أزمة نفايات أم انهيار للدولة؟
محمد حمية
تتوالى الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في لبنان، في الوقت الذي دخلت فيه المؤسسات الرئيسية في شلل شبه كامل، فالفراغ في الرئاسة الأولى لا يزال سيد الموقف والمجلس النيابي الممدّد له بشكلٍ غير شرعي مرتين معطل بقرار سياسي جماعي، فيما تعاني الحكومة من شلل يضعها على حافة الاستقالة.
أما أزمة النفايات التي عانى منها المواطنون واشتمّوا روائحها الكريهة ومشاهدها المقززة وهي تطمر الشوارع على مدى أسبوعين، كشفت هشاشة الدولة ومؤسساتها وأيقن الجميع أنّ الدولة استقالت من واجباتها الى حدّ الانهيار.
فهل هي فعلاً أزمة نفايات أم أزمة دولة؟
يتحدّث وزير سابق عن هذا الموضوع، ويشير لـ«البناء» الى أنّ ما شاهده اللبنانيون في موضوع النفايات لا يختلف عن ملفات عدة منها مافيات مولدات الكهرباء والمياه والستلايت والانترنت والهاتف وغيرها.
ولفت الوزير السابق الى أنّ خدمات الماء والكهرباء تصل إلى المواطنين من الدولة وهذه المافيات بكلفة أكثر بثلاث مرات فيما لو كانت بالطريقة الطبيعية وهذا ما يحصل بموضوع شركة سوكلين التي تتولى إزالة النفايات بكلفة تفوق 3 مرات الكلفة العادية، فيما يذهب هذا الفارق الى جيوب القيّمين على هذه الشركة ومن خلفهم من المتنفذين!
واعتبر المصدر أنّ هذا النظام «الميلشياوي» ركب بالتساوي بين معظم الفرقاء السياسيين وبرضى الجميع، فهذه التركيبة تطوّرت مع الوقت منذ الثمانينات الى العام 1992 بمشاركة الوجود السوري آنذاك حتى الآن، وما حصل ويحصل اليوم بملف النفايات والكهرباء وغيرهما هو نتيجة لهذه التركيبة».
ويلقي الوزير السابق عتباً على رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، معتبراً أنّ عون كان في المنفى خلال حكم هذه التركيبة الناشئة من منطق «الميلشيات»، لكن بعد عودته الى لبنان نسأله: هل سيدخل الى هذه التركيبة ليعرقلها أم ليأخذ حصة منها؟
ورأى في تعامل الدولة مع ملف النفايات «وقاحة فريدة» رغم تشابه هذا الملف مع غيره، والآن ما يحصل هو اجتراح لحلول موقتة لترقيع الثغرات، متسائلاً: كيف ستحلّ المشلكة وكلّ يوم يخرج آلاف الأطنان من النفايات في بيروت وضواحيها؟ فهناك خمسة عروض لخمس مناطق لبنانية، فلماذا لا يبت بها اذا كانت عروض بيروت مجمّدة؟ هناك تعمّد في ذلك بهدف ربط كلّ العروض ضمن سلة واحدة لتوزيع الحصص.
وأضاف: الأزمة الحكومية لا تختلف عن أزمة النفايات، فجلسات مجلس الوزراء تحوّلت الى فرصة لالتقاط الصور التذكارية بلا قرارات، ما يحوّل دور الحكومة الى أقلّ من تصريف أعمال.
وتوقّع الوزير السابق في هذا المجال إطالة أمد الأزمة الحكومية، إلا انه استبعد ذهاب الامور باتجاه استقالة رئيس الحكومة تمام سلام. ويضيف: «الزعماء اعتمدوا نظاماً جديداً للحكم بديلاً عن المؤسسات، هو طاولة الحوار والتي يختصرها فعلياً 6 أشخاص يجتمعون في مكان معيّن ويتخذون القرارات فيما يقتصر دور مجلس الوزراء على تنفيذ مقررات هذه الطاولة.
وأبدى المصدر استغرابه كيف أنّ مجلس الوزراء يجب ان يكون ممثلاً لكلّ مكونات مجلس النواب في الوقت الذي يتمثل دور ووظيفة مجلس النواب بمحاسبة الحكومة ومنح او حجب الثقة عنها.
ويسأل: «لماذا إذاً الانتخابات النيابية في وقت يمدّد المجلس النيابي لنفسه مرتين؟ داخل اللعبة السياسية اذا تمّ التوافق على قرار حتى لو كان مخالفاً للدستور والقوانين يمرّ واذا لم يتمّ التوافق لا يمرّ، واذا كان هناك موضوع ضروري يجب أن يمرّ إذا لم يتفقوا لا يمرّ.
ويضيف: «في هذا النظام لا موازنة ولا تواريخ ملزمة ولا انتخابات رئاسية ولا نيابية ولا حكومة تعمل، هناك ست شخصيات اذا عارض أحد منهم أو ممثل عن أحدهم اي موضوع مهمّ او غير مهمّ، فيعمل الباقون على استرضائه.
في هذه الحلقة المترابطة، يقول المصدر الوزاري السابق: دستورياً مجلس النواب ساقط ويجب إجراء انتخابات نيابية جديدة على اساس قانون جديد عادل، ويتساءل: كيف يأخذ المجلس وكالة من الشعب ويذهب ليجدّدها من تلقاء نفسه مرتين بحجة أنّ الحالة الأمنية لا تسمح؟ فكيف اجريت الانتخابات في كلّ من سورية وافغانستان؟ فالانتخابات تعطل لأنّ شخص او اثنين يرفضونها.
ويعزو المصدر أصل المشكلة إلى قانون الانتخاب، في حين أنّ زعيم كلّ منطقة سيدير أزمة نفاياتها وكلّ طائفة لها مؤسساتها وإعلامها، في حين أنّ قانون الإعلام يمنع أي جهة سياسية او حزبية ان تتملك اكثر من 10 في المئة من ايّ قناة تلفزيونية، ما يُسمّى الدولة هي عبارة عن ائتلاف دويلات مركبة، فزعيم كلّ طائفة لا يخاطب الجمهور الآخر بل همّه أن لا يخرج منافس له في طائفته، لذلك فأفق المصالح العامة ضيّق فيما أفق المصالح الخاصة واسع.
ويختم المصدر الوزاري حديثه بالقول: «حتى سلسلة الرتب والرواتب التي تطال كلّ الطوائف والأحزاب والقوى السياسية تكتلت كلّ القوى السياسية ضدّها في ظلّ غياب تامّ للاتحاد العمالي العام المتحالف مع الهيئات الاقتصادية».
بعد كلّ ما تقدّم وفي ضوء هذه الأزمات التي تتفجر بين الحين والآخر وليس آخرها أزمة النفايات، يتساءل اللبنانييون: هل سقطت الدولة؟