إفرح أيها اللبنانيّ…
فدى دبوس
منذ بداية أزمة النفايات ونحن نتعثّر بالتعليقات والاقتراحات الخاصّة بحلّ هذه الأزمة على صفحات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. عبارات كثيرة تتصدر صفحات الناشطين وكلّها يصبّ في خانة الملل واليأس من الدولة والوزارة وحيتان المال، وفي النهاية تكون النتيجة واحدة. ملل ويأس وعبارات لا فائدة منها والأزمة مستمرّة.
لا نستغرب انشغال الناس بهذا الموضوع واعتباره الشغل الشاغل لهم بخاصة أنّ الموضوع بات يؤرق حواسّنا الخمسة، لا سيما حاسة الشمّ التي دُمّرت بفعل الروائح المنبعثة على الطرقات، وحاسة النظر التي أزعجتها رؤية الناس مرتدين كمّامات على الطرقات تشعر وكأن أحد المسؤولين قد وقّع اتفاقية «كمامات» ويريد تصريفها بأيّ طريقة من الطرق ولو كان على حساب راحة المواطنين.
«بيروت ستّ الدني» ما عادت إلّا مدينة تحوي أكبر كمية من النفايات السامّة وغير السامّة، ولربما باتت مشاهد النفايات أفضل من متابعة النشرات الإخبارية المسائية التي تلوّث آذاننا بالأخبار التي لا تعود بأيّ فائدة على المواطنين ولكنّها تشحنهم بطاقة سلبية لا يفضّلون الحياة من بعدها.
وبالعودة إلى مواقع التواصل نتوقف عند الرسوم الكاريكاتورية المضحكة تلك التي يعبّر من خلالها المواطن عن سخطه على مجتمعه، فتلك طائرة تضع «ملقط» غسيل على مقدّمها خوفاً من رائحة النفايات المنبعثة من كلّ ميل وصوب، وأخرى تصف بيروت قبل النفايات وبعدها، وواحدة تشكو من تجمّع النفايات تحت منزلها لدرجة أن المنازل باتت تصيح. هذا ناهيك عن التعليقات التي تتخوّف من أن تصبح النفايات أزمة أساسية في لبنان وندخل في حرب جديدة مع «كيس الزبالة»، وأطرفها تلك التي طالبت الوزير بوفاعور الخائف على صحّة المواطن بأن يتفحّص مكبّات النفايات علّها تكون غير مطابقة للمواصفات فيقع المواطن ضحية لعبة النفايات.
هي تعليقات مضحكة لكنّها باتت تشكّل أرقاً لدى المواطن الذي نسي أزمة الكهرباء والماء والبطالة وبات متخوّفاً على ابنه أو ابنته من التسمّم والاختناق بعد كلّ جريمة حرق نفايات يرتكبها المواطنون بحق نفسهم.
لكن اللوثة الحقيقة لا تكمن في موضوع النفايات فحسب، بل بالعبارات التي يتناقلها الناشطون أنفسهم في ما بينهم والتي تنمّ عن جهل كبير في اللغة واستخدام مزعج لعبارات لا تشبه العبارات، فهي مليئة بالسباب والشتائم المنفّرة التي لا يمكننا المتابعة في قرائتها، لكن على ما يبدو إننا يجب أن نعذر هؤلاء الأشخاص الذين لم يستطيعوا الخروج إلى شرفاتهم للتنعّم بقليل من الهواء أثناء انقطاع الكهرباء، فتأتي الأزمة مضاعفة على من يريدون أن يعيشوا بسلام لكنّ عبث…
وأخيراً بات بعض الناشطين يلقون اللوم على بعضهم بعضاً خصوصاً بعد الدعوات المستمرّة للتظاهر، وتمنّع جزء كبير ممن يتململون على مواقع التواصل عن المشاركة في التظاهرة، فمنهم من وجّه اللوم مباشرة، ومنهم من لم يكتف باللوم فحسب بل وصل به الأمر إلى حدّ التخوين، معتبرين أن من يشكو عليه أن يؤكّد شكواه مباشرة على الأرض لكن لا جدوى، فنحن شعب اعتاد على التخوين على أتفه أسباب ممكنة، لكن تبقى النعمة الوحيدة لأزمة النفايات والتي تنبّه لها بعض الناشطين من دون سواهم، وهي أن أزمة النفايات هذه وحّدت اللبنانيين.
فكيف وحّدتهم؟ على الأقلّ وحّدتهم لناحية الشكوى والوضع المتشابه لناحية الطرقات الممتلئة ببقايا الأطعمة والرواسب المنزلية. لذا افرح أيها اللبنانيّ فأنت اليوم مثلك مثل شقيقك في الوطن!