوليين لأمر القرآن الذي يوجب الطاعة المطلقة لولي الأمر المنتخب إلا إذا كان «ظالماً» يعارض الإسلام في عمله. وعلى العموم يفضل التراث الإسلامي ألف عام من الحكم الظالم على يوم واحد من الفوضى بلا حكم. وقد حدد الخليفة معاوية ماهية السلطة الحساسة ذات الصلاحية حينما قال: «بيني وبين الناس شعرة ممدودة إذا أرخوها شددتها وإذا شدوها أرخيتها».

في مقابل أسلوب معاوية، يعرض الحجاج بن يوسف حاكم العراق في العصر الأموي، أسلوباً مختلفاً. ويعتبر الحجاج بسبب صرامته وقسوته واحداً من أشهر الحكام المسلمين في التاريخ، وقد هزم المتمردين الذين اعتصموا في مكة على الخليفة الشرعي ولهذا عُين حاكماً للعراق المتمرد. وحينما وصل خطب في خصومه قائلاً: إنه يرى رؤوساً «قد أينعت» و«حان قطافها»، وقضى عليهم وحكم العراق بيد من حديد. بعد ذلك أجرى الحجاج إصلاحات زراعية وبنى جسوراً وأقرض الفلاحين وأجرى إصلاحاً في النقد وبنى الحجاج مدينة واسط وجعل اللغة العربية رسمية وأقر نسخة قانونية واحدة للقرآن. وتصفه الرواية الإسلامية بأنه حسم الفوضى التي كان الشعب يُظلم فيها على أيدي وُلاة الأمور.

إن الوضع في الشرق الأوسط وفي مصر خصوصاً في حالة فوضى نشأت نتاج «الربيع العربي» ويوجب توجهاً جديداً في الحكم. لذا فإن عمل السيسي صعب بصورة خاصة بسبب التحديات الموضوعية ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية، وبسبب المعركة العنيفة التي لا هوادة فيها التي تقوم بها ضده حركة الإخوان المسلمين التي تعتبر ـ على رغم أن مراقبي الاتحاد الأوروبي صادقوا على شرعية الانتخابات ـ أن مرسي هو الرئيس وأن نتائج الانتخابات التي شارك فيها أكثر من 44.5 في المئة من سكان مصر ومنحت السيسي أكثر من 90 في المئة من الأصوات غير قانونية.

لا يوفر رجال الإخوان المسلمين لحظة من دون استغلالها في خدمة الدعاية التي ترفض شرعية انتخاب السيسي. فقد قاطعوا الانتخابات التي حصل فيها المرشح المنافس حمدين صباحي على نحو من 3 في المئة من الأصوات أقل من عدد الأصوات الملغاة ، وهم يعملون على الإخلال النظام الذي أخذ يتشكل ويقومون بانتفاضة عنيفة تسفر عن إصابات كثيرة إضافة إلى إضرابات عن الطعام في مواجهة السلطات في السجون. وتنبع أعمال الشغب من زعم أن أكثر من 22 ألفاً من سجناء الحركة سجنوا بلا محاكمة ويخضعون لأعمال تنكيل. وزاد الغليان بعد أن ألغى السيسي العفو الذي أعطاه مرسي للسجناء المحكوم عليهم بالإعدام.

في السياق، هنأ السيسي في مقابلة مع صحيفة «الجريدة» الكويتية قوات الأمن، قائلاً: «لن نرجع إلى الوراء ولا وقت للصراعات والجدل». وأضاف أن يده ممدودة إلى الجميع، وأنه مصمم على احتواء الشباب وطموحه، معرباً عن التزامه وهو العارف بالأخطار المحدقة بحياته القضاء على الإخوان المسلمين وعلى مؤيدي الجهاد وحماس في سيناء، وأن يختار «محاربين» يعطون الأمن والاستقرار لبسطاء الشعب الذين يطلبون حلولاً «بالأعمال لا بالأقوال». وصدق القائمون بحملته الانتخابية الرسائل التي وردت في تقرير «الجريدة».

يحتاج السيسي أكثر من كل شيء إلى الاستقرار في مصر التي تتدحرج إلى الهاوية باعتبار ذلك شرطاً وجودياً يفضي إلى استثمارات أجنبية وقروض من البنك الدولي فوراً، وإلى مساعدة مستمرة من السعودية ودول الخليج من أجل أن تتنفس مصر الأوكسجين. ويجب أن يولي اهتماماً للسياحة التي هي أساس مهم في اقتصاد مصر الذاوي، وأن يلتزم إقرار الأمن في قناة السويس وأنبوب الغاز في سيناء باعتبارهما مصدرين آخرين للدخل.

ويحتاج السيسي إلى مساعدة من الغرب لا سيما الولايات المتحدة الموجودة في «المقعد الخلفي» لعربة التاريخ. وهو يفضل أن تكون له صورة الحاكم العادل لكن ليس بأي ثمن لأن الإخوان المسلمين يقفون في طريقه. وينبغي أن نأمل بأن يدرك الأميركيون المنافقون على رغم عدم رغبتهم، أنه يجب عليهم أن يساعدوا السيسي وأن ينقذوا مصر. وسيضطر السيسي في ضائقته إلى أن يختار طريقة الحجاج المكيافيلية ويفضلها على شعرة معاوية الممدودة لأنه ليس له خيار آخر ببساطة.

«إسرائيل اليوم»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى