وزير السياحة السابق فادي عبّود في حوار مع «البناء» و«توب نيوز»: نعم لرئيس توافقيّ… ونحن جدّيون لفتح حوار مثمر مع «المستقبل» لكن ليس على حساب مبادئنا
ماذا تتوقعون لهذه الأزمة التي أخذت هذا الحيّز من همّ اللبنانيين وما هي نظريتكم الاقتصادية على هذا الصعيد؟
في المبدأ الأول، لهؤلاء الموظفين الحق في المطالبة بحقوقهم، وأيّ راتب يجب إعادة النظر فيه سنوياً.
وفي المبدأ الثاني: كل بلد لا يعتمد حرّية الاستخدام والاستغناء عن الخدمات، أي أن يعتمد «الزواج الماروني» بين العامل ورب العمل، نقصت فيه فرص العمل والاستخدام، وإعادة تصحيح الرواتب يجب أن تكون دورية وسنوية كما في كل دول العالم، ولكن يجب أن ترتبط بمعادلات علمية وواضحة، وأهمها التضخم، ولا أقتنع بالدرجات الأوتوماتيكية ونعم للدرجات لكنها يجب أن ترتبط بالأداء.
نعم، في المبدأ يحق للهيئات العمالية المطالبة بحقوق العمال، لكن من أصعب الأمور أن يطالب أحدُ الآخر ولا يملك هذا الآخر المال. المشكلة هي في الزيادة على الرواتب بـ 127 في المئة، بينما في 2013، كانت نسبة النمو 1 في المئة، وفي 2012 و2011 كانت سيئة أيضاً.
النمو مرتبط بالاستثمار، والاستثمار مرتبط بعدم «تهشيل» الأثرياء لأننا بحاجة إلى أموالهم لتوظيفها، ونحنا لا نريد تعميم الفقر بل تعميم الغنى الذي لا يأتي إلا من الاستثمار. وهناك فرق بين فرصة الإنتاج وفرصة العمل، وإذا خلقنا فرصة عمل لسنا بحاجة إليها، نواجه ضرراً رهيباً.
لماذا تؤمّن الأموال لعددٍ من الاستحقاقات والمشاريع الكبرى غير معروفة النتائج ولا يحصل خلل في الموازنة، فيما تمويل السلسلة التي يستفيد منها الفقراء يؤدّي إلى خلل في هذه الموازنة؟
كم كنت أتمنى على كل الهيئات العمالية واللجان العمالية وكل الشعب اللبناني، أن يتحرّكوا في موضوع الفساد بطريقة عملية لا نظرية، وليس صحيحاً أن الأملاك البحرية الذي فيها مخالفات كثيرة جداً، والمخالفون معروفين، تؤمّن الأموال للسلسلة، والأمر سيّان في ما يخصّ المرفأ أو الجمارك، وصحيح أن الدخل الجمركي انخفض، لكننا وقّعنا عدة اتفاقيات تجارة حرّة، إن كان على صعيد الدول العربية أو على الصعيد الأوروبي. وأيضاً ألغينا الزيادة على البنزين 5000 ل. ل.، والمفروض أن يكون التحرّك لمنع الفساد بالشراسة ذاتها للمطالبة بالحقوق، وكنت أتمنى أن أسمع صوتاً واحداً في لبنان غير صوتي من كل اللبنانيين حيال طلب تأجيل قانون الحصول على المعلومات أي المعلومات الحسابية لكل القطاع العام من وزارات أو مؤسسسات عامة. والمفروض أن تكون منشورة على الإنترنت، وطلبنا تعديل مشروع القانون هذا، عمره ثماني سنوات ، وطرحنا التعديل كما في كل دول العالم المتحضرة، بأن كل قرش يصرف في الدولة يجب أن ينشر على الإنترنت. الرئيس سلام طلب تأجيل البتّ بهذا القانون، وطلب من الرئيس برّي تأجيله. والرئيس برّي أجله لمدة شهر ومضى الشهر ولم يتحرّك أحد.
نقول للهيئات العمالية وللعمال: أنتم أصحاب حق، ولكن تعالوا لنطالب معاً بشراسة أن يؤمَّن هذا المال.
مثال آخر: التخمين العقاري، نادينا بالتخمين العقاري المركزي منذ 4 سنوات، وفي كل موازنة طرحناه، والجميع قال لي معك حق، ولكنه اختفى. وهناك استنسابية في هذا الموضوع، عندما تُخمَّن كل العقارات من قبل وزارة المالية في بداية السنة بالحد الأدنى المسموح، يقول الخبراء أن دخل لبنان يزيد سنوياً 500 مليون دولار.
بالمختصر المفيد، أنا مع حقوق العمال، لكنني أيضاً مع لغة الأرقام التي هي أفصح من لغة الكلام.
أليست السياسة أفصح من الأرقام؟ وما الذي عطّل السلسة؟ ضعف المال أم السياسة؟
هناك مجموعة أسباب تعطّل إقرار السلسلة. إن الأرقام التي تعطى للشعب اللبناني غير صحيحة، لأن الأرقام لا تأخذ بالاعتبار الرواتب التقاعدية التي كسرت اليابان وكندا، وهذا موضوع هام جداً، ويمكن أن يدخل موظف إلى الدولة والدولة تعطيه راتباً على 120 سنة، لأن الدولة اللبنانية توقّع عقداً مع هذا الشخص ممكن أن يصل إلى 120 سنة. والمعدل العام 60 سنة قائم لأنه سينتقل الحق منه إلى زوجته، إلى والدته ثم ابنته، إذا لم تكن تعمل أو متزوجة.
وطلبنا دراسة في هذا المجال، أن الصندوق التقاعدي يجب أن يدخل إليه 18 في المئة من ضرائب جديدة أو من المعاشات، والـ 6 في المئة ليست كافية، والراتب التقاعدي أغلى ومكلف أكثر من الراتب العادي، لأنّ التقاعدي يتوقف عن دفع ضريبة الدخل.
وأيضاً الدرجات العمياء بحاجة إلى إصلاح، والرواتب التقاعدية أيضاً، وأيضاً الدوامات لأن المستثمر لا يوظف أمواله في بلد يعمل فيه القطاع العام 36 ساعة أسبوعياً فقط.
هناك سياسة تُهرِّب المستثمر في لبنان، وحقوق الموظف مقدسة، وتحية إلى الهيئات العمالية لأنهم أثبتوا أنهم جديرون بالمطالبة بحقوقهم إلى النهاية ويجب أن يكونوا بالشراسة ذاتها لفرض الإصلاح فرضاً، وأن نحوّل المجتمع إلى مجتمع إنتاجيّ.
تقدمت بـ 25 اقتراحاً للحلول، ولدي حلول تبدأ بقانون الحصول على المعلومات، ويجب أن نوقف حيتان المال.
إلى أيّ مدى تساهم السياسة في الأمور التي تختفي؟
على أهل السياسة مسؤولية مباشرة في هذا الموضوع. مثلاً، لفت نظري وزير الداخلية. نرى وزير الداخلية جدّياً في عمله، وأراقبه كمواطن لبناني وكمراقب اقتصاديّ. سمعته يقول أنني لا أجد مالاً لأبني سوراً للمطار.
الفساد لا يقتصر على جهة سياسية واحدة، كما يحب البعض من فريقَيْ السياسي أن يصوّر.
ما سرّ التقاء تيار المستقبل والتيار الوطني الحر؟
لم نتوقّف عن انتقاد بعض الأمور الاقتصادية المسؤول عنها تيار المستقبل، والمستقبل لم يتوقف عن اعتبارنا غير ناجحين في موضوع الاقتصاد، وهذا الموضوع يحلّه الحوار. الاقتصاد مستثمر جبان والحوار مع تيار المستقبل لم يبدأ من الانتخابات الرئاسية، وأنا كنت من الداعين إلى الحوار بين المستقبل والتيار الوطني الحر وأن يكون الاقتصاد مفتاحاً لهذا الحوار.
الحوار الاقتصادي والسياسي مطلوب، ولكن هناك صورة أننا مستعدين أن نغير كل مفاهيمنا وكل مبادئنا وننسى، وهذه صورة ليست صحيحة.
من المستحيل أن يفكر فريق 8 آذار بأن يأتي برئيس لـ 8 آذار، أو فريق 14 آذار أن يأتي برئيس لـ 14 آذار. وحتماً ستكون الرئاسة فاشلة، ونعم لرئيس توافقيّ. ونحن جديون لفتح حوار مثمر، لكن ليس على حساب مبادئنا.
هل يمكن أن يكون العماد عون مرشّحاً توافقياً؟
يجب أن يكون هناك رئيس توافقيّ، وأعتقد بإصرار أننا بحاجة إلى رئيس جمهورية قويّ. والقوي ممكن أن يتحول إلى توافقيّ، أما الضعيف فهو توافقي من ضعفه لا من قوته.
آن الأوان للمسلمين في لبنان سنّةً وشيعةً ودروزاً أن يتركوا للمسيحيين القرار في أن يوصلوا رئيساً للجمهورية لديه أكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي. والجميع يظنّ أنه بالإمكان انتخاب رئيس جمهورية من دون أي تاثيرات خارجية، والواقع يختلف لأن الوضع الإقليمي واضح، وهناك أفرقاء في لبنان يأتمرون بالخارج، ولهذا الأمر أثر واضح وصريح ومباشر على رئيس الجمهورية في لبنان، وانتخابات مصر والعراق وسورية لها انعكاساتها على لبنان، وأخشى أن يعتبر البعض أن يكون لبنان جائزة ترضية، لأن هناك من خسر في سورية وفي العراق وفي مصر ويعضّ على جرحه. وإذا توقف التدخل الخارجي في لبنان ستكون حظوظ العماد عون مرتفعة.
ألا تعتقدون أنه من دون العوامل الخارجية لن ترتفع حظوظ العماد عون، لا سيما إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد في سورية؟
قد يكون العماد عون المسيحيّ الوحيد الذي يستطيع فتح حوار جدّي مع حزب الله. وهو الشخص الموثوق به من قبل السيد حسن أكثر من أيّ شخص آخر. وهناك تجربة بينهما وهذه التجربة لمصلحة لبنان لا ضده، لكنني لا أرى التكتل جزءاً من 8 آذار بالمعنى السياسي، وأريد أن نتكلم عن التجديد لمجلس النواب، وقد تكون أكبر مأساة وجريمة بحق ما يسمى ديمقراطية في لبنان أن هناك نواباً يمدّدون لأنفسهم. وتكتل التغيير والإصلاح هو التكتل الوحيد الذي وقف بشراسة ضد قانون التمديد، والآن التعطيل هو حق دستوري وسياسيّ، ومن يتكلم بالدستور مدّد لنفسه وأين المجلس الدستوري؟ وهذا لم يحصل في أيّ من الديمقراطيات، وهذا ما يميز عون عن 14 آذار. وعون ليس من 8 آذار، بل هو متحالف مع 8 آذار، ونحن نرى الشأن الديمقراطي مهم جداً، ونحن ضد التجديد والتمديد وهناك من اعتبر ذلك في 8 آذار ضرورة وطنية وقومية.
هل نشهد قائداً للجيش رئيساً للجمهورية الآن، وما هي حظوظ العماد قهوجي؟
ممكن أن تكون حظوظ العماد جان قهوجي مرتفعة، وهناك مجموعة قوى على الأرض تؤيّد وصوله لأنّه يضبط الأمور أكثر، خصوصاً وحدة الجيش، وأنا أكنّ كل احترام لقائد الجيش، ولكن يُخشى أن يصبح ذلك تقليداً متّبعاً.
ما هي أهداف زيارة جون كيري إلى لبنان بهذه السرعة ولقاء أشخاص محدّدين؟
هناك إعادة نطر في السياسة الشرق الأوسطية من قبل الولايات المتحدة الأميركية. وهناك نقد لاذع عبر ما نقرأه عن حرب العراق، إذ تبيّن أن الحرب على العراق لم يكن للولايات المتحدة أي مصلحة فيها، وكانت خطأً استراتيجياً فادحاً، لكن إدارة الرئيس أوباما عاجزة عن تغيير المسار تلقائياً، ما دفعه إلى التفكير أكثر بسياسته في الشرق الأوسط. لأن هذه السياسة أوصلت نسبة 80 في المئة من الشعوب العربية إلى عدم الاقتناع بالسياسة الأميركية.
لا يتحرك وزير الخارجية الأميركي من دون تعليمات. وهناك دور إيجابيّ تلعبه أميركا في الخليج والمنطقة لحلحة الأمور، وهل مصلحة أميركا في أن تدعم حرباً لمئة سنة مقبلة؟! نتمنى أن تلعب أميركا دوراً إيجابياً، ولا أرى أن المصلحة الأميركية هي في دعم الحروب في الشرق الأوسط.
هل هناك قناعة لدى الغرب بضرورة بقاء النظام السوري؟
من وجهة النظر الغربية اليوم، هناك تفكير جديد بدأ، ويتمثل في أن مع كل مشاكل الحكم في سورية، قد يكون النظام الحالي أفضل بكثير مما قد يحصل إذا وصلت «المعارضة» إلى الحكم، وأفضل من حكم داعش والمنظمات التكفيرية. وهناك أيضاً نظرية أخرى تقول إن من مصلحة كل الغرب أن تستمر الحروب في سورية، وتلزيم سورية الأسد القضاء على الإرهاب، وهذا ليس لمصلحة سورية، وكل الغرب أصبح على قناعة بأن ديمقراطية الأسد التي لا يقتنعون بها، أفضل بكثير من لاديمقراطية الإرهاب.
كيف سيتعامل الغرب مع نتائج الانتخابات السورية؟ وكيف يمكن لبلاد الديمقراطية أن تتجاهل المشهد الانتخابي في سورية؟
لم أفهم كيف يمكن بِاسم الديمقراطية أن نمنع الديمقراطية، ويثبت الغرب أنه غير متفهّم للواقع السياسيّ والديمغرافي والجغرافي في الشرق الأوسط.
هل سيطول الاعتراف بشرعية الانتخابات السورية من قبل الغرب؟
هناك مصلحة في عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات السورية، بأن تبقى «الديمقراطية» سيفاً مسلطاً على رقاب النظام السوري، وهذا باب ابتزاز وبيع أسلحة في المنطقة وإلهاء الخليج بالخطر القادم من الشام وإيران وإبعاد الضوء عن أن الخطر آت من «إسرائيل».
كيف تقرأون الحوار بين السعودية وإيران؟
من دون حوار جدّي بين إيران وعرب الخليج، ستتعرض كل المنطقة لهزّات كبيرة. الحكم في إيران واقعيّ، وعلى دول الخليج أن تؤمن بأن أيّ حرب عسكرية أو غير عسكرية هي في غير مصلحة إيران ودول الخليج، والتقارب الأميركي ـ الإيراني جرى بوتيرة كبيرة، وهذا درس لنا من الأميركيين وطريقة التعامل الجديدة مع إيران. وكما قيل إن سرعة شهر العسل بين إيران وأميركا مذهلة، والحوار مع إيران ليس صعباً وليس مستحيلاً كما يصوّر بعض السياسيين.